د. محمود محيى الدين يكتب: مع «أوميكرون»... القلق مشروع والهلع ممنوع - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:54 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

د. محمود محيى الدين يكتب: مع «أوميكرون»... القلق مشروع والهلع ممنوع


نشر في: الأربعاء 1 ديسمبر 2021 - 9:19 م | آخر تحديث: الأربعاء 1 ديسمبر 2021 - 9:19 م
قائمة المربكات الكبرى التى تضطرب بعد ظهورها حياة البشر وتختلف أحوال معيشتهم تأثرا بها، تتربع على قمتها الجوائح والأوبئة. فبعد عامين من ظهور فيروس كورونا فى ووهان بالصين، يحيى الفيروس ذكراه السنوية بمتحور جديد أُعلن عنه فى جنوب إفريقيا ومنحته منظمة الصحة العالمية اسم «أوميكرون». ويشكل المتحور الجديد مع المتحور السابق عليه المعروف بـ«دلتا»، الذى ظهر فى الهند فى شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضى، خطرا جديدا على صحة الإنسان واستقرار المجتمعات وتطورات اقتصاداتها.
وحتى كتابة هذه السطور ظهرت حالات متعددة للإصابة بالفيروس المتحور مرت بإفريقيا وآسيا، وتكاثرت مع اكتشافها بالاختبارات المتلاحقة فى أوروبا وكندا. ولم تظهر حالات بعد فى الولايات المتحدة ولكن رئيسها جو بايدن، قال إنها فقط مسألة وقت حتى يصل «أوميكرون» إلى أمريكا، بما يدعو للقلق ولكنه دعا شعبه لعدم الذعر أو الهلع الذى يزيد الأمور ارتباكا. كما ذكر بايدن بعد اجتماع مع كبير خبراء الأمراض المعدية الأشهر أنتونى فاوتشى، أن بلاده ستتعرف على هذا المتحور وستهزمه، وأنه سيحيط الشعب بالمستجدات. ووفقا لفاوتشى، فإن اللقاحات المتاحة توفر حماية للأشخاص الملقحين بالكامل، ولكن فريقه سيحتاج إلى أسبوعين للتعرف على مزيد من المعلومات عن مدى خطورة السلالة الجديدة وخصائصها وسبل التعامل معها.
وفى الوقت الذى يدعو فيه الدكتور فاوتشى إلى الالتزام بالإجراءات الاحترازية المألوفة منذ إعلان الجائحة، وتعزيز كل من حصل على جرعتين من اللقاح بثالثة، وأن يمتد التطعيم ليشمل الأطفال، يواجه العالم معضلتين فيما يتعلق باللقاح. أولاهما عزوف الكثيرين فى أمريكا وأوروبا عن تلقى اللقاح لعدم ثقتهم به علميا، أو لاقتناعهم بالمناعة الطبيعية كبديل لعملية السيطرة بفرض لقاحات، أو لتمردهم على الانصياع لأى ضوابط أو قيود باعتبارات تمسكهم بحرياتهم وسيادتهم على أجسادهم. وفى حين يتعرض فاوتشى وفريقه لهجوم شديد لتمسكه بضرورة التلقيح للبالغين، خصوصا من سياسيين من الجنوب الأمريكى من المنتمين للحزب الجمهورى، ذكرت مجلة «نيويوركر» على لسان دكتور فاوتشى رده على هذا الهجوم بأن «متحورا فيروسيا للغباء تم التعرف عليه فى تكساس! وأن هذا المتحور سريع الانتشار لديه مناعة شديدة ضد كل المعلومات». ويستمر السجال والجدل المتواصل بين من يملكون رفاهية الاختيار فى الدول الغنية، ففى نهاية الأمر لديهم العلاج فى منظومتهم الصحية إذا ساءت اختياراتهم، رغم ما فى ذلك من مخاطر تتجاوز فى تكلفتها ما تتطلبه الوقاية.
المعضلة الثانية الأكبر خطرا هى عدم العدالة فى توفير اللقاحات حول العالم. وفى مقال نشر الأسبوع الماضى بصحيفة «الشرق الأوسط» الغراء بقلم جوردون براون رئيس الحكومة البريطانية الأسبق، بصفته سفيرا لمنظمة الصحة العالمية لتمويل الصحة العالمية، أقر بفشل المجتمع الدولى فى الوفاء بتحقيق التوزيع العادل للقاحات. فرغم أن العالم مع نهاية هذا العام سيكون قد أنتج 12 مليار لقاح، فإن 95 فى المائة من البالغين فى الدول الأفقر ما زالوا محرومين من اللقاح الذى تستحوذ عليه الدول الأغنى. ولن تصل أكثر من 80 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل للحد الأدنى المقرر عالميا بتطعيم 40 فى المائة من البالغين من سكان كل دولة. وهو ما حذرنا منه تكرارا منذ الإعلان رسميا فى نوفمبر (تشرين الثانى) 2020 عن الانتصار العلمى بتطوير عدة لقاحات ناجعة فى زمن قياسى. ففى حين انتصر العلم خابت الإرادة السياسية وخارت قواها المحدودة أمام جشع المستحوذين على اللقاح، الذين ستنتهى فى مخازنهم صلاحية 100 مليون جرعة قبل نهاية هذا العام لن ينتفع بها فقير أو غنى.
وهكذا لم تشهد الدول النامية بعد كل اجتماع دولى للتعهدات إلا اتساعا فى الفجوة بينها وبين الدول ذات اللقاحات إنتاجا أو اقتناء، ولم تجد الدول الأفقر مع هذا الحرمان إلا سخاء فى وعود لم يوف بها. فوفقا لبراون، فإن الدول الأغنى اشترت بالفعل ما يقترب من 90 فى المائة من جميع اللقاحات، كما تسيطر على 70 فى المائة من توريدات المستقبل. هذا فى حين أن عدد من حصلوا على اللقاح فى إفريقيا يقل عن 7 فى المائة وفقا لمنظمة الصحة العالمية. وعن صافى حسابات الوعود، فقد أوفت الولايات المتحدة بنحو 22 فى المائة من تبرعاتها الموعودة فحسب، وهى بذلك أفضل نسبيا من أداء الاتحاد الأوروبى الذى لم يتجاوز نسبة 15 فى المائة.
وتجتمع هذا الأسبوع جمعية الصحة العالمية، وينتظر منها أن تتبنى قرارات مهمة لمنع تكرار حالات الإهمال السابقة على الأوبئة التى يعقبها هلع بعد الإعلان عن تفشيها، وذلك من خلال الاستثمار فى تدابير وقائية وإتاحة التمويل الكافى للعمل الصحى الدولى، والنظر فيما تتبناه إدارة منظمة الصحة العالمية من اقتراح لمعاهدة دولية جديدة تدعم التنسيق الدولى فى الاستعدادات المانعة لتفشى الأوبئة، والدفع بسرعة المواجهة حال حدوثها دون إبطاء.
ومن العجيب أنه على بعد مسافة قريبة من مقر منظمة الصحة العالمية، حيث تقبع منظمة التجارة العالمية، ما زال هناك إصرار على عدم منح الإعفاء المؤقت من قيود حماية حقوق الملكية لما يتعلق بمواجهة جائحة من لقاح وعلاج. وضيع العالم وقتا ثمينا منذ تقدمت جنوب إفريقيا والهند فى أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2020 بطلب الإعفاء الذى رفضته إدارة ترامب الأمريكية ودول غنية معها، ثم عاودتا الكرة ومعهما ستون من الدول النامية فى شهر مايو (أيار) من هذا العام بطلب جديد، ولم يحرك هذا ساكنا رغم موافقة ما أظهرتها الولايات المتحدة منذ عدة شهور، بعدما كانت معترضة على الموافقة من قبل، لتعارضها الآن دول أوروبية بحجج واهية.
هناك ضرورة عالمية الأثر تحتم السماح للدول النامية ذات القدرة على إنتاج اللقاحات بالسير قدما فى ذلك، ولكن يعطلها التعنت بالتمسك بحقوق الملكية، وهو ما ينبغى التصدى له، وعدم الاكتفاء بوعود بقروض ميسرة أو دعم بمنح اللقاح. فالمنطق البسيط، فيما يفهم من شرح أهل الاختصاص، إما أن تكون فى الدول النامية معامل وطاقات لإنتاج اللقاح وسرعة توزيعه فتصبح بذلك جزءا من الحل، وإلا أصبحت جزءا من المشكلة بجعلها مأوى ومكامن لخطر تحور مستمر للفيروس وعدم السيطرة سريعا عليه؛ فلم يكن «دلتا» آخر التحورات، ولن يكون «أوميكرون» آخرها أيضا.
ورغم ما مر به العالم من خبرة عن الأثر الاقتصادى لهذه التطورات فقد تكون هناك تساؤلات معلقة، ألخصها فى حوار مفترض على طريقة الكاتب الأيرلندى صمويل بيكيت، فى مسرحيته الشهيرة فى «انتظار جودو» بين بطليه إستروجان الملول المتعجل، وفلاديمير الفيلسوف الهادئ:
ــ ما الذى ينتظر العالم من تغيرات اقتصادية؟
* الإجابة يسيرة وليست سارة.
ــ أفصح بالله عليك!
* بحكم ما رأيناه من تجربة مريرة خلال العامين الماضيين علينا أن نتوقع مزيدا من عدم اليقين، وتقلبا فى الأسواق مع انخفاض فى معدلات النمو والتشغيل لضعف الاستثمارات، مع زيادة فى التباين فى الدخول والثروات لصالح الدول الأغنى المستحوذة على اللقاحات، مصحوب ذلك كله بارتفاع فى معدلات التضخم فى الأسعار.
ــ وكأنك تقرأ تقرير مريض متعدد العلات! ولكنك تقول بوجود تضخم رغم ما نراه من مظاهر الركود؟ هل يجتمعان معا.
* العين أسيرة ما تراه. ربما ترى أنت ركودا حيث تعيش وتعمل، ولكن الركود ليس شاملا لكل القطاعات؛ وإن كانت هناك مخاوف مما يسمى بالركود التضخمى مثلما حدث فى السبعينات باجتماع الشرين معا، وهو ما لا أرجح حدوثه فما زال هناك نمو يقترب من 6 فى المائة فى هذا العام، و5 فى المائة فى العام المقبل.
ــ أرقامكم لا نراها إلا فى التقارير كثيرة التعديل والتغيير.
* ملاحظتك لا بأس بها، ولكن لا تنس أنها تتحدث عن توقعات تصيب وتخطئ. كما أن الأرقام متوسطات محسوبة لإجمالى أرقام متباينة فى عالم يعانى من التفاوت أصلا.
ــ ولكن ما سبب هذا التضخم؟ وهل هو مؤقت أم مستمر؟
* أراك تتابع تصريحات جيروم باوال رئيس البنك الفيدرالى الأمريكى ومعارضيه. هو يراه مؤقتا وهم يرونه مستمرا.
ــ وكيف تراه أنت؟
* أراه تضخما محدودا فى الدول المتقدمة سينحسر بعد حين، ولكنه سيكون غلاء فى الدول الأفقر التى تفتقد نظما شاملة للضمان الاجتماعى. فستضار بزيادة تكلفة المعروض باستمرار ارتباك سلاسل الإمداد، ولاعتمادها على سلع مستوردة بتكاليف تعلو مع انخفاض سعر الصرف، مع زيادة خدمة الديون المقترضة لشراء هذه السلع بسبب إجراءات ستتخذها الدول المتقدمة لكبح جماح التضخم عندها برفع أسعار الفائدة.
ــ هل هذا من العدل فى شىء؟
* لا!
ــ تقولها ببساطة... ولكن حقا ما العمل؟
* أو لم تسمع عن نصيحة الرئيس بايدن؟
ــ وماذا قال؟
* خلاصة ما قاله إن القلق مشروع والهلع ممنوع
ــ أحقا قال ذلك؟ أستطيع أنا أيضا قول مثل هذا الكلام وأكثر.
* حسنا... قله إذن!
ــ لا نستطيع الاستمرار هكذا.
* هذا ما تظن!

نقلا عن الشرق الأوسط.


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك