لننتظر نتائج هذا المسلسل الهزيل - ماجدة شاهين - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لننتظر نتائج هذا المسلسل الهزيل

نشر فى : الأحد 30 أكتوبر 2016 - 10:15 م | آخر تحديث : الأحد 30 أكتوبر 2016 - 10:15 م

يميل ترامب إلى مقارنة الانتخابات الأمريكية بنتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، حيث إن استطلاعات الرأى كانت جميعها تشير وبنسبة لا تقل عن ثمانية فى المائة إلى صالح البقاء فى الاتحاد الأوروبى، وظهرت نتيجة التصويت على عكس ذلك، وهو ما يتناسب مع وضع ترامب المتزعزع حاليا فى الانتخابات، حيث تشير استطلاعات الرأى على المستوى الوطنى وبعد المناظرات الثلاث إلى فوز كلينتون بفارق لا يقل عن خمسة فى المائة. ومع ذلك، فإن جميع الاحتمالات ما زالت مفتوحة، ولا يمكن الجزم مسبقا بفوز أحدهما على الآخر قبل التصويت النهائى فى ديسمبر للـelectoral college على أساس أن الانتخابات الأمريكية، الفريدة من نوعها، تتم على مرحلتين، الأولى على مستوى الشعب والثانية على مستوى المجموعة المنتقاة من النخبة الانتخابية، وهى فى الواقع التى تحدد النتيجة النهائية للانتخابات بغض النظر عن نتيجة التصويت الشعبى فى الثامن من نوفمبر.

وتتعدد الجهات والمستويات والدوائر التى تهاجم ترامب محذرة علنا من عدم قدرته على تولى الرئاسة، ليس فقط لإخفاقه موضوعيا وعدم إلمامه بالسياسة، ولكن نظرا إلى فضائحه المتكررة وسابق تعامله بمهانة مع النظام والتحايل عليه، سواء بالنسبة لعدم دفع الضرائب المستحقة عليه أو بسبب إشهار إفلاسه أكثر من مرة أو عدم دفع الأجور المستحقة عليه لعاملين لديه وفقا لما اتهمته به كلينتون. فالضربات الموجهة لترامب لم تعد قاصرة على كلينتون والديمقراطيين فحسب، بل إن كثيرا من الجمهوريين، لا سيما مرشحى الحزب لانتخابات الكونجرس التى تجرى فى نفس التوقيت مع الانتخابات الرئاسية، آثروا الابتعاد عنه حماية لأنفسهم وعدم إضاعة فرصهم فى الفوز فى الانتخابات التشريعية لكل من مجلسى النواب والشيوخ.

***

وعلى نحو ما أشرت إليه فى مقال سابق، قام خمسون خبيرا من الجمهوريين بتوقيع خطاب مفتوح معلنين فيه مدى خطورة ترامب على الحزب الجمهورى، كما استقال الكثيرون من لجنة الحزب بدلا من السعى نحو إنجاح مرشحهم. أضف إلى ذلك الاتجاه العام لوسائل الإعلام والصحافة الأمريكية فى توجيه انتقادات لاذعة لترامب، حتى أن الصحافة المحافظة والتابعة للحزب الجمهورى لم تتوان فى نقدها لترامب وتأييد كلينتون على حسابه.

ويبدو أن كلا من رئيس الجمهورية أوباما وزوجته ميشيل قد أعلنا الحرب على ترامب وخصصا تماما ما تبقى لهما من وقت فى البيت الأبيض لشن هجومهما عليه. ولا عجب فى ذلك، فإن دونالد ترامب يعمل فى إطار معارض تماما لسياسات الرئيس الحالى وأن فوزه معناه أنه سيمحو بجرة قلم كل ما قام به أوباما طوال فترتين من الرئاسة، بدءا من سياسات التأمين مرورا بالتفاوض على اتفاقيتى التجارة الحرة العملاقتين عبر الأطلنطى وعبر الباسفيك وأخيرا محاولات أوباما الابتعاد عن السياسات المنفردة المعتادة للإدارات الأمريكية المتلاحقة والتوجه إلى العمل من خلال المنظمات الدولية والسياسات متعددة الأطراف لمواجهة الأزمات الدولية، بغض النظر عما لدينا من شكوك فى هذا الشأن والنظر إلى السياسة التعددية لأوباما على أساس أنها سياسات وفق الطلب لخدمة المصالح الأمريكية الضيقة كقوة عظمى.

ويبدو أن ترامب لا يبالى كثيرا بهذا الهجوم، فهو من جانبه لا يتوانى عن تسديد لكماته إلى الجميع باعتبار أن الصحافة منحازة ضده والنظام فى واشنطن فاسد. وينفرد ترامب بسياساته التى كثيرا ما تتعارض مع توجهات حزبه، من حيث هجومه المتعصب ضد سياسات الهجرة والمهاجرين وهى مواقف أكثر تطرفا من تلك التى ينتهجها أعضاء حزبه، وموقفه الصارخ ضد اتفاقيات التجارة الحرة، وهى التى يدعمها الحزب الجمهورى بقوة بل ودفع أعضاء الحزب الديمقراطى إلى تأييدها وتبنيها، فضلا عن موقفه المنفرد والبعيد تماما عن موقف الحزب ضد سياسات العولمة ومساندة الشركات الكبرى الأمريكية وتلك ذات الجنسيات المتعددة.

***

وإزاء الحملات الشرسة اليومية الموجهة ضد ترامب والمواقف المنفردة لترامب ضد الحزب الجمهورى نفسه الذى قام بترشيحه، فلنا أن نتساءل من أين يأتى ترامب بهذا الحشد الذى يقف وراءه ويسانده بغض النظر عن تصريحاته المتناقضة وفضائحه وسياساته المتطرفة. فإن التجمعات التى يعقدها ترامب، وبشهادة الجميع، تتمتع بحضور يفوق قوة حضور تجمعات كلينتون. فإن هذه الظاهرة الفريدة تستحق وقفة. ويذهب الكثيرون إلى الزعم أن مؤيدى ترامب هم الذين يرغبون التغيير، على أساس أن أكثر من ستين فى المائة من الشعب الأمريكى غير راض عن سياسات أوباما التى يصنفها الكثيرون بأنها سياسات مائعة وأضرت بالولايات المتحدة. بيد أن مثل هذا القول غير كاف لتفسير هذه الظاهرة التى نحن فى حيرة أمامها.

ويبدو أن استحواذ ترامب على قاعدته الشعبية يُعد لغزا للكثيرين بالفعل، وأكثر التبريرات قربا للواقع هو استشعار البيض بالإحباط بالنظر إلى اضمحلال عددهم تدريجيا، ومن ثم تشبث هؤلاء بالحنين إلى الماضى، وسعيهم لاستعادة مجدهم من خلال الوقوف قلبا وقالبا مع ترامب مهما بدا منه من مواقف شاردة ومنحرفة. وهؤلاء البيض كبار السن الذين تعلموا ونشأوا على العنصرية وتفوق الجنس الأبيض ذو الديانة البروتستانتية على الأجناس الأخرى، هم الذين يشكلون اليوم جوهر القاعدة التى تقف وراء ترامب، وهم الذين يدفعون ترامب إلى مزيد من الانعزالية وتمجيد الجنس الأبيض على غيرهم.

وكم كان التناقض جليا عندما قامت حملة ترامب باختيار مدينة جيتسبرج بولاية بنسلفانيا لإطلاق ترامب برنامجه للمائة يوم الأولى عند فوزه بالرئاسة. وتمثل هذه المدينة صرحا تاريخيا، حيث كانت هى المدينة التى ألحقت فيها ولايات الشمال الهزيمة بولايات الجنوب المنفصلة فى الحرب الأهلية الأمريكية. وكانت هى المدينة التى أطلق فيها الرئيس الأمريكى أبراهام لينكولن مؤسس وأول رئيس للحزب الجمهورى كلمته الشهيرة، التى لم تتعد الدقائق الثلاث، والتى قام فيها بدلا من شن هجومٍ عارمٍ على ولايات الجنوب المنفصلة وسياساتها العنصرية، بالتأكيد على ضرورة لم الشمل وتحقيق ما نادى به الآباء المؤسسون فى إعلان الاستقلال من أن الجميع ولدوا متساوون. وأعلن جملته الشهيرة: إقامة حكومة الشعب من الشعب وللشعب، بما جاء تفسيرها أن الحكومة الأمريكية فى خدمة الجميع بالتساوى لا تفرقة بين البيض والسود. وغابت رسالة لينكولن من جيتسبرج تماما عن خطاب ترامب، الذى قام بتعميق الفجوة بين الشعب الأمريكى وزيادة قسمته.

وانقلب ترامب على سلطة الحزب الجمهورى ومعتقداته وممارساته من خلال المطالبة بمنع هجرة المسلمين، ومواقفه المتعنتة من ترحيل المهاجرين غير الشرعيين دون محاكمة عادلة، ورفضه صراحة لنتائج الانتخابات فى المناظرة الأخيرة، بما اعتبره الكثيرون معارضة صريحة للديمقراطية التى تفتخر بها الولايات المتحدة من أكثر من مائتى عام. فإن هذه المطالب وغيرها لا تتفق ومبادئ الحزب الجمهورى، بل تسىء إليه إساءة بالغة. وأصبح ترامب يقارن بالسيناتور جون مكارثى والذى تعد حقبته فيما بعد الحرب العالمية الثانية من أكثر الفترات سوادا فى تاريخ الولايات المتحدة، حيث قام باعتقال المثقفين والسياسيين دون محاكمات عادلة متهما إياهم بالخيانة وزعما باعتناقهم الشيوعية.

وبعد أن كان الحزب الديمقراطى هو الذى يطالب باستمرار العبودية للسود، أصبح الحزب هو المدافع عن حقوق الأقليات، فى حين أصبح ترامب ممثلا للحزب الجمهورى الذى يدافع عن تفوق الجنس الأبيض وترسيخ الفرقة بين الشعب الأمريكى. وإن لم يقم الحزب الجمهورى بسرعة إعادة هيكلة نفسه بعد الانتخابات ووضع استراتيجية جديدة تمسكا بمبادئه التاريخية التى وضعها أبراهام لينكولن وجنح عنها تدريجيا الرؤساء الجمهوريون تاركين المجال للديمقراطيين ليحلوا محلهم، إن لم يُعِد الحزب هيكلته، فإن ذلك قد يؤدى إلى هلاكه. وجاء ترامب ليكون بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير منفرا كل فئات الأقليات من الحزب الجمهورى وشبه قاصر قاعدته على البيض المتعصبين.

***

وتكتسب هيلارى كلينتون مزيدا من الثقة بالفوز، ليس فقط لتفوقها على ترامب فى المناظرات الثلاثة، ولكن لعلمها بالانشقاق الداخلى غير المسبوق للحزب الجمهورى الذى هو وحده الكفيل بإلقاء الهزيمة على مرشحه، والذى سيحتاج إلى جهد مضنٍ ليحيا ويقوم من جديد.

بيد أن معسكر ترامب مازال يسدد بعض اللكمات لكلينتون وإن كان يبدو أنها لا تصيبها، فقد ترفعت كلينتون عن فضائح البريد الإلكترونى وويكى ليكس التى ألقت اللوم فيها على الرئيس الروسى بوتين باعتباره يقوم بالتجسس على الولايات المتحدة لإنجاح منافسها ترامب، والتربح هى وزوجها من جراء إلقاء الكلمات العامة مقابل أموال طائلة، والشبهات التى تحوم حول مؤسسة زوجها وابنتها، وافتقادها ثقة الناخب الأمريكى، كل ذلك من إخفاقات يبدو أن الناخب الأمريكى على استعداد للتغاضى عنها فى مقابل عدم إتاحة الفرصة لترامب للفوز.

من جانبها أحجمت كلينتون عن الرد على ترامب على أساس أنه لم يعد يستحق عناء الرد وأن حملته تلفظ أنفاسها الأخيرة. ومع ذلك، فإنه إذا نظرنا إلى ترامب نجد أنه ما زال على قيد الحياة ويركل بقوة، زاعما أن استطلاعات الرأى فى صالحه وأنه ما زال هو المرشح المرجح للرئاسة. وحيث إن هذا المقال قد يكون الأخير قبل التصويت، فلا يبقى أمامى سوى القول، أسمع كلامك أصدقك أشوف أمورك أستعجب.

ماجدة شاهين مساعد وزير الخارجية للعلاقات الاقتصادية الدولية (سابقاً)
التعليقات