في 19 أغسطس 2017، رحل الكاتب المصري محفوظ عبد الرحمن، الذي ترك اسمه مسجلًا على أعمال فنية ذات طابع خاص بها، فهو صاحب "بوابة الحلواني" و"أم كلثوم" و"ناصر 56" و"القادسية" وأعمال أخرى في التليفزيون والسينما وأيضًا المسرح، ولكنها حملت فكر وفلسفة كاتب يرتبط بتراثه وتاريخه.
• محفوظ عبد الرحمن المتجول في مدن مصر
يقول الكاتب الأردني أحمد الطراونة، في بحث أعده عن محفوظ عبد الرحمن، إنه مواليد محافظة البحيرة وكان والده يعمل في الجيش المصري، ودارت به الأيام على مصر المحروسة ليعرف جغرافيتها وعادات أهلها، لذلك شكلت فترة الطفولة الثرية بالأحداث السياسية والوطنية المناهضة للإنجليز، أول دروب الإبداع، فعشق اللغة وتمرد على قوالبها وتقرب كثيرًا من حكايات التاريخ وجالسها كثيرًا؛ حتى أصبح مولعًا بالأساطير وخوابئ التاريخ.
ربما تلك البداية التي جعلته ينشأ في بيت يعتاد الترحال في ربوع مصر، بسبب انتقالات والده، ما كان له اليد الأولى المساهمة في حبه للتراث المصري وتاريخه، وجعله مدونا جيدا له على الشاشة وخشبة المسرح.
وعن حب الكاتب الراحل للتاريخ، قال رجاء نقاش في كتابه "لغز أم كلثوم": "أحب أن أسمي محفوظ عبد الرحمن، باسم نجيب محفوظ عبد الرحمن الرافعی، ذلك لأنه جمع في عمله بين نجيب محفوظ وعبد الرحمن الرافعي معًا، لأنه صاحب قدرة فنية عالية وصاحب قدرة أخرى على فهم التاريخ والإحساس به".
• تعدد الفنون الأدبية تحت مظلة فكر واحد
المسرح والتلفزيون والسينما والقصة القصيرة والرواية، فنون أدبية متنوعة كتب فيها محفوظ عبد الرحمن، البداية المبكرة كانت مع القصة، فقد نُشرت أولى مجموعاته القصصية عام 1967 وهي "البحث عن المجهول"، وفي 1984 نشرت ثاني مجموعة قصصية له تحمل اسم "أربعة فصول شتاء" 1984، وأما روايته الأولى "اليوم الثامن" فنُشرت 1972 بمجلة الإذاعة والتلفزيون، و"نداء المعصومة" عام 2000، كما كانت له محاولات مع الشعر في مرحلة مبكرة من حياته لكنه لم يكمل في طريقه.
وعلى صعيد الدراما التلفزيونية، قدم الراحل العديد من المسلسلات ككاتب سيناريو، ومنها "سليمان الحلبي"، و"عنترة"، و"محمد الفاتح"، و"ليلة سقوط غرناطة"، و"الفرسان يغمدون سيوفهم"، و"ليلة مصرع المتنبي"، و"السندباد، و"ساعة ولد الهدى"، و"بوابة الحلواني"، و"أم كلثوم".
والمتتبع لتاريخ محفوظ في مجال الكتابة الدرامية يجد أنه من محبي تقديم الأعمال التاريخية والسيرة الذاتية للشخصيات المرتبطة بالتاريخ والتراث المصري أو العربي.
كما لم تغب كتابته عن خشبة المسرح، إذ قدم العديد من الأعمال أبرزها "حفلة على الخازوق"، و"عريس لبنت السلطان" و"الحامي والحرامي"، و"كوكب الفيران"، و"السندباد البحري"، و"محاكمة السيد م"، وكثير من العروض التي شملت خشبة المسرح المصري والكويتي.
ويقول عبد الرحمن، عن تقديمه أنواع أدبية مختلفة، حسبما ذكر الطراونة في بحثه، إن كتابة القصة هي التي بدأت في تشكيل الوعي لديه، وفهمه لأنماط وأجناس الكتابة الأخرى، مضيفا: "لا يمكن لأي كاتب مهما كانت سطوته أن يمتلك ناصية أشكال الإبداع كلها حتى لو اختبارها كلها وأنجز من خلالها ما أنجز، وأنا كتبت في أغلب مجالات الإبداع لذلك اعتبر هذا سلاحا ذا حدين لأنك لا يمكن أن تكون مبدعًا شاملًا. وهنا أقول إن المسرح هو الأحب إلى قلبي".
وهنا نذكر شهادة الناقد الراحل سامي خشبة، عن مسرحيات محفوظ عبد الرحمن، فقد قال إن بها همًا فلسفيًا مستمدًا من التراث العربي، ولديه موهبة فريدة في صياغة الجملة المسرحية، ونجح في المزج بين الحكاية والبناء المسرحي.
• اهتم بالتاريخ ولم ينفصل عن الحاضر
ذُكر في كثير من الكتابات عن أعمال عبد الرحمن، أنها ترتبط بالتاريخ، والشخصيات النابعة من هذا التراث الضخم، ومما كُتب في ذلك الصدد ما جاء في كتاب "محفوظ عبد الرحمن في عيون هؤلاء"، للدكتورة سميرة أبو طالب: "عبد الرحمن درس التاريخ دراسة أكاديمية، لذلك أظهر شغفًا واضحًا بمفاصل التاريخ المصري ونقاط تحوله الحاسمة، ومثلما بدأ المفكر حسين فوزي كتابه سندباد مصري من الجمعة الحزينة التي سقطت فيها هوية مصر على باب زويلة وانقلبت الدولة إلى دويلة عثمانية تابعة، ذهب محفوظ عبد الرحمن في مسلسل الكتابة على لحم يحترق لنفس اللحظة وبلور عبرها نجاحاته ككاتب دراما تليفزيونية بعد نجاحه المسرحي، ثم واصل في سليمان الحلبي وليلة سقوط غرناطة اللعب على مفاصل التاريخ ودراما السقوط، وفي بوابة الحلواني قدم تأويله لتجربة حفر قناة السويس وانشغال المصريين البسطاء بالعلاقة مع الآخر الغربي".
ولم ينفصل عبد الرحمن، عن الحاضر عندما انشغل بالماضي، بل حاول الدمج بين الاثنين لتقديم نظرة نقدية للواقع الذي يعيش فيه.
ويظهر ذلك من خلال مسرحيته "بلقيس"، فقد تنبأت بالثورة –كما يقول الراحل- وكانت بلقيس هي مصر التي تاهت، وتزامن توقيت العرض الذي جاء بعد الثورة كحدث ثقافي مهم لأنه عالج ما حدث فعلا في ثورة 25 يناير معالجة فنية دون مباشرة أو ارتباط مباشر بالأحداث لأنها كانت معدة قبل ذلك بسنوات وكان يجهز للعرض خلال يناير قبل الثورة، وكانت إنتاج المسرح القومي وبطولة رغدة، وفق لما ذكره الطراونة.
ولم ينقطع محفوظ، أيضًا عن الكتابة الصحفية، فقد ظل يعبر عن الواقع من خلال مقالاته في الصحف، ومن نماذج ذلك ما كتبته تحت عنوان "درام التغيير الوزاري 2010.. وزير إسرائيلي في حكومة مصر"، لجريدة العربي، وكان مقالًا ساخرًا يحمل الأسماء المستعارة والدلالات المضحكة، والتصريحات الوزارية الفانتازية.
ومما قاله في المقال: "هدأ رئيس الوزراء من الضجة التي حدثت وقال لا يوجد قانون يمنع ازدواجية الجنسية وعلينا أن نستفيد من هذا نحن يا سادة في زمن العولمة، لا فرق بين مصري وأسترالي إلا بالتقوى".