وطنيات ثورة 1919 (18): «عشان ما نعلى ونعلى لازم نطاطي نطاطي».. نموذج لدرامية وتطور ألحان سيد درويش - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 2:18 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وطنيات ثورة 1919 (18): «عشان ما نعلى ونعلى لازم نطاطي نطاطي».. نموذج لدرامية وتطور ألحان سيد درويش

حسام شورى:
نشر في: الإثنين 18 مارس 2019 - 12:54 م | آخر تحديث: الإثنين 18 مارس 2019 - 12:57 م

تواصل «الشروق» على مدار شهر مارس، تذكير قرائها بنخبة مختارة من الأغاني والقصائد الوطنية التي أنتجتها عقول شعراء وفناني مصر الرواد، بالتزامن مع ثورة 1919 أو تفاعلاً معها أو مواكبة لمطالبها وشعاراتها، بهدف إلقاء الضوء على أشكال مختلفة من إبداعنا منذ 100 عام ورصد الآثار الكبيرة للثورة على الفن والأدب في مصر.

••••••••••••


الأغنية التي نسترجعها اليوم هي من أكثر ألحان سيد درويش عبقرية من شدة بساطتها وتعقيدها في الوقت نفسه، هي لحن «الوصولويين» والمعروفة في ذاكرتنا بـ«عشان ما نعلى ونعلى لازم نطاطي نطاطي» التي قدمها خلال أوبريت «العشرة الطيبة».

ففي 11 مارس عام 1920 قدمت فرقة نجيب الريحاني أوبريت «العشرة الطيبة» للمرة الأولى من تأليف وتمصير محمد بك تيمور المقتبس عن رواية «ذى اللحية الزرقاء» المكتوبة بالفرنسية، ووضع بديع خيرى كلمات العرض، ولحنها سيد درويش، وأخرجها عزيز عيد، وبطولة: نجيب الريحاني، ونظلة ميزراحي، واستيفان روستي، وحسين رياض، وروز اليوسف وسراج منير، وعبدالوارث عسر، وعباس فارس، وزكي مراد.

وتركز فكرة الأوبريت الأساسية على تمجيد الفلاح المصري والعنصر الوطني، والسخرية من تجبر الأتراك و«النفخة الكدابة» الذين كانوا عليها في هذا التوقيت، بالرغم من أن الإمبراطورية العثمانية كانت قد أفلت.

وبالرغم من النجاح منقطع النظير للعرض، إلا أنه جلب لأصحابه مشاكل كثيرة؛ حيث شنت الطبقة الأرستقراطية المصرية، والتي كان معظمها من أصل تركي، هجوما حادا على العرض، وأدعوا أن الأوبريت يؤكد على سوء معاملة الأتراك للمصريين، وأن الريحانى قد حصل على مبالغ كبيرة من الإنجليز لإنتاج هذا العمل، وأن العمل يناصر الاستعمار الإنجليزي، وتعرض الريحاني بسبب ذلك إلى خسائر مادية فادحة، بعد أن أغلق مسرحه بأمر من السلطات.

نعود لبطل حلقة اليوم.. لحن «الوصولويين».. والذي كان تجربة مهمة وسابقة لعصرها، إذ وظف فيه سيد درويش قدرته على التعبير بألحانه عن كلمات ومضمون العرض، بالحركة والصعود والهبوط.

فتدور فكرة اللحن المسرحي حول مجموعة من الموظفين المصريين في بلاط الحاكم والتي تمثل الحاشية الفاسدة حوله، إذ يظهر فى بداية اللحن وزير الوالي «عرنوس» لتهيئة الحاشية ونصحهم بأن أفضل الطرق للوصول إلى المناصب والجاه من خلال نفاق الوالى، بالرغم من أنه يعلم وضاعة سيده ولا يترك مناسبة إلا ويسخر منه فيها لكنه يخدعه ويلاينه.

فيعبر المبدع بديع خيري عن هذه الحالة في البداية بأسلوب شرطي يعقبه جواب على لسان عرنوس وهو يقول للحاشية:


«عشان ما نعلى ونعلى ونعلى… لازم نطاطى نطاطى نطاطى»

وهنا يبدأ سيد درويش البيت بلحن «كريشندو» على مقام العجم ليصل فيه بأعلى صوت جهوري، ثم يبدأ في الهبوط «ديكرشندو» في «لازم نطاطي نطاطي نطاطي» ليعبر فيه عن مدى الخنوع والذل الذي يطالب به الوزير الحاشية.

وبالرغم من أن الأوبريت نفسه يمثل إسقاطا سياسيا على فساد الطبقة الحاكمة في هذا التوقيت وينتقدها، إلا أنه جسد روح الشخصية المصرية بكل تكويناتها وتنويعاتها، حتى لو كانت سلبية، كنتاج صريح لثورة 1919 التي دفعت فنانين هذه المرحلة بالتركيز على الهوية المصرية.

وبعد البيت الأول، تعمد سيد درويش الانتقال إلى حالة إيقاعية جديدة ينتقل معها اللحن، وكأنه يريد أن يقول أن هذه البداية هي عنوان للقصة التي سنسمعها، وبالفعل نجح في ذلك بدليل أننا حتى الآن نذكر تلك الأغنية بـ«عشان ما نعلى ونعلى لازم نطاطي نطاطي» وليس «الوصوليين»؛ ويبدأ اللحن في تهيئة حالة السرد على لسان عرنوس.

ليتغير الإيقاع بحيث تكون الكلمات متوافقا تماما مع الإيقاعات، وهي حالة كان يستطيع سيد درويش إحكامها بامتياز، كما يجب الإشارة إلا أن فكرة غناء المجموعة أو «الكورال» والتي كانت جديدة بالنسبة لعصرها ساعدت أيضا على بقاء اللحن وجعله بسيطا يردده الجمهور، وكان يعتمد عليها سيد درويش في كثير من ألحانه مثل هذا اللحن، ونشيد «أحسن جيوش في الأمم جيوشنا».

ليصعد اللحن مرة أخرى مع نهاية المقطع الثانى؛ للتعبير عن المبالغة فى نفاق الحاشية للحاكم بسرد القصص الوهمية عن شجاعته وبطولاته لدرجة الشطح فى ادعاء صفات خيالية فيه، لتكون الذروة بـ«طاخ .. طيخ .. طوخ».

ولا ننسى أن هذا العرض كان ضمن أحداث مسرحية بالأساس إلا أن سيد درويش استطاع أن يجعله جزءا من السياق الدرامي لها، لا مقحمة عليها، بالعكس فإذا حذفت الأغنية يحدث خلل في سياق العرض، فكان لسيد درويش الاختيارات الموفقة في تلحين جمل بعينها، وترك جمل أخرى بدون تنغيم لتعبر عن الحوار المسرحي؛ كما يشرح الموسيقى الدكتور اسامة عفيفي في مدونته "كلاسيكيات الموسيقى العربية" نسمع في المقطع الثالث على لسان المطرب وهو يقول:

«الرك على حبة بولوتيكه، وذمة كاوتشوك خربانة»، لترتفع النغمة بشكل قوي في: «ما دام الأمير ذمته أنتيكة، لازم الرعية تكون وحلانة» وكأنها جوابا أو مبررا للطلب الأول، والتي تحمل نقدا لاذعا للحاكم وتعبر عن سبب كل هذه الحالة أصلا، ثم يكرر الكورال المقطع للتعبير عن الحالة الساخرة.

ثم يستمر صوت المطرب المؤدي لشخصية عرنوس بالصعود إلى أن يأتي صوت المجموعة بلحن مختلف هادىء الإيقاع على مقام النهاوند، معبرا عن همس الحاشية مستعجبين من حديث الوزير وخائفين من سطوته: «تعرفش المسألة إيه.. عرنوس متعفرت ليه».

ويجدر الإشارة إلا أنه كما كان معتادًا في هذه الفترة التقاط الكلمات والتعبيرات من أفواه عامة الشعب وجعلها أعمالا فنية، ويظهر ذلك خاصة في الأعمال التي كتباها بديع خيري ويونس القاضي ولحنها لهما سيد درويش، ففي هذا اللحن نجد عبارات مثل: «حزر فزر.. ياواد انت، واقفين زنهار، زي القط والفار، بالحق».

ويعد هذا العمل من أن أجرأ الأوبريتات التي لحنها سيد درويش بل إنها تعدت حركة النقد الشعبى والإصلاح الاجتماعى إلى انتقاد الحاكم والإصلاح السياسى، وهنا يتحمل سيد درويش عبء توصيل المضمون السياسى التعبوى إلى الجماهير بموسيقاه المعبرة.

واستكمالا للروح المسرحية يأتي إلقاء مختلف على لسان أحد المؤديين، بدون تنغيم مصحوبا بضحكة خفيفة ساخرة: «إيش حال الأفوات»، لترد عليه المجموعة مستكملين شرح مبدأهم الوصولي في الحياة، بل ومتفوقين على الوزير الذي كان ينصحهم في البداية، معترفين بهذيان الوالى وتخريفه في:


أول شرط نطاطي البصلة … لسيدنا الوالي ونستعبط له
مهما تسمعوا تهجيص … اعملوا روحكم بلاليص

ثم يقررون أن يكونوا «بلاليص» حفاظا على مصالحم، وهنا استطاع سيد درويش التعبير عن الحركة والتنقلات في الكلمات من خلال ألحانه؛ فتسمع كلمة «بلاليص» الأولى تتكرر بشكل تساؤل واستغراب، ثم يرد الكورال بـ«بلاليص» مرة أخرى ولكن بنغمة مختلفة وكأنهم استحسنوا الأمر وأعجبوا به.

وتنتهي الأغنية مثلما بدأت بـ«عشان ما نعلى ونعلى لازم نطاطي نطاطي».

النسخ المتوفرة حاليا من تلك الأغنية ليست النسخة الأصلية، بل تعود لخمسينات القرن الماضي بعدما أعادت الإذاعة المصرية تقديم أوبريت العشرة الطيبة، موزعا توزيعا حديثا للموسيقار عبد الحليم علي وأداء أوركسترا الإذاعة بقيادة الموسيقار محمد حسن الشجاعي، ثم قدمت بالإسكندرية في السبعينات بإشراف محمد البحر نجل سيد درويش والموسيقار محمد عفيفي.

نص الكلمات:


عشان ما نعلى ونعلى ونعلى … لازم نطاطي نطاطي نطاطي
بسلامته الوالي ابو زعيزع … مهجص باشا دقن تعيتع
وغرامه تمللي قال ايه … نترصص دايما حواليه
نروح واقفين زنهار … زي القط والفار
تلقاه دايما منفوخ نفشرله … طاخ طيخ طوخ
الرك على حبة بولوتيكه … وذمة كاوتشوك خربانة
ما دام الأمير ذمته أنتيكه … لازم الرعية تكون وحلانة
حذر فذر ياواد انت بعقلك … بعد الحنشصة دي اللى انت عليها
ياهل ترى الدنيا دي حتروقلك … وتشوف ماشاف قراقوش فيها
تعرفش المسألة ايه … عرنوس متعفرت ليه
بالحق سلامات سلامات … ايش حال الأفوات
محاسيبك … يا خى سيبك
اول شرط نطاطي البصلة … لسيدنا الوالي ونستعبط له
مهما تسمعوا تهجيص … اعملوا روحكم بلاليص
مهما نسمع تهجيص … نعمل روحنا بلاليص
بلايص بلايص؟.. بلايص بلايص بلايص بلايص
عشان ما نعلى ونعلى ونعلى … لازم نطاطي نطاطي نطاطي



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك