تطوير سينمات وسط البلد.. خطوة طال انتظارها - خالد محمود - بوابة الشروق
الأحد 9 نوفمبر 2025 10:18 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

من يفوز بالسوبر المصري؟

تطوير سينمات وسط البلد.. خطوة طال انتظارها

نشر فى : السبت 8 نوفمبر 2025 - 6:15 م | آخر تحديث : السبت 8 نوفمبر 2025 - 6:20 م

من جديد تعود سينمات وسط البلد إلى دائرة الضوء، بعد توجيهات وزير الثقافة أحمد فؤاد هَنو بتطوير سينما ديانا وتحويلها إلى «سينما ومسرح»، فى إطار خطة شاملة لإحياء دور العرض التاريخية فى قلب القاهرة.


قد تبدو هذه الخطوة للوهلة الأولى فنية أو إنشائية، لكنها فى الحقيقة تمس جوهر الثقافة المصرية، وتعيد طرح سؤال جوهرى: هل تأخّرنا فى إنقاذ دور العرض القديمة.. وما الذى نحتاجه حتى تستعيد تلك القاعات العريقة بريقها الذى صنع ذاكرة المصريين على مدى عقود؟


من يتجوّل فى شوارع وسط البلد لا يمكنه أن يتجاهل أسماء مثل «ديانا» و«ميامى» و«مترو» و«راديو»، تلك الدور التى كانت شواهد على عصر ذهبى للسينما المصرية. فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى، كانت القاهرة تمتلك أكثر من 1200 شاشة عرض، فى حين لا يتجاوز عددها اليوم 350 شاشة فقط، رغم تضاعف عدد السكان أكثر من أربع مرات.


تلك المقارنة وحدها كافية لتوضح حجم الفجوة التى أصابت البنية الثقافية، حين تراجع الاهتمام بدور العرض التقليدية أمام انتشار المولات ودور السينما الحديثة فى الأطراف.
من الناحية الرمزية، يمثل قرار الوزير خطوة فى الاتجاه الصحيح، لكنه جاء بعد تأخر طويل. فقد ظلت تلك القاعات التاريخية مغلقة أو مهملة لعقود، وتحوّلت من منارات فنية إلى مبانٍ باهتة مطفأة. فى الوقت الذى كانت فيه دول أخرى تُعيد توظيف دور السينما القديمة كمراكز ثقافية أو متاحف فنية، كانت القاهرة تفقد تدريجيًا جزءًا من ذاكرتها البصرية.
ولعل الدافع وراء هذه الخطوة اليوم هو الإيمان بأن «السينما ليست ترفًا»، بل وسيلة وعى وجزء من القوة الناعمة للدولة. فحين تنطفئ شاشة العرض فى قلب العاصمة، يخفت معها جزء من روح المدينة نفسها.


ما الذى نحتاجه لاستعادة البريق؟


لكى تنجح عملية التطوير، لا يكفى فقط تجديد المقاعد أو الطلاء، بل يجب إعادة صياغة تجربة المشاهدة بالكامل.
أولًا، لا بد من تحديث الأنظمة الصوتية والبصرية وفقًا لأحدث المعايير، لأن جمهور اليوم لم يعد يقبل بتجربة عرض متواضعة، خصوصًا فى ظل المنافسة الشرسة مع المنصات الرقمية.


ثانيًا، من المهم أن تكون الإدارة حديثة ومحترفة، تعتمد على التسويق الفعّال، وبرمجة عروض متنوعة تجمع بين السينما والمسرح والموسيقى، كما يقترح المشروع الجديد لسينما ديانا. فالفن لم يعد «عرض فيلم فقط»، بل تجربة ثقافية متكاملة يمكن أن تمتد إلى نقاشات وورش وفعاليات شبابية.
وثالثًا، يجب ربط هذه الدور بالبيئة المحيطة بها فى وسط البلد، عبر تطوير الواجهات، وتنشيط المقاهى والمكتبات المجاورة، لتتحول المنطقة كلها إلى مساحة ثقافية نابضة بالحياة، لا مجرد مبنى قديم تم ترميمه.


يبقى التحدى الأكبر فى الاستدامة
فالنجاح لا يُقاس فقط بفتح الأبواب مجددًا، بل بقدرة هذه الدور على الاستمرار ماليًا وجماهيريًا. كثير من التجارب السابقة توقفت بعد أشهر من الافتتاح بسبب ضعف الإدارة أو غياب التمويل. لذا يجب وضع خطة واضحة لضمان التشغيل المستدام، سواء من خلال شراكات مع القطاع الخاص، أو بدعم حكومى يوازن بين البُعد الثقافى والعائد الاقتصادى.
كما يمكن التفكير فى إنشاء صندوق لدعم السينما المستقلة يرتبط بتلك الدور، بحيث تصبح منابر لعرض الأفلام القصيرة والتجريبية، مما يجذب شريحة جديدة من الجمهور الشاب.


السؤال هل تكفى دور العرض الحالية؟


الإجابة ببساطة: لا.
فى بلد يتجاوز عدد سكانه 100 مليون نسمة، لا يمكن اعتبار 350 شاشة فى العاصمة رقمًا كافيًا. هذه النسبة ضئيلة جدًا مقارنة بدول أخرى فى المنطقة. الفجوة لا تتعلق فقط بالعدد، بل أيضًا بتوزيع الشاشات، إذ تتركز معظمها فى المدن الجديدة والمولات التجارية، بينما تغيب عن المحافظات والمناطق الشعبية التى كانت يومًا حاضنة لجمهور السينما الأصيل.
إحياء سينمات وسط البلد هو خطوة رمزية، لكنه أيضًا بداية ضرورية لإعادة توزيع العدالة الثقافية، وعودة السينما إلى الناس فى أماكنهم، لا العكس.
ربما يحركنا الحنين ونحن نتحدث عن سينمات وسط البلد، لكن المستقبل وحده قادر على أن يمنحها معنى جديدًا. المطلوب الآن أن تتحول تلك القاعات من رموز ماضية إلى مؤسسات معاصرة، تُخاطب الجيل الرقمى بنفس الجاذبية التى خاطبت بها أجيال الأبيض والأسود.
السينما المصرية تملك تاريخًا ثريًا لا يحتاج إلا إلى منصة تليق به، ووسط البلد هو المكان الطبيعى لتلك العودة، لما يحمله من رمزية ثقافية وتاريخية لا تتكرّر.
خطوة وزير الثقافة نحو تطوير سينما ديانا هى رسالة أمل بأن الدولة بدأت تدرك أهمية إعادة الروح إلى قلبها الثقافى. لكنها أيضًا مسئولية كبيرة، لأن النجاح الحقيقى لن يُقاس بعدد المقاعد المجددة، بل بعدد القلوب التى تعود إلى عشق الشاشة الكبيرة من جديد.
فحين تضىء شاشات وسط البلد مرة أخرى، لن تكون تلك مجرد إضاءة كهربائية، بل إضاءة لروح مدينة كانت ولا تزال تؤمن بأن الفن هو أجمل وجوه الحياة.

خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات