إشكالية العلاقة بين اللغة والهوية - مواقع عربية - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 7:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إشكالية العلاقة بين اللغة والهوية

نشر فى : السبت 30 سبتمبر 2023 - 7:40 م | آخر تحديث : السبت 30 سبتمبر 2023 - 7:40 م
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب السورى محمد باقى محمد، تناول فيه ما يعنيه مصطلحا اللغة والهوية، والدوائر التى يلتقيان فيها ويفترقان فيها... نعرض من المقال ما يلى:
ها نحن نقف فى حقل العلوم الإنسانية، التى يصعب اجتراح تعريف جامع مانع لها كما أسلفنا غير مرة، وذلك على العكس من العلوم الوضعية، التى تحتكم إلى ضبط صارم يسوسها فى الموضوعات أو العلاقات أو فى ضبط المصطلح، فكيف إذا انتهى بنا المقام إلى تلمس العلاقة بين موضوعين كاللغة والهوية، بما هما حقلان شديدا التمفصل، بل التداخل؟! إلا أننا، فى المجتبى، مكرهون على ما ليس منه بد، ذلك أننا لا نجد مناصا من تحرى تلك العلاقة، وذلك للوقوف على موضوع راهن وضاغط وشديد الأهمية، واضعين فى اعتبارنا أن احتدام الحوار حول مسألة ما يضعها على تخوم النضج فاكتمال المحاور، على ألا يكون التوفيق أو التلفيق أو المنزلة بين المنزلتين فى مقاصد أى طرف!
على هذا التأسيس سنعترف، بداية، بأن طرْح المصطلحين المتلازم يستبطن إقرارا ضمنيا بأن ثمة علاقة بينهما، ما يستدعى أسئلة عن الدوائر التى يلتقيان فيها، والدوائر التى يفترقان فيها إن وجدت! ثم إن طرحا كهذا يلزمنا بالوقوف على اللغة بوصفها هوية، أى بما تحمله فى داخلها من عناصر قوة، على نحو يدفعنا إلى الإيمان بها من جهة، والتمسك بها من جهة أخرى!
تعالوا نتفق، إذا، أن اللغة إذ نشأت، أنيطت بها وظيفة التواصل بين البشر أساسا، فى حين أن الهوية تحيلنا إلى الذات الفردية، تلك التى تنتمى إلى الذات الجماعية بمستوياتها المختلفة، التاريخية، الجغرافية، الثقافية، السياسية، الدينية، والحضارية بالإجمال.
• • •
من المهم أن نشير إلى أن التواصل وظيفة مجردة، محدودة القيمة، وتكمن أهميته فى تأثيره إذ يرتد إلى الفكر. أما الهوية فتتمحور حول الذات والكينونة والماهية، وهى آتية من عالم الفلسفة فى صورة مصدر صناعى، يقوم على النسبة؛ وعلى هذا، فهى تحيل إلى الانتماء والتساوى والتشابه، وتنحو إلى التركيب حين تعبر عن جماعة أو أمة، ذلك أنها ترتبط بمصالحهم وغاياتهم الجمعية. وبهذا فهى لا تولد مع الإنسان، بل ترتبط بعلاقة وثيقة بالمحيط كاللغة والثقافة، أى بالمعنى التاريخى للمجتمع، علوما ومعارف ومواقف وذكريات ومشاعر وأفراحا وتجارب. هذا كله يسهم فى تشكيل هوية الجماعة فى الزمان والمكان والدين بما هو رؤية الذات والآخر والكون.
ثم إن اللغة هى التى صاغت أول هوية، أى كينونة الجماعة عبر التاريخ. فاللسان الواحد هو الذى صير فئة من الناس جماعة واحدة. ويلاحظ أن أهمية العلاقة بين اللغة والهوية تزداد فى المنعطفات التاريخية، لتتبدى تصاعديا فى المنعطفات الحضارية الإيجابية. فهل نستشهد بدور الدولة الإسلامية فى بلورة هوية عربية لم تنأ عن القداسة، على اعتبار أن العربية هى لغة القرآن الكريم!؟ لكنها ستتبدى سلبا فى الانكسار والتشظى والغياب عن ساحة الفعل والتأثير، ولعلنا نقع على ضالتنا ــ تمثيلا ــ فى الموات القار فى ظل الإمبراطورية العثمانية!
بقى أن نشير إلى أنهما جمعيتان، أى إنهما لا تعيشان داخل الفرد المنعزل، إذ نحن نرى كيف أن اللغة والهوية إنما هما وجهان لعملة واحدة، لأن الإنسان فى جوهره ليس سوى لغة وهوية، اللغة بما هى فكره ولسانه، وفى الوقت ذاته بما هى انتماؤه، أى بما هى هويته.
• • •
أما الدوائر التى يفترقان فيها فقد تتلخص فى حالة الهزيمة التى تحيق بأمة مثلا، بحيث سنجد ارتباكا جليا فى التعبير عن الهوية، وسيقتصر حديثنا عليها فى ما يلى فى الخطاب الرسمى العربى، وذلك فى أعقاب هزيمة يونيو 1967، ناهينا بأن تلمسها لدى النخب الثقافية بدا هو الآخر ملتبسا، يشكو الاضطراب والإبهام.
يضاف إلى ما تقدم غياب المشروع المعبر عن طموحات البشر وآمالهم، وسنجد التعبير عن هذا الغياب فى تسيد الخطاب القطرى على حساب الخطاب القومى، بعدما وأد الخطاب القطرى تطلعا، يشكو الإبهام أساسا، إلى وحدة الصف.
إن العرب المسلمين إذ أخرجوا من الأندلس على يد ملوك قشتالة «إيزابيلا وفرديناند» فى اتحادهما، إنما كانوا يستقيلون من التاريخ، ما سيشى لاحقا بغياب وعى الأنا الحضارى لأمد طويل.
فهل نتذكر أننا إذ نقف اليوم، على الرغم من العامل الدينى كعامل موحد، سنفاجأ بأن انقسامه المذهبى صيره عامل تشظ وقسمة وافتراق؟

النص الأصلى:

التعليقات