أحرص دائمًا على قراءة تقارير هارفارد وأوراق مايو كلينيك، حتى أنني أسمح لنفسي أن أنقل بعضًا مما أراه نافعًا للقارئ المصري، بالطبع مشيرة دائمًا إلى المصدرين، وأرى فيهما مثلًا أتمنى لو حاكته مراكز متخصصة لدينا.
جاء في تقارير هارفارد فيما يعرف بـ «رسالة القلب» أحد أشهر أطباء القلب في العالم، د. يوجين برونولد، والذي يعتبر كتابه الفريد في طب القلب البوابة التي لا يستثنى أحد من عبورها قبل إجازته طبيبًا للقلب في أي بلد في العالم.
كان الحديث مع بروفيسور برونولد، الذي تجاوزت أعوامه الثالثة والتسعين وما زال إلى الآن يحاضر في المؤتمرات وقاعات الدرس في جامعات العالم منذ بداياته في الخمسينيات، عن كيفية رؤيته لمستقبل طب القلب في العالم وماذا يتمنى لقلب الإنسان على الأرض من برامج مبدئية للرعاية.
يرى بروفيسور برونولد أن مستقبل طب القلب يجب أن يوجه للوقاية المبكرة من أمراض القلب وشرايينه فيما يعرف بالوقاية الأولية، ومحاولة اجتناب حدوث ما يسمى بعوامل الخطورة، مثل ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع نسبة الكولستيرول الرديء، ومرض السكر.
رصد تلك العوامل المرضية وعالجها في المقام الأول، أو محاولة تجنبها قبل حدوثها بدراسة مسببات تلك الأمراض اعتمادًا على الاختبارات الجينية الحديثة، التي تتطور بصورة مذهلة لتعطي صورة مستقبلية عن إمكانية حدوث أمراض بعينها مستقبلاً. تفادي تلك الأمراض يصبح ممكنًا بتفادي المسببات، كالنظام الغذائي على سبيل المثال يمكن تعديله لتفادي المشكلة. اتخاذ التدابير اللازمة في مرحلة مبكرة من العمر قد يقي الإنسان بعضًا من الأمراض التي قد تحدث لاحقًا إذا تحدث فار ما تمكنت منه والزمته بصفة مستمرة طوال حياته.
أثار د. برونولد قضية أخرى مهمة تتعلق بأمراض شرايين القلب، التي قد تؤثر إصابتها بالضيق فيما يعبر عنه بالذبحة الصدرية، أو حينما تتعرض الشرايين للإصابة بالجلطة فيما يعرف بالأزمة القلبية. وفي كل الأحوال يبدأ الحدث بتفاعل التهابي داخل الشريان.
أشار د. برونولد في حديثه إلى أنه من المعروف أن علاجات ارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة الكولستيرول في الدم قد حققت بالفعل نجاحات كبيرة جعلت التحكم في المشكلتين أمرًا محسومًا، متى أحس الاختبار في وسائل العلاج التي تشمل العلاج بالأدوية الملائمة إلى جانب الالتفات إلى أسلوب الحياة، النظام الغذائي، ممارسة الرياضة بصورة منتظمة، والتوقف عن التدخين.
يضيف د. برونولد إضافة بالغة الأهمية حينما يتحدث عن ضرورة علاج الالتهاب، أو مستصغر الشرر الذي ينجم عنه معظم النار فيما بعد. كانت ملاحظة ذكية تلك التي قادت العلم إلى أن المرضى الذين يعالجون من مرض النقرس باستخدام عقار الكولشيسن المضاد للالتهاب هم أقل عرضة لأمراض شرايين القلب التاجية.
يتصور د. برونولد أن الأيام المقبلة ستحمل آمالًا جديدة في علاج أمراض شرايين القلب باستخدام أدوية مضادة للالتهاب يمكنها أن تلعب دورًا في الوقاية الأولية من أمراض الشرايين التاجية وتداعياتها الوخيمة.
العلاج بالخلايا الجذعية: لأكثر من عقدين من الزمن حاول العلماء إصلاح القلب المعطوب، تلك التي تكررت إصابتها بجلطات متكررة، باستخدام خلايا مشتقة من نخاع العظم يطلق عليها الخلايا الجذعية بغرض تجديد خلايا القلب في الأماكن المصابة، والتي تضررت من انقطاع وارد الدم إليها إثر جلطة الشرايين المؤدي لها والمسؤول عن ترويتها.
كثيرًا ما كانت تختفي تلك الخلايا ولا تندمج في عضلة القلب، الأمر الذي قد يصيب الأطباء بالإحباط، لكن مع التقدم في التجارب تلوح في الأفق تقنيات جديدة تتضمن عوامل مساعدة تشجع نمو الأوعية الدموية ذاتها في المختبر، وهو اكتشاف مبني على التكنولوجيا التي منحت جائزة نوبل عام 2012، والتي فيها أعيد برمجة الخلايا في حالتها الجينية، وبالتالي يمكن توجيهها لتوليد أي نوع من الخلايا البالغة، بما في ذلك خلايا عضلة القلب الفريدة.
زراعة القلب: يتحدث د. برونولد عن أمل أيضًا قد يتحقق في العام الجديد، خاصة بعد نجاح عمليتي زراعة قلب خنزير لمريضين عانيا من فشل عمل القلب. رغم وفاة المريضين، فإنهما صمدا لأسابيع بعد زراعة قلب خنزير معدل وراثيًا.