تاريخ السخرة في حفر قناة السويس.. صفحات العرق والدم - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 9:16 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تاريخ السخرة في حفر قناة السويس.. صفحات العرق والدم

قناة السويس الجديده - ارشيفية
قناة السويس الجديده - ارشيفية
عرض- أحمد عبد الحليم
نشر في: الأربعاء 5 أغسطس 2015 - 1:44 م | آخر تحديث: الأربعاء 5 أغسطس 2015 - 4:26 م

• مستشار بالمحاكم المختلطة: سعيد باشا باع إرث الفراعنة لفرنسي مقابل ابتسامة زائفة

• عقلية ديلسبس الاستعمارية تتغلب على الوالي سعيد باشا متوسط الذكاء

• بريطانيا اعترضت على حفر القناة تخوفا من تحولها لـ"مشروع سياسي فرنسي"

• برقية ديبلوماسية: امتيازات ديلسبس السخية لم يظفر بها أي شخص مطلقا من أية حكومة

• الحكومة المصرية قدمت للشركة الفرنسية ربع مليون مصري حفروا القناة "بالسخرة"

• قرشان ونصف يوميا أجر العامل البالغ للحفر وقرش واحد للطفل العامل في حفر القناة

• الشركة الفرنسية تقدم "الخبز المقدد" لعمال الحفر كل يومين أو ثلاثة

• أول مجلس إدارة للشركة كان فرنسيا خالصا ولم يضم أي مصري

"هذا الكتاب ليس كتابا سياسيا" من المقدمات الأولى للكتاب تستطيع الوصول لهذه النتيجة بسهولة، خصوصا أن الباعث على الكتاب ليس التأريخ للقناة والأحداث التي مرت بها، بقدر ما هو نشر صفحة مطوية من تاريخ مصر الحديث، في نقل وتوصيف للجانب الإنساني والاجتماعي اللذين جرى فيهما حفر القناة.

تروي صفحات الكتاب تاريخ الدم والعرق، الذي بذله الأجداد لحفر القناة، وسوقهم إلى ساحات الحفر ليلاقوا حتفهم إما عطشا نتيجة نقص مياه الشرب، أو مرضا نتيجة فتك الأوبئة بهم، يروي هذا الكتاب "السخرة في حفر قناة السويس" تاريخ وجهود الشعب المصري في حفر القناة ومشاكل الأيادي العاملة المصرية وترحيلها إلى ساحات الحفر وصولا إلى الموت عطشا وتفشي الأوبئة بينهم.

ينقل الكاتب صورا حية مثبتتة بالوثائق عن الخديو عباس والمسيو فرديناند ديلسبس، الذي تصرف بدهاء مستعمر أمام والي مصر سعيد باشا لتحل نتيجة اتفاقات الطرفين على عمال السخرة المصريين الذين انعدمت حيلهم أمام فرمانات الوالي حتى أنه لم يكن لديهم أى حيلة للهروب من العمل فى حفر الممر الملاحى ولا أى طريقة للهروب من الموت سواء هاربين من الحفر أو هاربين من العطش والجوع فى حرارة الجو وبرودة الطقس.

بالنظر إلى أن معظم الكتب التي تناولت تاريخ قناة السويس تناولته من الجانب السياسي والرواية الأوروبية لتاريخ القناة، باعتباره جزءا من تاريخ أوروبا ومظهرا من مظاهر الصراع السياسي بين فرنسا وإنجلترا في القرن التاسع عشر، وهو ما يغفل التضحيات الجسيمة المتعددة الألوان والأشكال التي فرضت على المصريين من أجل إنشاء القناة، التي صارت بفضل تضحياتهم عنصرا بارزا في ازدهار حضارة أوروبا.

جمع الكاتب عبد العزيز الشناوي، مراجع بحثه من محفوظات قصر عابدين في 12 عاما بين عامي 1940-1952 من محافظ "المعية السنية" و"دفاتر الوارد والصادر ودفاتر الأقاليم والبرقيات التي كان يتلقاها قصر عابدين، وكذلك الصادرة عنه، والمكاتبات التي تم تبادلها بين الحكومة التركية وولاة مصر من أسرة محمد علي، وهو أمر استلزم جهدا ووقتا كبيرين من الباحث استلزما كل هذه الفترة.

عبد العزيز الشناوي، والد نائب رئيس المحكمة الدستورية الحالي، المستشار محمد عبد العزيز الشناوي، التحق بعد تخرجه من كلية الآداب بالدراسات العليا في قسم التاريخ وحصل على الماجستير في موضوع السخرة في حفر قناة السويس-عصر سعيد باشا، ثم الدكتوراة في موضوع السخرة في حفر قناة السويس-عصر إسماعيل باشا.

ترقى الشناوي في السلك الأكاديمي مدرسا للتاريخ الحديث، ثم أستاذا مساعدا، ثم رئيسا لقسم التاريخ بالكلية، قبل أن يصدر له قرارا جمهوريا لشغل أستاذ التاريخ الحديث بجامعة الأزهر الشريف، واستمر استاذا متفرغا بالجامعة حتى وفاته في يوليو1986.

ومن أهم مؤلفات الكاتب "نساء في مدرسة الرسول، صور من حياة الصحابة، الدولة العثمانية-دولة إسلامية مفترى عليها في خمسة أجزاء،نساء في جيش الرسول، عمر مكرم بطل المقاومة الشعبية، الأزهر جامعا وجامعة"

تنتاول في عرض هذا الكتاب على حلقتين ما أرخه الشناوي لتاريخ "السخرة في حفر قناة السويس" الذي هو خلاصة بحثي الماجستير والدكتوراه الخاصين به، لتاريخ قناة السويس من وجهة نظر علمية تستند إلى زاوية الرؤية المصرية للأحداث، مع التزام المنهج العلمي الدقيق في البحث، ونقل تضحيات العمال المصريين والأجواء التي عملوا فيها حتى افتتاح القناة، في متوالية تاريخية تبدأ من حصول دي لسبس على امتياز حفر القناة.

عقد مجحف لـ«ديلسبس»


بعد أن حصل فرديناند ديلسبس على امتياز لإنشاء قناة السويس بعقد أطلق عليه "الفرمان الأول" والذي انطوى على امتيازات مجحفة بحقوق مصر بموافقة من "محمد سعيد باشا" والي مصر، من بينها الترخيص لديلسبس في إنشاء وإدارة شركة تقوم بحفر قناة السويس ثم استغلالها لمدة 99 عاما تبدأ من تاريخ افتتاحها للملاحة، كما تتمتع الشركة بحق الإعفاء الجمركي على جميع الآلات والمهمات التي تستوردها من الخارج بقصد استغلال الامتياز الممنوح لها، وأن يعطي للشركة الحق في أن تستخرج بدون مقابل جميع المواد اللازمة لأعمال القناة والمباني التي ستكون تابعة لها من المناجم والمحاجر المملوكة للحكومة، كل هذا مقابل أن تتقاضى الحكومة 15% سنويا من صافي أرباح القناة، فيما يتقاضى حملة الأسهم 75% من الأرباح.

أما أخطر الامتيازات التي حصلت عليها شركة القناة في العقد، أن سعيد باشا الوالي، منحها بدون مقابل مساحات شاسعة من الأراضي في منطقة القناة بحجة تنفيذ المشروع، مع أحقيتها إن أرادت حفر ترعة للماء العذب في الحصول على الأراضي الواقعة على طول جانب الترعة، مع ريها وزراعتها واستغلالها بدون دفع ضرائب لمدة عشر سنوات، كما أعطى سعيد باشا الحق لشركة القناة في بيع ماء النيل المار عبر الترعة للفلاحين الراغبين في ري أراضيهم.

صحيح أن سعيد باشا اشترط موافقة الباب العالي على العقد، إلا أن الامتيازات الواردة في بنوده كانت مثيرة لاستغراب حتى الأجانب في مصر، وهو ما دفع على سبيل المثال "دي روسي" قنصل توسكانا في مصر في برقية أرسلها إلى وزير خارجية فلورنسا بتاريخ "25 ديسمبر 1854" بأن مقدار الامتيازات العظيمة التي منحها الوالي للمسيو ديلسبس، لم يحدث أن ظفر بها أي شخص مطلقا، وبمثل هذا السخاء من أية حكومة كانت".

أما المستشار السابق بالمحاكم المختلطة "كرابيتس" فيقول بشيء من "التهكم المرير" من الغريب أن سعيد لم يطالب صديقه بأي ثمن مقابل الإمتيازات التي منحها له، بل باع إرث الفراعنة لرجل فرنسي مقابل ابتسامة زائفة".

في ذلك الوقت كانت فرنسا وبريطانيا سيدتا العالم بلا منازع، فهما أقوى قوتين استعماريتين على وجه البسيطة، وتمتد مستعمراتهما شرقا وغربا في طول اليابسة وعرضها، الامتيازات التي حصلت عليها فرنسا في ذلك الوقت، دفعت بريطانيا إلى معارضة المشروع باعتبار أنه "مشروع سياسي فرنسي، يهدف لامتلاك مصر، وضرب الممتلكات البريطانية في الهند وغيرها"باعتبار أن هذا العقد سيجعل من ديلسبس الحاكم الفعلي لمصر وهو ما يهدد المصالح البريطانية في مصر والهند.

نظرة بريطانيا وسياسييها إلى الامتيازات التي حصدتها فرنسا نتيجة عقد القناة لخصها اللورد ellenborough في أحد جلسات مجلس اللوردات بالقول " إن بوسفورا واحدا كان مبعت مصاعب جمة لنا، وهذا المشروع" "قناة السويس" هو إنشاء لبوسفور آخر ووضعه في أيدي الفرنسيين""، ليتحول الأمر إلى اعتراض بريطاني وضغوط على الأستانة لمنع حفر القناة، عبر حجة استخدام الأيدي العاملة الأجنية في القناة.

بريطانيا تعترض على الأيدي العاملة الأجنبية في القناة


شكلت الأيدي العاملة في المشروع قلقا لبريطانيا نتيجة الوضع السياسي القائم في مصر ذلك الوقت وتمتع الجاليات الأجنبية في مصر باستقلال في التشريع والقضاء والإدارة، وهو ما خوف بريطانيا من أن تستقدم فرنسا آيادي عاملة فرنسية تتحول مع الوقت نتيجة إلتحاق أهاليهم بهم إلى مستعمرات فرنسية داخل الأراضي المصرية.

مشكلة الأيدي العاملة اللازمة للعمل في القناة، لم تغب عن بال من في القسطنطينية وهو ما يظهر برقية أرسلها كامل باشا من القسطنطينية يحذر الوالي سعيد من عواقب تأييده لمشروع القناة والسير وراء فرنسا وديليسبس.

استغل ديليسبس التخوفات من الأيدي العاملة الأجنبية، وساهم في تصوير خطورته لسعيد باشا حتى يتحمل الشعب المصري وحده عبء حفر القناة، مع أنه في الأساس لم يكن ليستقدم عمالا أجانب للقناة نتيجة الأجور الواسعة التي كانوا سيحتاجونها، وإنتاجهم الضئيل بالنسبة لنظرائهم من المصريين، والجو الحار والأمراض التي تصيبهم نتيجة الحرارة، كما أن المصريين يتفوقون على العمال الأجانب بالجلد والقوة وااحتمال والصبر وتحمل العمل المضني في الجو الصحراوي الحار وهو ما يرصده الكاتب بقوله "إن المصريين تعودوا على الأخشيشان والتقشف والقناعة، فيما الأوروبيين يميلون إلى الإفراط في الخمور، والنزوع للملذات والنسائيات والإنكباب على لعب الميسر".

اتفقت المعارضة الإنجليزية لاستقدام العمالة الأجنبية لمشروع القناة مع المصالح المصرية، مع المصالح المادية المؤقتة للشركة، في الحد من استخدامهم في تنفيذ مشروع القناة، والتركيز على العمال المصريين إلا أن هذا التركيز لم يراعي أحوال البلاد الاقتصادية والاجتماعية فالبلد الزراعي الذي اعتمد في زراعته على سواعد الفلاحين أكثر من اعتماده على آلات الحرث الميكانيكية سيؤدي التوسع في استخدامهم في حفر القناة إلى ضرر بالغ على الإنتاج الزراعي، ما يعرض المصالح الاقتصادية لضرر بالغ، إلا أن هذا الأمر كان أكبر من أن يواجهه سعيد باشا بذكائه المحدود وعقليته المتوسطة.

عندما شرعت إدارة القناة في الحفر 25 أبريل 1859 كان قد مر على توقيع العقد أربع سنوات، لم تستقدم الشركة فيهم أي آلات ميكانيكية أو "كراكات" باستثناء كراكتين قوة كل منهما عشرين حصان حضروا قبل شهر من بدء الحفر رسميا، على الرغم من طولها واتساعها وعمقها كان أخطر ما تواجهه الشركة بكراكتين من هذا النوع، وهو ما يؤدي إلى نتيجة أن النية كانت مبيتة لاستغلال الشعب المصري في حفر القناة.

عقد الامتياز الثاني


نجح ديلسبس في استغلال الوضع السياسي القائم آنذاك لمصلحته نتيجة معارضة انجلترا لاستقدام لعمالة الفرنسية في حفر القناة، وحرصه على التخفف من العبء المالي الواقع على الشركة نتيجة استقدام العمالة الأجنبية للمشروع، فاستصدر عقدا ثانيا من عباس باشا زادت فيه الإمتيازات التي أغدقت على الشركة إغداقا.

