يمثل المولد النبوي الشريف حدثًا مهمًا بالنسبة للعالم الإسلامي كله، فميلاد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو حدث مؤثر في التاريخ العالمي بشكل عام، وليس للعالم العربي أو الإسلامي فقط.
وبمناسبة هذا الحدث العظيم يعود القراء ومحبو الاطلاع إلى السيرة النبوية الشريفة، وذلك لمحاولة تتبع مسيرة النبي الكريم.
سيرة الرسول دائمًا ما تكون حاضرة بقوة في الوجدان الشعبي البسيط، وفي المناقشات الأكاديمية والبحثية العميقة.
إن تدوين السيرة هو أمر قديم تم منذ قرون وتعددت بعده المؤلفات الكبيرة والثقيلة في الحديث عن السيرة سواء بتقفي أثرها أو بالبحث فيها وأيضًا بمحاولة تحليلها من كل جوانبها للوقوف على عوامل الإفادة منها.
وفي العصر الحديث كانت الكتابة عن السيرة متداولة وكثيرة وشائعة، فنجد العديد من المؤلفات التي تزخر وتنشغل بفكرة وسؤال السيرة.
وهي أعمال لكبار الأدباء والكتاب، ولكن يمكننا القول إنه ومنذ سنوات توقفت تلك الكتابات عن الظهور على الساحة، وكأن الكتاب والقراء قد اكتفوا بما كتب وصدر فعلًا.
لذلك يمثل كتاب "الحبيب.. زيارة جديدة للسيرة النبوية" للكاتب والإعلامي أحمد الدريني، والصادر عن دار الشروق، إعادة إحياء بشكل أكثر حداثة لكتابة السيرة، وهو الكتاب المناسب للاطلاع عليه في ذكرى المولد النبوي الشريف.
الكتاب يبدأ بالإهداء وهو مفتاح تلك الزيارة النورانية للسيرة النبوية، إذ أهدى المؤلف كتابه للإمام محمد السعيد أبو المواهب، ومن الصفحة الأولى للكتاب، وقبل حتى القراءة، نعرف أن تلك الزيارة هي زيارة محب، زيارة صوفية روحية.
في مقدمة الكتاب نجد ذلك الطرح الأولي من أحمد الدريني عن سبب خوضه تلك الرحلة وزيارته للسيرة النبوية، ونستشف مقادير اللغة التي يخاطبنا بها، والتي سيستمر في استخدامها على مدار رحلة الكتاب.
تتميز اللغة بكونها غير معقدة، ولكنها ليست سهلة أيضًا، هي لغة بها سلاسة، وبها أيضًا بعض التراثية، ولا تخلو من بعض الشاعرية، وربما يمكن القول إنها تتضمن تناصًا قرآنيًا خفيًا، وتناصًا حديثيًا يتماشى مع لغة السيرة النبوية بشكل عام.
تقسيمة الفصول وعناوينها تشرح التفاصيل التي يطرحها الدريني في الكتاب، فنبدأ بالفصل الأول "محاولات أولية للتعرف على محمد بن عبد الله"، وهو مفتاح الحديث عن سيرة أشرف الخلق بمحاولة التعرف الأولي على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
فيحكي لنا الدريني من السيرة عن مواقف الرسول وشهادات المعاصرين حول معاملاته في صحبته، وفي خدمته لمن معه حتى لو كان يعد مساعده، وأن هذا كان قبل النبوة، ويؤكد أن محمد بن عبد الله كان معدًا لتلك الرسالة السماوية، التي كانت تتويجًا لشخصيته الفريدة التي ليس لها مثيل بين البشر العاديين.
الفصل الثاني هو "من ملامح الشخصية المحمدية"، يوضح سمات وصفات الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ويتواصل ذلك الرسم للسيرة النبوية المشرفة، ومعه رسم لشخصية الرسول، وعن بلاغته وفصاحته وعلمه الغزير، الذي اصطفاه به الوحي الإلهي، والذي تغلب صفاته النبوية على صفاته البشرية، وأن كل الاختبارات التي وُضع فيها تفوق فيها النور الإلهي النبوي على الصفات البشرية.
في الفصلين الأولين، وهما بداية الزيارة وأساس الرحلة إلى مداخل السيرة النبوية برؤيتها الحديثة، يجدد الكاتب السنن التي عددها من دعاء وبسملات وذكر، وعن كل فعل بسيط فعله الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وعن تدوين أصحابه لها كأنه قصد فعلها أمامهم لكي يدونوها، وتبقى مساعدة دائمًا لأمة محمد التي لا يوجد من يحبها أكثر من محمد بن عبد الله نفسه.
تستمر الفصول بعد ذلك، وتتنوع حول مشاهد من السيرة النبوية المشرفة، ومشاهد من حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فنرى فصول: "النبي زوجًا"، "النبي وأعمامه"، "الصاحب"، "الموت"، "لغته وكلامه وتذوقه الشعر"، "الدعاء"، "كيف أدركت الأمة محمدا عبر القرون".
الكتاب هو صورة بانورامية عصرية لمحطات من السيرة النبوية الشريفة التي أراد الدريني أن يزورها، زيارة محب لا زيارة مجادل. إن كتاب "الحبيب.. زيارة جديدة للسيرة النبوية" يعيد فكرة الكتابة عن السيرة النبوية إلى المشهد من جديد بعد غياب طويل، دون تعقيد أو جدلية، وإنما بروح المحبة النورانية.