قراءة نفسية فى شواغل الشارع الأمريكى قبل انتخابات نوفمبر - قضايا أمريكية - بوابة الشروق
السبت 31 مايو 2025 6:23 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

قراءة نفسية فى شواغل الشارع الأمريكى قبل انتخابات نوفمبر

نشر فى : الثلاثاء 29 أكتوبر 2024 - 6:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 29 أكتوبر 2024 - 6:55 م

نشر المركز المصرى للفكر والدراست الاستراتيجية مقالا للباحثة ياسمين محمود، تناولت فيه الأسباب النفسية وراء احتلال قضايا معينة صدارة الأولويات فى انتخابات الرئاسة الأمريكية... نعرض من المقال ما يلى:

تتنوع القضايا التى تشغل الناخبة/ الناخب الأمريكى قبل الانتخابات الرئاسية المقرر انعقادها فى الخامس من نوفمبر القادم، وقد طرحت عدة استطلاعات للرأى العديد من القضايا المختلفة التى تشغل بالهم وتدفعه لتفضيل أحد المرشحيْن، والتى تعددت ما بين الاقتصاد، والتضخم والأسعار، والضرائب، والرعاية الصحية، والمناخ، والسياسة الخارجية، والسلاح، والتعليم، والهجرة والحدود، والعنصرية وحماية الديمقراطية، والإجهاض، وغيرها من القضايا الأخرى.

تكشف استطلاعات الرأى عن أولوية قضايا الاقتصاد والرعاية الصحية والجريمة لدى الناخبين والناخبات، وذلك لما لها من دور محورى فى إشباع حاجات الأمن لديهم، الأمر الذى يمكن تفكيكه على النحو التالى:

أولا-الاقتصاد: اتفقت العديد من الاستطلاعات أن قضايا الاقتصاد والتضخم تأتى على رأس القضايا التى تشغل الناخبة/ الناخب الأمريكى. ففى استطلاع Pew research center، سبتمبر 2024، جاء الاقتصاد على رأس القضايا التى تهم بنسبة 81%. وفى استطلاع Ipsos، أكتوبر 2024، أكد ما نسبته 92% على أهمية الاقتصاد أو وضعهم الاقتصادى الشخصى فى تحديد كيفية تصويتهم فى الانتخابات المقبلة. واتفق استطلاع Statista، المنشور فى يوليو 2024، مع الاستطلاعين السابقين حيث جاء الاهتمام بالأسعار والتضخم على رأس القضايا بنسبة 25%.

إن كون الاقتصاد فى مقدمة الاهتمامات ليس مفاجئا؛ فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قد تعافت مما خلفته تداعيات جائحة (كوفيد-19) على الاقتصاد العالمى، إلا أن التضخم وارتفاع الأسعار، مازال مؤثرًا خاصة على الأجيال الجديدة. فبحسب تقرير نشره TRUST  UNION يعتمد الجيل الجديد بشكل كبير على الاقتراض، ويتحمل أغلبهم الديون فى سن صغير ما بين بطاقات الائتمان وقروض السيارات والرهن العقارى. وكشف استطلاع جامعة شيكاغو، الذى أُجرى ما بين 22 يوليو و5 أغسطس 2024، عن آراء الشباب حول شواغلهم السياسية قبل الانتخابات، وقد احتل التضخم والاقتصاد على المرتبة الأولى بنسبة 54%، فيما أشار 19% منهم أن القدرة على تحمل تكاليف السكن هى المشكلة الأكبر، مقارنةً بأى مشكلة أخرى، بما فى ذلك العنف المسلح والتعليم.

وقد يكون للفجوة فى مستويات الدخل والتى أدت إلى انخفاض نسبة من ينتمون للطبقة المتوسطة دورًا فى انشغال الناخبين والناخبات بالاقتصاد، حيث أشار استطلاع Pew Research center  المنشور فى مايو 2024 إلى انخفاض نسبة  الذين ينتمون إلى الطبقة المتوسطة مقارنة بعام 1971، حيث كان 61% يعيشون فى أسر من الطبقة المتوسطة، وبحلول عام 2023، انخفضت هذه النسبة إلى 51%. وبالرغم من كون الولايات المتحدة من أغنى الدول فى العالم فإن التفاوت فى توزيع الثروات والفجوات الكبيرة فى الدخل تشكل أزمة كبيرة.

واستنادًا إلى ذلك، تعبر النسب المُشار إليها آنفًا، من وجهة نظر نفسية، عن عدم الشعور بالأمن الاقتصادي، حيث إن المستوى العام للأسعار لايزال أعلى مما كانت عليه فى 2020 و2021، وما زالت الفجوة فى الدخول مرتفعة مقارنة بالعقود الماضية، بالرغم من ارتفاع نمو الناتج المحلى الإجمالى إلى 22% وتباطؤ معدل التضخم إلى 3% فى ديسمبر 2023.

ويعد الأمن الاقتصادى، والذى يمثل قدرة الأفراد والمجتمعات على تلبية احتياجاتهم الأساسية، حاجة نفسية مهمة تقع تحت مظلة احتياجات الأمان للفرد، نظرًا لما لعامل الاقتصاد من أهمية وتداخل فى مجالات الحياة كافة. كما يعزز الشعور بعدم الأمن الاقتصادى، الحروب المستمرة لحلفاء الولايات المتحدة، التى تزيد من تكلفة الإنفاق العسكرى، والتى تؤثر بدورها على الاقتصاد المحلى. وبالرغم من أنها ليست طرفًا مباشر فى تلك الحروب، قد يكون للمساعدات العسكرية والمادية التى تقدمها واشنطن للحلفاء دورًا فى زيادة انشغال الشعب الأمريكى بالاقتصاد، بسبب إهدار أموال الضرائب على الدعم العسكرى الخارجى بدلًا من توجيهها إلى الداخل.

بحسب ما كشفه استطلاع Rasmussen Reports، المنشور فى أبريل 2024، فإن ما يقرب من نصف من لهم حق الانتخاب يعتقدون أن بلادهم تهدر أموال الضرائب دون مبرر، من خلال تقديم الدعم لحلفائها فى الخارج، وكشف التقرير أن نحو 57% يرون أن الحكومة الفيدرالية تنفق «الكثير جدًا» على برامج المساعدات الخارجية بشكل عام، وطالبو الحكومة بإعادة النظر فى تلك السياسات والتركيز على الاحتياجات المحلية بدلًا عن احتياجات الشركاء الخارجيين.

وأشار استطلاع نشرته الصحيفة البريطانية Financial Times، فى ديسمبر 2023، إلى أن 48% يعتقدون أن الولايات المتحدة تنفق «الكثير» على المساعدات العسكرية والمالية لأوكرانيا، فيما يرى 40% أن بلادهم تنفق «أكثر مما ينبغى» على المساعدات العسكرية والمالية لإسرائيل.

•  •  •

ثانيا- الرعاية الصحية: تحتل قضية الرعاية الصحية جانبًا كبيرًا من اهتمامات الشعب الأمريكى، حيث تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأسوأ بين 10 دول متقدمة فى مجال الرعاية الصحية، وقد أشار تقرير نشرته NBC أن الولايات المتحدة تحتل المرتبة الأخيرة فى مجال الرعاية الصحية مقارنة بتسعة دول أخرى ذات دخل مرتفع، وأوضح التقرير أن نظام الرعاية الصحية فى الولايات المتحدة يأتى فى المرتبة الأخيرة من حيث إمكانية الوصول للرعاية الصحية، والمساواة، ونتائج الرعاية الصحية، كما جاء فى المرتبة الأخيرة بشكل عام.

ويبدو أن تراجع مستوى الرعاية الصحية فى الولايات المتحدة الناجم عن عدم توفير برامج الرعاية الصحية وخدمات التأمين الصحى للمواطنين والمواطنات وتوفير الأدوية بأسعار معقولة، يؤدى للشعور بعدم الأمن الصحى، والذى بدوره يصبح الدافع وراء مطالبة الحملات الرئاسية بوضع سياسات تضمن لهم الأمن الصحى.

 ويعد الأمن الصحى قضية مرتبطة بشكل وثيق بالأمن الاقتصادي، حيث أن زيادة تكلفة العلاج والرعاية الصحية، تعيق الكثير من الحصول على أبسط حقوقهم الأساسية فى العلاج.

•  •  •

ثالثا-الجرائم: يأتى الدافع الأساسى وراء انشغال الشارع الأمريكى بتلك القضية، كنتيجة طبيعية للشعور بالتهديد؛ حيث يعيش نسبة كبيرة فى حالة من الخوف المستمر من التعرض للجريمة، سواء كانت سرقة أو اعتداء أو حتى قتل، وبالرغم من أن بعض التقارير الصادرة عن مكتب التحقيقات الفيدرالية تشير إلى انخفاض معدلات الجريمة فى مختلف فئات الجرائم العنيفة فى الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024، إلا أن الناخبين والناخبات مازالوا فى انتظار سياسات أكثر صرامة للحد من معدلات الجرائم وأسبابها، التى يأتى على رأسها انتشار حيازة السلاح.

وعلى الرغم من سعى الرئيس «جو بايدن» لتشريع قانون لتقييد حيازة الأسلحة، ووضع ضوابط أكثر صرامة على المشترين الشباب وإعطاء الحق للولايات لسحب الأسلحة من الأشخاص الذين تعتبرهم تهديدًا، مازال العنف المسلح يشكل تهديدًا.

•  •  •

رابعا-الهجرة: تعد سياسة الحدود والهجرة قضية انتخابية رئيسية، بسبب ارتباطها العميق بالأمن القومى والسياسة الاقتصادية والهوية الثقافية، وبالرغم من أن الهجرة ساهمت بشكل كبير فى تشكيل المجتمع الأمريكى، تشير بعض الاستطلاعات، ومنها استطلاع جالوب فى يونيو 2024، إلى أن نحو 55% يرغبون فى خفض معدلات الهجرة.

يبدو أن أحد الدوافع الرئيسية لاهتمام الشعب الأمريكى بالهجرة تتعلق بالصورة الذهنية المغلوطة التى تكمن فى كون المهاجرين مجرمين، وقد تكون تلك المزاعم وكونهم سبب فى ارتفاع معدلات الجريمة، هو الدافع الأكبر لرغبة المواطنين والمواطنات فى خفض معدلات الهجرة. فوفقًا لاستطلاع Pew research center، المنشور فى فبراير 2024، يرى 57% أن العدد الكبير من المهاجرين هو ما يؤدى إلى زيادة الجريمة. لكن على عكس ما يشاع أن المهاجرين سببًا فى زيادة معدلات الجريمة، أثبتت عدة دراسات خلاف ذلك، وأفادت بأنه غالبًا ما تكون معدلات الجريمة فى أدنى مستوياتها فى الأماكن التى تكون فيها مستويات الهجرة أعلى، وقد يرجع هذا إلى وجود خوف لدى المهاجرين من الوقوع فى المشاكل والترحيل ما يجعلهم لا يرغبون فى إثارة المشاكل.

وبخلاف الأسباب الاقتصادية والأمنية لبروز قضية الهجرة والحدود كقضية أساسية فى الانتخابات، يمكن تفسير انشغال الشارع الأمريكى بتلك القضية من خلال نظرية «الاستبدال العظيم» التى قد يستغلها الساسة من أجل الاستقطاب السياسى وتحقيق مكاسب انتخابية، عبر إثارة المخاوف، وهى نظرية مؤامرة يروج لها المتطرفون البيض، والتى تدعى أن غير البيض يهاجرون إلى الولايات المتحدة من أجل دفع سكان البلد الأصليين إلى أن يصبحوا أقلية فى بلدهم، مما يفقدهم نفوذهم الاقتصادى والسياسى والثقافى.

•  •  •

فى الختام، تكشف القراءة فى شواغل الشارع الأمريكى من الناحية النفسية عن مجموعة من العوامل التى تؤثر على الأفراد وتحدد أولوياتهم. ويسهم فهم هذه العوامل النفسية فى إلقاء الضوء على الدوافع الخفية وراء اهتمام الناخبين والناخبات بالقضايا المختلفة، مما يوفر لصناع القرار فرصة قيمة للتواصل بشكل أعمق مع احتياجات وتطلعات الشعب الأمريكى، وتدفعهم نحو تبنى خطاب متقارب مع هذه التطلعات.

 

النص الأصلى 

قضايا أمريكية قضايا أمريكية
التعليقات