انقسم العقد الثاني إلى قسمين الاول أطلق عليه الالتزامات ويتكون من تسع مواد، والثاني سمي الامتيازات ويتكون من 14 مادة، وهو ما يعني أن امتيازات الشركة تفوق التزاماتها كما وكيفا وعددا.

التزمت الشركة طبقا للبنود الواردة في باب الالتزامات بأن تقوم على نفقتها وتحت مسئوليتا بكافة الأعمال والمنشآت اللازمة لحفر قناة الملاحة البحرية، وشق ترعة للماء العذب تربط النيل بالقناة الملاحية وتستخدم في أغراض الري والملاحة النهرية، على أن تنتهي هذه الأعمال في ست سنوات، كما التزمت الشركة بتحويل بحيرة التمساح إلى ميناء داخلي لاستقبال السفن، وكذلك إنشاء ميدان لوقاية السفن عند مدخل القناة، وكذلك تحسين ميناء السويس، كما أكد العقد حق الشركة الممنوح لها في العقد الأول، مع بعض الإلتزامات الفنية والإدارية الأخرى.

ما أهم بنود العقد في بابا الالتزامات فهو البند الذي نص على أن يكون عدد العمال المصريين في الشركة 4/5 من مجموع العمال، وهو موضوع الكتاب الذي بين أيدينا".

وضع هذا البند في باب الالتزامات لم يكن إلا ذكاءا خارقا لرجل من رجال الاستعمار "ديلسبس" لتحقيق عدد من المكاسب السياسية والمادية للشركة، أبرزها القضاء على المعارضة الإنجليزية للمشروع، وتبديد مخاوف تركيا من أهداف فرنسا وطموحات سعيد باشا السياسية، كذلك توفير الموارد المادية التي كان سيتطلبها استقدام العمال الأجانب للعمل في القناة"، هذه المادة كانت هي الأساس لنظام السخر الذي وضعه ديلسبس في حفر القناة، في لائحة استصدرها من سعيد باشا وسميت "لائحة استخدام العمال المصريين في أشغال قناة السويس"، وهي اللائحة اتي تسببت في إكراه حوالي ربع مليون مصري كأكبر حشد آدمي في تاريخ الشركة على العمل في حفر القناة، بالنظر إلى أن تعداد سكان مصر وقتها كان 4.8 مليون نسمة، وذلك في العام 1862.

 

هذا البند كان فاتحة خير على الشركة عندما احتدم النزاع بينها وبين الحكومة المصرية عامي 1863-1864، حول إلغاء السخرة في حفر القناة، لتحصل الشركة على تعويض 75 مليون فرنك كتعويض عن إلغاء بند السخرة، في حين أن إجمالي رأس مالها كان 200 مليون فرنك، لتحقق بذلك الشركة مكاسب عديدة فقد أتاحت لها هذه المادة في البداية موردا هائلا استطاعت به الحصول على مئات الآلاف من العمال المصريين، كما أنها حصلت منها على ملايين الفرنكات بعد إلغائها.
يتجلى الفارق بين عقليتي سعيد باشا، وديلسبس بالنظر إلى أن الأول كان متوسط الذكاء محدود العقل، ليست له خبرة بالحياة والأساليب الدبلوماسية، يستهويه المدح والثناء والحديث عن عظمته الشخصية، أما ديلسبس فكان ذا عقل منفتح الجوانب رحيب الآفاق، أوتي نصيبا موفورا من الذكاء والمرونة والدهاء والقدرة على الخداع.

تتجلى قدرة ديلسبس على الخداع في أنه حتى عند العمل بهذه اللائحة فإن تقديرات نفقات تنفيذ المشروع البالغة 200 مليون فرنك لم تتغير، سواء بالتقدير الذي وضعته اللجنة العلمية الدولية في ديسمبر 1856، أو التقدير الذي وضعه كبير مهندسي الحومة المصرية 1855أي حتى قبل أن تصدر اللائحة وتحدد أجور العمال، وهو أيضا نفس التقدير المالي الذي وضعه أعضاء اللجنة الفرعية الذين قدموا لمصر في أواخر 1855، فاللائحة ومكافآت العمال لم تغير من تكلفة المشروع من شيء، وهو أمر ليس سوى حيلة من ديلسبس، وفي النهاية تكلف المشروع ضعف هذا التقدير إذ بلغت 433 مليون فرنك تقريبا.

وكانت أخطر مواد اللائحة هي المادة الأولى، التي نصت على أن "تقدم الحكومة المصرية العمال الذين سيعملون في أعمال الشركة تبعا للطلبات التي يتقدم بها كبير مهندسي الشركة، وطبقا لاحتياجات العمل".

كانت هذه أخطر المواد على الإطلاق في اللائحة، وظاهر فيها الغبن الذي وقع على المصريين إذ أنها لم تحدد عدد العمال، ولم تعين حدا أقصى لعددهم، ولم توزع العمال على مواسم الزراعة بنسبة معينة، بل كان تقديم الحكومة المصرية للعمال مرتبطا بأمرين رغبة كبير مهندسي الشركة، وحاجات العمل التي يحددها، وهو ما أدى إلى أن كبير مهندسي الشركة كان يتحصل على العمال المصريين بمجرد طلب بسيط يبعثه إلى مدير المديرية "المحافظ".

حددت اللائحة أجور العمال ووسائل الطعام وإعداد ماء الشرب ومواعيد دفع الأجور، بمبلغ يتراوح بين قرشين ونصف القرش وثلاثة قروش في اليوم للعامل الذي يزيد سنة على 12سنة، أما العامل الذي يقل عن 12 سنة، بيتقاضى قرشا واحدا، وهو أحد أوجه الخطورة والسخرة في العمل لأن مشقة العمل في الحفر لا تتشابه مع غيرها من الأعمال، حيث السفر الطويل في ساحات الحفر في البرزخ، والأخطار التي تحف بالجميع هناك من قلة مواد التموين وعدم إعداد المساكن لمبيتهم، وندرة الماء وتأخر وصوله إليهم، وهو ما يقطع بأن تلك الأجور زهيدة وتافهة إذا ما تم مقارنتها بالأخطار، أو بتلك التي يتقاضاها العامل الأجنبي في بلده.

 

 

كما التزمت الشركة بتقديم الخبز المقدد "الجراية" إلى العمال بقيمة قرش واحد، على أن يتم تقديمهم للعمال كل يومين أو ثلاثة، بالإضافة إلى أنها فرضت عقوبات على العمال الذين يحاولون الهرب، عبر مادتين وردتا في اللائحة، بالإضافة إلى فرض حراسة شديدة عليهم أثناء سفرهم من وإلى العمل.

اهتمام الشركة بمنع العمال من الهرب لا مرد له إلا وجود عنصر الإكراه في استخدام المصريين في حفر القناة، بالإضافة إلى تفاهة الأجور وقسوة الظروف التي يعملون فيها، وهو ما أدى إلى وفاة كثير من العمال عطشا في ساحات الحفر.

كما نصت اللائحة عل أن مسائل الأمن العام في منطقة القناة من أعمال الشرطة المصرية، تحت أوامر كبير مهندسي الشركة وطبقا لتعليماته وهو ما يعني أن السلطة المصرية المحلية في منطقة القناة خضعت لمستخدم فرنسي كبير.

 

 

تنفيذ المشروع وتعطيل لائحة العمال


على الرغم من أن عقدي الامتياز الأول والثاني اشترطا حتميا موافقة سلطان تركيا على العقد قبل تنفيذ عمليات حفر القناة، إلا أن امتناع الحكومة التركية عن التصديق على العقد لمدة أربع سنوات، بسبب تخوف الباب العالي من المعارضة الإنجليزية للمشروع وضغطها لرفضه، وكذلك الخوف من إغضاب فرنسا في حالة تم رفض المشروع، دفع تركيا إلى الامتناع عن توقيع العقد، وهو ما جعل ديلسبس يغفل هذا الشرط الأساسي الخاص بموافقة السلطان ويلجأ لحفر القناة، في إطار سياسته الاستخفاف بالقانون والتنكرللمباديء، خاصة إذا وضع في الإعتبار أنه هدد الوالي سعيد باشا بالحصول على التعويضات إذا هو أثار شرط توقيع السلطان على العقد.

بدأ دي لسبس الترويج للمشروع الجديد بالتغرير بالجماهير حين طرح الأسهم للاكتتاب العام، وأخفى عدم حصوله على موافقة السلطان على المشروع، كما أنه ادعى أنه وكيل لوالي مصر سعيد باشا في العمل بالقناة.

ثم لم يرتدع ديلسبس بعد فشله في ترويج حركة الاكتتاب، وقرر متابعة سياسة التغرير والتضليل وخرق القانون، فألف الشركة تمهيدا للبدء في عمليات الحفر، في إنتهاك صارخ لقانون الشركة الأساسي، الذي اشترط تغطية رأس المال بأكمله، ثم كون مجلس الإدارة الذي ضم شخصيات كبيرة بينها ابن عم الإمبراطور نابليون الثالث الأمير جيروم، وكان رجلا خليعا فاسقا، فيما لم يضم مجلس الإدارة مصريا واحدا.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك