رحيل الفنان التشكيلي عصمت داوستاشي.. ابن الإسكندرية المتمرد الذي حفظ ذاكرة الفن - بوابة الشروق
السبت 17 مايو 2025 1:13 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

رحيل الفنان التشكيلي عصمت داوستاشي.. ابن الإسكندرية المتمرد الذي حفظ ذاكرة الفن

مي فهمي
نشر في: الجمعة 16 مايو 2025 - 7:24 م | آخر تحديث: الجمعة 16 مايو 2025 - 7:24 م

حالة كبيرة من الحزن تعم على الوسط الثقافى المصرى بعد رحيل الفنان التشكيلى القدير عصمت داوستاشى الذى توفى صباح الثلاثاء 13 مايو عن عمر ناهز 82 عامًا بعد رحلة عطاء امتدت لأكثر من ستة عقود، برع خلالها فى مجالات الرسم والتصوير والطباعة والتصميم والأعمال الفنية المركبة.
لم يكن عصمت داوستاشى فنانًا عاديًا لكنه كان متميزًا، متمردًا، يحمل همَّ الفن وتوثيقه على عاتقه، فهو وإن رحل بجسده إلا أنه ترك وراءه إرثًا بصريًا هائلًا وبصمة لا تنسى فى المشهد التشكيلى المصرى والعربى؛ حيث امتدت رحلته الإبداعية لعقود، جمع خلالها بين الريشة والقلم، وبين التوثيق والابتكار.
تعتبر رحلة عصمت داوستاشى الفنية ذاكرة بصرية لجيل كامل، إلى جانب مشروعه الأضخم الذى كان مشغولاً به طوال حياته وهو «أرشفة تاريخ الفن المصرى الحديث»، فهو كان بمثابة مؤرخ بصرى وثَّق ملامح الحركة الفنية والثقافية فى مصر، خاصة فى الإسكندرية، لعقود طويلة.
ولد عصمت عبد الحليم إبراهيم فى الإسكندرية عام 1943، وتخرج فى كلية الفنون الجميلة قسم النحت، ليبدأ بعدها رحلة فنية طويلة شارك خلالها فى العديد من المعارض داخل وخارج مصر.
استلهم معظم أعماله من عناصر التراث المصرى، وغلبت على لوحاته الألوان الزاهية، كما مثلت المرأة الشخصية الرئيسية فى معظم هذه الأعمال، إذ قال إنها تمثل بالنسبة له مصر، واكتسب لاحقا لقب «عصمت داوستاشى»، نسبة إلى لقب عائلته التى تنحدر من جزيرة كريت.
قام بتغير اسمه من عصمت عبد الحليم إلى عصمت داوستاشى وأطلق على نفسه اسم «المستنير دادا»؛ حيث أخذت لوحاته شكل سيريالى يميل إلى «الدادية» أى المشحونة بالرمز والعناصر والألوان القوية.
برز عصمت داوستاشى كحالة فريدة؛ لم يكتفِ بالرسم والكتابة، بل وهب نفسه لمهمة شاقة: توثيق مشهد فنى متكامل، وجمع تفاصيله من بطون الكتب والصحف، ومن ذاكرة أصدقاء وعابرين فى عالم الفن.
بدأ داوستاشى هذا المشروع مبكرًا، حين لاحظ غياب السرد التاريخى المتماسك لتطور الفن التشكيلى فى مصر.
أصدر سيرته الذاتية فى كتاب بعنوان «الرملة البيضاء.. ذكريات سكندرى». الذى تناول فيها بشكل أساسى علاقته بمدينة الإسكندرية وعشقه لها.
جمع داوستاشى المقالات القديمة، واحتفظ بكتالوجات المعارض، ووثق الحوارات الشخصية التى أجراها مع فنانين مثل، إنجى أفلاطون، حامد ندا، راغب عياد، وغيرهم. تحول منزله فى الإسكندرية إلى ما يشبه المتحف غير الرسمى، تكدست فيه الوثائق، الصور، القصاصات، والمخطوطات.
أصدر عدة كتب تعد مراجع نادرة فى هذا السياق، منها كتابه الشهير «سنوات الهلوسة»، الذى لم يكن مجرد سيرة ذاتية، بل شهادة على حقبة كاملة من تحولات الفن والمجتمع، كما أصدر «كتاب الإسكندرية»، الذى رصد فيه الحياة الثقافية والفنية لعقود طويلة، بأسلوب يمزج بين التوثيق والإبداع.
لكن القيمة الكبرى لأرشيف داوستاشى تكمن فى كونه حفظ ذاكرة غير رسمية، تلك التى لا تكتب فى السجلات الحكومية، بل تروى عبر التفاصيل الصغيرة: ملصق معرض منسى، أو بطاقة دعوة لفنان رحل منذ زمن، أو مقالة نشرت فى صحيفة لم تعد موجودة.
تتميز أعمال عصمت داوستاشى الفريدة فى التوازن بين التجريد والواقعية؛ حيث استلهم من تجاربه الحياتية، واستفاد من خلفيته فى التصوير الفوتوغرافى ليُقدم لنا رؤى جديدة ومبتكرة، بالإضافة إلى أسلوبه السريالى الغنى بالتفاصيل، واستخدامه للألوان الزاهية، وتناوله من موضوعات الروحانية؛ حيث ينسج بين العناصر الشعبية والسرديات القديمة، وقدم لنا نقدًا اجتماعيًا بارزًا من خلال أعماله، استلهم من الرموز الشعبية وتميز أسلوبه بطابع خاص به متأثرًا شكلاً بملامح البيئة المصرية الشعبية والتراثية ومضمونًا بالإنسان فى كل مكان، انحصرت رؤيته كما عبر عنها فى تراث بلده الحضارى والشعبى.
أقام داوستاشى أكثر من 61 معرضًا فرديًا، وهذا يُعكس تاريخه الحافل وتأثيره الدائم على الساحة الفنية، فهو كان مثالا للفنان الشامل، فمارس النحت والتصوير الضوئى والرسم والعمل الفنى المركب.
كانت أول معارضه فى الرسم والتصوير الزيتى عام 1962، قبل أن يدرس فن النحت بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، ويتخرج بدرجة امتياز عام 1967، وهذا التاريخ هو نفس تاريخ معرضه الثانى.
عمل داوستاشى 4 سنوات فى ليبيا حتى 1972 فى الإخراج والرسم الصحفى، وأقام أحد معارضه فى بنغازى، ثم عمل فى التلفزيون المصرى مخرجًا مساعدًا فى البرامج الثقافية، ثم عمل من نوفمبر 73 بوزارة الثقافة مشرفًا على المعارض بالمراقبة العامة للفنون الجميلة بالإسكندرية (بمتحف محمود سعيد).
شارك داوستاشى فى العديد من المهرجانات، وأقام ما يقرب من 61 معرضًا وآخر ظهور له كان فى معرضه «عصمت داوستاشى ومقتنياته»، الذى احتفى بتاريخه الفنى وضم أعمالا لفنانين كبار تأثر بهم، كما شارك فى معظم المعارض الجماعية، وتقتنى بعض أعماله وزارة الثقافة ومتحف كلية الفنون الجميلة ومتحف الفن المصرى الحديث بالقاهرة، وحصل على العديد من الجوائز، وكانت الأولى عام 1962 فى معرض اتحاد طلاب الإسكندرية عن لوحة تصوير زيتى بعنوان «فى انتظار الفرج» وحصلت على المركز الأول، كما حصل على مجموعة جوائز، منها: جائزة بيكاسو وميرو من المركز الثقافى الأسباني، وجائزة راديو فرنسا الدولى بباريس عن تصميم إعلان «إفريقيا 1988».
وأخيرا نعت وزارة الثقافة المصرية الفنان الراحل فى بيان قالت فيه: «برحيل الفنان الكبير عصمت داوستاشى، فقدت الساحة الثقافية قامة فنية رفيعة، ومبدعًا استثنائيًا نقش الجمال فى ذاكرة الوطن وكان أحد أعمدة الحركة التشكيلية فى مصر».
وأضافت: «شكلت أعماله ملامح جمالية وإنسانية عميقة عبرت عن روح الفن، وتفاعلت مع التراث المصرى العريق.. كان فنانا مهموما بالجمال، ومثقفا حقيقيا ظل وفيا لقيم الإبداع والتنوير، وستظل بصماته حاضرة، وقيمته الإبداعية ماثلة فى ذاكرتنا الثقافية».



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك