ينفخ "محمد الحلاق" داخل ورشته الدمشقية، في الزجاج المصهور؛ من أجل عمل أكواب ومصنوعات زجاجية يدوية مميزة عبر القرون الماضية، ولكن محمد وأسرته هم آخر من يعتنون بالحفاظ على الحرفة من الاندثار وسط ظروف الحرب الصعبة.
ويقول محمد، لـ"فرانس برس"، إن ما يفرق مصنوعاته عن بقية الأكواب أن لها روح تنبض وذلك بالرغم من أن صنع الزجاج اليدوي يحتاج إلى وقت وجهد، إذ يتطلب صناعة الواحد منها ربع ساعة بعكس الأكواب المصنعة بالماكينات، والتي يتم عمل العشرات منها في ثوان معدودة.
وبعينين صبورتين أمام الفرن ذي الحرارة اللافحة، يستعرض محمد تفاصيل الصنعة التي تقوم على جمع وفرز الزجاج الخام، ومن ثم صهره بالفرن، ليتم النفخ في الزجاج المصهور لقولبته ومن ثم النحت والنقش عليه.
وبعد إخراج الزجاج من الفرن، يقوم محمد بتدويره في دوائر قطرها يبلغ ذراعا؛ لتبريدها، ومن ثم يعيدها للفرن ريثما ينتهي من تسطيح التعرجات على إحدى الزجاجات لعمل كوب منها.
ويقول محمد، إنه وشقيقيه خالد ومصطفى من الجيل الرابع للقائمين بالحرفة في العائلة، مضيفا أنه لا ينوي تمرير الحرفة لأبنائه لأنها غير مربحة لهم.
ويستطرد الحلاق أن "لا أحد يشتري مصنوعاته وقت الحرب سوى بعض المطاعم وعمال السفارات من الأجانب".
ويقول فؤاد آرباش، رئيس اتحاد الحرف الشرقية السورية، إنه بالفعل لا توجد أسر أخرى قائمة بنفخ الزجاج سوى أسرة الحلاق في سوريا، مضيفا أن توقف السياحة لظروف الحرب قادر على القضاء على الحرفة.
ويتابع فؤاد أن الحل لبعث الروح لتلك الحرفة هو بعمل ورش تدريبية للشباب لتمرير فن نفخ الزجاج إليهم.
ويستعرض فؤاد تاريخ الصناعة، والتي بحسب قوله ابتكرها الفينيقيون على السواحل اللبنانية عندما اكتشفوا قابلية الزجاج للقولبة حينما يكون مصهورا، وذلك بعد صهر قطع منه عن طريق الصدفة تحت أواني الطهو الخاصة بهم.