التحرش بالأطفال جريمة كبرى، لكن فهم البنية النفسية لمن يرتكبون هذه الأفعال يساعد في الوقاية، والكشف المبكر، ووضع برامج علاج وحماية فعّالة. وبشاعة الجريمة تأتي من أن الطفل لا يستطيع الدفاع عن نفسه وقت الإعتداء، ولا يفهم ماذا يحدث له، ويشعر بارتباك وفزع شديد، وتضطرب لديه الخريطة النفسية والجنسية، ويترك الحدث آثارا عميقة في نفسه يعاني منها لسنوات.
الأنماط الأساسية للمتحرشين بالأطفال تشمل المتحرش البيدوفيلي الذي لديه انجذاب جنسي ثابت للأطفال، وصعوبة في العلاقات، وتخطيط طويل للجريمة عن قصد. وهناك المتحرش غير البيدوفيلي الذي يعاني من ضعف الضمير، وتعاطي مخدرات، ومشاكل زوجية. كما يظهر المتحرش المراهق الذي يتحرك بدافع الفضول وغياب التوجيه والسلوك الإندفاعي والشبق الجنسي والشعور بضعف الضحية.
أما الدوافع النفسية فتشمل البحث عن السيطرة والقوة، خاصة إذا كان يشعر بالدونية أو الخجل أو الإنطواء. وتشمل أيضًا تفريغ احتياجات جنسية غير ناضجة، خاصة للأشخاص الذين يفتقدون للتواصل الإجتماعي الطبيعي، بالإضافة إلى إدمان الجنس أو الإباحية، وهو ما يعطي نماذج للممارسات الجنسية غير السوية ويفتح شهية المشاهد للتجربة، ويقلل حساسيته تجاه إيذاء وإيلام الضحية. ومن الدوافع أيضًا التشوهات المعرفية مثل الاعتقاد بأن الطفل كان مستمتعًا، أو أنه لم يسبب ألمًا أو أذى لأحد، إلى جانب اضطرابات الطفولة كالإهمال أو الإساءة أو غياب الحدود أو التعرض لانتهاك جسدي أو جنسي.
ويتسم المتحرشون بالأطفال بضعف التعاطف مع الضحية، واضطراب الضمير الذي يحدد ما يجوز وما لا يجوز، والاندفاعية في السلوك، وضعف المهارات الاجتماعية، والتلاعب والمراوغة، والكذب، والإحساس بحق غير واقعي. وتظهر لديهم عمليات ذهنية مشوهة تتمثل في تفسير الفعل على أنه لعب بريء مع الطفل، وأنه لن يسبب له ضرر، أو إلقاء اللوم على الطفل بأنه هو الذي أغراه بالفعل، أو الاعتقاد بأن ما فعله ليس بجريمة حتى لو كان خطأ، وأنه لن يدري به أحد.
وفي خطوات الاستدراج يقوم الجاني باختيار طفل ضعيف هادئ منطو مستسلم، ويبدأ في التقرب إليه تدريجيًا من خلال الملاطفة والمداعبة أو إعطائه بعض الهدايا، ثم يأخذه إلى مكان سري لا يراه فيه أحد وينفرد به، ثم يختبر قبوله للمس الجسدي كالإحتضان أو الطبطبة أو لمس أجزاء من الجسم أو تعرية أجزاء من جسمه، وإذا رأى ذلك ممكنًا ينتقل إلى تنفيذ الإعتداء، ويكون في حالة هياج جنسي تجعله لا يعبأ ولا ينتبه لآلام الطفل أو بكائه أو صراخه، ويحاول إسكات الطفل أو تهديده أو إرباكه.
وعند التساؤل هل كل المتحرشين مرضى؟ فإن بعض المتحرشين قد يكونون مرضى بتعشق الأطفال (بيدوفيليا)، وبعضهم يكون لديه اضطراب في الشخصية (الشخصيات المضادة للمجتمع)، أو مدمني إباحية وجنس، أو متعاطي مخدرات، أو مراهقين منحرفين لديهم حرمان عاطفي وجنسي، أو لديهم اضطراب في السلوك، أو عاشوا في بيئات أسرية مضطربة.
وبخصوص العلاج، يحتاج الأشخاص الذين يعانون من اضطراب تعشق الأطفال للعلاج المعرفي السلوكي لتعديل الأفكار الميسرة لجريمة التحرش، والتدريب على ضبط الانفعالات والنزعات، وقد تستخدم بعض أدوية القلق والاكتئاب خاصة SSRIs and/or Antiandrogens. وكون المتحرش، خاصة البيدوفيلي، يحتاج لبرامج عليه لمساعدته فهذا لا يمنع عقابه بالطرق القانونية، مادام لم يسع لتلقي العلاج قبل ذلك.
أستاذ الطب النفسي جامعة الأزهر