نبيل نعوم يكتب: مبروك سير أدجاى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:27 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نبيل نعوم يكتب: مبروك سير أدجاى


نشر في: الجمعة 16 أكتوبر 2020 - 9:18 م | آخر تحديث: الجمعة 16 أكتوبر 2020 - 9:18 م

فى سبتمبر الماضى، لأول مرة بعد 173 عاما، حصل مهندس معمارى أسود على جائزة ريبا RIBA، الميدالية الذهبية الملكية للهندسة وتمنح سنويا من قبل المعهد الملكى للمهندسين المعماريين البريطانيين نيابة عن ملكة بريطانيا، فى الاعتراف بالمساهمة الكبيرة فى مجال الهندسة المعمارية العالمى.
المهندس المعمارى هو السير ديفيد فرانك أدجاى، الحاصل على رتبة سير، خريج الأكاديمية الملكية للفنون والمولود فى سبتمبر عام 1966، وهو مهندس معمارى بريطانى، عرف بتصميم عدد من المبانى البارزة حول العالم، بما فى ذلك المتحف الوطنى لتاريخ الأمريكيين الأفارقة وثقافتهم فى العاصمة واشنطن، وكلية موسكو للإدارة سكولكوفو. والكاتدرائية الكبرى فى أكرا، غانا. وهو أول أسود يفوز بهذه الجائزة وقد ولد فى دار السلام، تنزانيا. ابن لدبلوماسى غانى، عاش فى تنزانيا ومصر واليمن ولبنان قبل أن ينتقل إلى بريطانيا فى سن الحادية عشرة. ولعل المتحف الوطنى لتاريخ الأمريكيين الأفارقة أحد تصميماته البالغة الروعة وذات الخصوصية التى وضعت سير دافيد أجاى فى قائمة كبار المعماريين المعاصرين. ويشغل المتحف مساحة تبلغ 400,000 قدم مربع ويحوى ما يقرب من 37 ألفا من القطع الأثرية تتعلق بمواضيع مثل التاريخ والمجتمع والعائلة والفنون البصرية والمسرحية والسينمائية، وفيه مزيج من المحتويات فمثلا من الممكن رؤية ترومبيت الموسيقى الراحل لويس أرمسترونج، أو السيارة الكاديلاك الحمراء للموسيقى وعازف الجيتار الراحل تشاك بيرى، أحد رواد موسيقى الروك أند رول، وفى الوقت نفسه الكرابيج التى عوقب بها العبيد السود، أو الأصفاد الصغيرة الحجم الملائمة للأطفال المصنوعة من الحديد المطاوع، أو النعش بغطائه من الزجاج (لإميت تل) المراهق من مسيسيبى الذى قتل وعمره 14 عاما 1955 متهما بزعم مداعبة امرأة بيضاء. وقد افتتح الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما المتحف فى سبتمبر 2016، وكأول رئيس أسود للولايات الأمريكية، قال فى كلمة الافتتاح: «نحن لسنا بعبء على أمريكا ولسنا بوصمة عار، بل نحن أمريكا، وهذا ما يشرحه هذا المتحف».
ويتميز تصميم المتحف بزخارف تاجية منحوتة على طريقة شعب اليوروبا، أكبر المجموعات العرقية فى نيجيريا. ومتأثرا أيضا بالأقنعة الإفريقية وبالمعمار التقليدى، كالقصر الملكى للملك اليوروبى، ملك كتو، فى بنين، غرب أفريقيا. وقد استغل المعمارى ديفيد أدجاى العلاقة بين النور والظل بتغطية المتحف بشبكة من الحديد المشغول الذى يمثل أعمال الحديد الذى برع فيها العبيد السود من قبل فى كل من لويزيانا وساوث كارولينا، وهذه التغطية من الحديد المشغول تقرب كثيرا فى شكلها من المشربية التى استخدمت كثيرا فى العمارة الإسلامية، كما اعتمد المعمارى فى تصميمه للمتحف على منافذ للضوء تنفذ من خلالها أشعة الشمس لتنير أعمالا أو زوايا بعينها وهذا يرجعنا إلى العمارة الفرعونية، فقدس الأقداس داخل معبد أبو سمبل يعمه الظلام معظم أيام العام، ولا تصل إليه أشعة الشمس إلا فى يومين، وحسب زعم بعض علماء الآثار، هما يوم ميلاد الملك رمسيس الثانى ويوم تتويجه على العرش. وتستمر هذه الظاهرة لمدة نحو 20 دقيقة حيث تخترق أشعة الشمس مدخل المعبد الكبير للملك رمسيس متسللة عبر ممر المعبد بطول 66 مترا لتصل إلى قدس الأقداس بنهاية الممر. أو كما فى معبد الملك سيتى الأول المعروف بمعبد أبيدوس حيث تلقى منافذ الضوء بأشعة الشمس على لوحات بعينها فى أوقات محسوبة تتعلق بالأسرار الأوزيرية والتى يتولى القيام بها كهنة المعبد.
وقد صُمم نحو 60 فى المائة من المتحف تحت الأرض حيث الأجنحة المتعلقة بالتاريخ المؤسف الذى مر به العبيد السود منذ سرقتهم من قارتهم أفريقيا، وذلك للتذكير بفترات القهر. ولكن تدريجيا بإمكان الزائر الصعود إلى أجنحة أكثر إنارة تحتوى على خطب المدافعين عن حقوق الانسان مثل مارتن لوثر كينج، أو انجازات الفنانات والفنانين والرياضيات والرياضيين مثل بيلى هوليداى أو محمد على كلاى.
ويقول أدجاى عن نفسه: «أنا أولا مهندس معمارى بخلفية حضارية مركبة، وأرجع إلى قارة أفريقيا كمرجع شخصى، ولكنى أيضا أموت فى لندن، وعلى ذلك أنا لا أعتمد دائما على المرجعيات التقليدية.»
وقد فازت من قبل بجائزة ريبا المهندسة المعمارية زاها حديد عام 2016، وهى من أصل عراقى، وحصلت على لقب ليدى المقابل للقب سير، عام 2012. وقد رحلت عن عالمنا بعد شهر من استلام الجائزة. وتعتبر زاها حديد أيضا أول امرأة تحظى على جائزة بريتزكر عام 2004 وهى الجائزة المعادلة تقريبا لجائزة نوبل. وقد تميزت أعمالها بالخيال حيث تضع تصميماتها فى خطوط حرة لا تحدها خطوط أفقية أو رأسية، أما تصميماتها المعمارية المبتكرة فقد انتشرت فى أنحاء العالم.
وإذا كان المعمارى الأسود ديفيد أدجاى أول مهندس أسود يفوز بجائزة الريبا ويحصل على لقب سير وهو من أهم الألقاب فى بريطانيا، تمنحه ملكة بريطانيا للشخصيات المهمة ذات التأثير على مستوى العالم فى مختلف المجالات العلمية والأدبية والفنية، فقد حصل على هذا اللقب من مصر ثلاثة هم الدكتور مجدى يعقوب الجراح العالمى ويطلق عليه فى الإعلام البريطانى لقب ملك القلوب. والدكتورة نعمت شفيق نائب محافظ بنك إنجلترا، وأيضا الأنبا أنجليوس الأسقف العام للكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى المملكة المتحدة تكريما نظير جهوده فى خدمة الحريات الدينية فى العالم. وإن كانت هذه الجائزة لم تمنح للمهندس حسن فتحى أو رمسيس ويصا واصف، فإن تلامذتهم ومريديهم فى مصر وحول العالم مازالوا يعمرون ويبتكرون وبذلك تخلد ذكراهم أكثر من جوائز ينساها تعاقب الزمن وتطمسها رياح التغيير.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك