تلد النساء في الخيام وسط ظروف غير معقمة، وينبعث الدخان من حرق الأخشاب -المستخدمة في الطهي- مما يتسبب في تفاقم أمراض الجهاز التنفسي، فيما يجد المحتاجون للدواء أنفسهم يتجولون بين ما يصل إلى 10 صيدليات في بعض الأحيان، وفي غياب النتائج الملموسة، يزداد القلق ويسيطر الخوف على الجميع، خاصة مع دخول فصل الشتاء الذي يزيد من سوء الأوضاع.
يقول محمود أبو ريان، النازح من بلدة بيت لاهيا الشمالية إلى رفح لمراسل الجارديان في القدس: "الجو بارد جداً، والخيمة صغيرة للغاية، كل ما أملك هو الملابس التي أرتديها، وما زلت لا أعرف ما هي الخطوة التالية".
وعبرت سعاد قرموط، وهي امرأة فلسطينية أجبرت هي الأخرى على مغادرة بيت لاهيا، عن حزنها من الأوضاع، قائلة: "نحن ننام على الرمال، أنا مريضة سرطان ولا أجد أي أغطية للتدفئة، لم نر أي شيء جيد هنا على الإطلاق. نحن نعيش هنا في البرد القارس، لا توجد حمامات حتى".
وورد في أحدث تقارير مراسل الجارديان في القدس بيتر بومونت، أن النازحون يرون قصص مماثلة حول البرد والمرض، وموجة عاصفة شديدة من الطقس البارد، واكتظاظ وظروف غير صحية، ونقص في الغذاء والمأوى المناسب.
وتتزايد الأمراض المعدية بشكل كبير، وفقًا لبيانات المراقبة التي شاركتها منظمة الصحة العالمية. مثل: إسهال دموي، والتهابات الجهاز التنفسي، واليرقان، والتهاب الكبد الوبائي (أ)، والتهاب السحايا.
ويؤدي النقص في المضادات الحيوية إلى زيادة الوفيات الناجمة عن العدوى بعد العمليات الجراحية بين الجرحى، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة، والذين لا يستطيعون الحصول على الرعاية والأدوية، يموتون في كثير من الأحيان.
ويحكي رمزي، أحد النازحين: "توفيت والدتي الأسبوع الماضي، كانت تعاني من ارتفاع ضغط الدم والسكري، نحن نعيش في ظروف سيئة في أحد ملاجئ الأونروا في رفح، نحن في الخيام، ونفتقر إلى أبسط الأشياء التي نحتاجها، ومن الصعب الحصول على كل شيء، لا يستطيع كبار السن تحمل هذه الظروف، وفي مثل هذه الحالات تكون المستشفيات غير قادرة على التعامل مع ما نسميه بالأمراض العادية، فهي تمتلئ بمئات المصابين وما زالت تستقبل يوميا. حتى الجرحى يتواجدون في ساحات المستشفيات لأن الأسرة ممتلئة".
وقد صرحت مارجريت هاريس من منظمة الصحة العالمية لإذاعة NPR الأسبوع الماضي: "بأننا نشهد بالفعل حالات تفشي مثيرة للقلق للغاية، مثل تفشي اليرقان، الذي نفترض أنه التهاب الكبد A لأن ظروف التهاب الكبد موجودة في هذه البيئة، مياه قذرة، ونقص في خدمات الصرف الصحي، واكتظاظ، ولكننا لا نستطيع في الواقع إجراء اختبار للتأكد من الأمراض، لأن المختبر الذي نستخدمه عادة موجود في مستشفى الشفاء ولا يعمل حاليًا، ولكنه من المرجح أن يكون بالفعل التهاب كبد، لأن الفرد يتعرض باستمرار للبكتيريا والفيروسات، ونحن نشهد أعدادًا هائلة من حالات الإسهال مقارنة بما نراه عادة بين سكان غزة في هذا الوقت من العام".
وتصف حنين وشاح، مديرة مشروع في منظمة أكشن إيد في مستشفى العودة المحاصر الآن في شمال غزة، والتي نزحت إلى رفح في وقت مبكر من الحرب، الوضع في غزة، بأنه عودة كارثية إلى فترة ما قبل المضادات الحيوية، حيث تضاءل المخزون إلى لا شيء تقريبًا، "ينتشر التهاب الكبد الوبائي بين النازحين داخلياً لأن الملاجئ لم تكن مصممة لاستقبال آلاف الأشخاص، وهناك آلاف ينامون في الشوارع بلا مأوى، إنه وضع من الجنون المطلق".
وأعرب العاملون في مجالات الإغاثة في غزة، عن قلقهم البالغ نتيجة إعلان الكيان المحتل لمواصلة قصفه وعدوانه على غزة حتى شهر يناير، مما يثير الرعب في نفوس الآلاف حول الأوضاع المعيشية في فصل الشتا.
تقول حنين: "يا الله، الشتاء، إذا لم يمت الناس من القصف، فسوف يموت الناس في الشوارع، إنه أمر فظيع عندما يهطل المطر سيموت الناس من البرد"، وتصور الرسائل الصوتية من موظفي منظمة أكشن إيد إلى زملائهم خارج غزة، والتي تمت مشاركتها مع صحيفة الجارديان، الوضع اليائس داخل القطاع.
ومما يزيد الأمر تعقيدًا أن العديد ممن فروا جنوبًا في الأسابيع الأولى من العدوان الإسرائيلي هربوا بملابسهم الصيفية فقط في خضم خريف دافئ، ومع افتقارهم إلى الملابس الشتوية والبطانيات وحتى مراتب النوم، فإنهم معرضون للخطر على نحو مضاعف.
وفي رسالة صوتية وصفت رنا، التي تعيش في خيمة مع أطفالها، "خلال العاصفة الأخيرة كانت مرعبة، كان أطفالي خائفين للغاية بسبب العاصفة التي حدثت. كانت الخيمة على وشك الطيران بعيدًا، وكنا نتجمد من البرد. كان الأطفال يرتجفون، لا أستطيع العثور على بطانية تغطيهم. أعطونا بطانية لكل شخص، لكن البطانية كانت رقيقة جدًا ولا تقينا من البرد، والسترات والملابس الشتوية غير متوفرة. لا نعرف ماذا نفعل. لا يوجد فراش للنوم عليه. ننام على الأرض. والأرض من تحتنا شوك".