«الإمساك بالقمر».. شهادة محمود الورداني على الماضي للتحرر نحو المستقبل - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 3:41 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الإمساك بالقمر».. شهادة محمود الورداني على الماضي للتحرر نحو المستقبل

محمود الورداني
محمود الورداني
أسماء سعد
نشر في: الجمعة 20 مايو 2022 - 8:45 م | آخر تحديث: الجمعة 20 مايو 2022 - 8:45 م

وثيقة وترصد تشكل معارك وأحلام وتجارب الستينيات والسبعينيات
نصوص عكست إيمانا برحابة الحرية وإمكانية تطوير المجتمع وتخطى الرهانات الصعبة

«نصوص بديعة تتحدث عن آمال وأحلام وأيام جيل الستينيات وما تلاه من موجات فى السبعينيات تحاول التحرر من سيرة الماضى وأحداثه المؤلمة للتحول لاتجاه رؤية جديدة للعالم» هى السمة الغالبة على الخط الذى اتخذه الكاتب محمود الوردانى فى مؤلفه مع دار الشروق «الإمساك بالقمر.. فصول من سيرة زمننا» والذى ينتمى إلى أدب السيرة الذاتية.
أتاح لنا الكاتب محمود الوردانى صاحب الإبداعات العديدة فى الإمساك بالقمر نموذجا لكاتب ومبدع رفض أن يتقولب فى تجارب تخطاها الزمن وإنما ركز طوال محطات وفصول الكتاب على معانى وقيم الحرية والرغبة الشديدة فى إحداث تطوير حقيقى وملموس فى المجتمع وابتكار كل ما هو جديد.
♦ تنوع المحتوى
يطالعنا الكاتب محمود الوردانى فى كتابه الإمساك بالقمر بستة عشر فصلا متنوعا تمحورت حول الجرح التى سببته هزيمة العام 1967 حيث افتتح الكتاب بفصول منها «دنيا عبدالفتاح الجمل، عن الحمامة العجوز مرورا بحكاية الضباب، نجوم من زماننا، المظاهرة التى قادها يوسف إدريس، انتهاء بوداع للوادى الجديد، وأيام السادات».
يصطحب الوردانى القارئ فى رحلة شاملة يعرفه خلالها على البدايات المبكرة لتشكل طموحات وأحلام ومعارك جيل الستينيات والدور الذى لعبته التطورات السياسية والأحداث الكبرى حينها وتأثيرها على الفرد والمجتمع مع تسليط الضوء على حقبة السبعينيات وما شهدته من زخم الحركة الطلابية وحرب 1973 وغيرها.
نلمس فى الإمساك بالقمر مزيجا ما بين مجموعة من البورتريهات التى رسمها الكاتب بالكلمات على نحو خاص إلى جانب تجربته الأدبية والإبداعية المتميزة ومحطات مختلفة من حياته فى تجربة أخرى موازية فى السنوات المبكرة التى شهدت الانخراط فى الشأن الطلابى والسياسى.
♦ اتساق الأسلوب
«من ناحية، ولأدلل على مدى ما جرى لى بعد أن وقعت الهزيمة وأدركتُ فداحتها من ناحية أخرى، خصوصا عندما شاهدت بعينى بعض الجنود العائدين سيرا على الأقدام من سيناء فى صيف 1967 الدامى بالقرب من بيتنا فى العمرانية».
جاء الأسلوب الواضح واللغة القوية والتعبيرات الجادة فى الكتاب متسقة تماما على صعيد الأسلوب مع الطبيعة المميزة لرونق الكتاب وتناولة لمجموعة من أدق التحولالت السياسية التى مرت على مصر والمصريين حيث ساهمت اللغة المكتوب بها الكتاب فى التعريف بالفترة الفترة التى يؤرخ لها الكتاب وهى فترة عايش فيها المصريون حدث سياسى جلل وهو هزيمة 1967، والتى ما زالت آثارها السلبية لها انعكاستها على الواقع العربى.
تناسب الأسلوب الرصين الذى عبر من خلاله الوردانى عن سيرة زمنه مع تصاعد العنفوان الوطنى الذى سببته الرهانات الواقعية والتحديات التى اصطدم بها الشعب المصرى فى فترة الستينيات وما تلاها من بداية السبعينيات.
«كنتُ فى السابعة عشرة عندما وقعت كارثة ١٩٦٧، وكنت متأثرا طبعا إلى هذا الحد أو ذاك بالأفكار الناصرية، بل وكنت قد حضرت الدورة الأولى الأساسية فى منظمة الشباب الاشتراكى، على مدى خمسة عشر يوما فى معسكر يضم بضع عشرات، ننام فى خيام، ونتلقى محاضرات طوال النهار فى الاشتراكية والميثاق وما إلى ذلك. ولما كنتُ كثير الأسئلة وأنخرط بجدية فى المناقشات وأطرح أفكارى وأجادل، قرر المسئولون، لحسن الحظ، ألا أواصل العمل فى صفوف المنظمة وعدم تصعيدى للمرحلة الثانية.أسوق هذه الواقعة لأؤكد على مدى تأثرى بالأفكار الناصرية».
عكست تلك الكلمات التى افتتح بها الكاتب أول فصوله تحت عنوان «دنيا عبدالفتاح الجمل» الطريقة الواضحة الشارحة التى اعتمد عليها فى سرد أحداث الكتاب حيث كان الوردانى ابن السابعة عشرة رفقة شقيقه المثقف عبدالعظيم الوردانى حينما وقعت هزيمة 67، حيث كان بيت الأسرة فى العمرانية مزارا لكثيرين من أهل الكتابة وعشاقها.
تدفق الأحداث لتكشف عن انخراط محمود الوردانى فى العمل السياسى وانغماسه ضمن تنظيم سرى ألقى به فى ذروة التفاعلات حول الأحداث المتسارعة حينها حيث كان شاهدا على اعتصام طلاب جامعة القاهرة فى العام 1972 بعدما حرص على فتح قنوات تواصل عديدة معهم من أجل ليصبح فى أوج احتياجه الأدبى للاهتمام بالثقافة والقراءة والفن والأدب وكتابته للقصة القصيرة، وشاهدا على جيل التمرد وثورة الماستر.
♦ المناخ العام
اختار الوردانى عنوانا فرعيا بارزا على غلاف الكتاب أسفل كلمة الإمساك بالقمر وهو «فصول من سيرة زماننا»، ليعبر عن سعى جماعى له ولزملائه ولمجموع من الأساتذة للسعى خلف حلم مشروع لهم وهو التأسيس لوعى مغاير فى تلك الفترة يكسر جمود الماضى ويمنع انقطاع التاريخ؛ حيث جاء المناخ العام للكتاب ليبرهن على أن الوردانى ظل مؤمنا برحابة الحرية فى تطوير المجتمع.
تفتح لنا أوراق محمود الوردانى أسئلة على الحاضر والمستقبل، فى ظلِّ واقع زاخر بالوعود والانكسارات، طارحةً همومه الأدبية التى شغلته ورفاق جيله الذين اكتووْا بنار هزيمة 1967، التى «هُزمت معها أحلام وآمال وأيام ومستقبل جيل الستينيات، وما تلاه من موجات؛ من بينها موجة السبعينيات التى انتمى إليها» فى رهاناتها الواقعية للتقدُّم وتحدياته واتجاهاته، غير أننا لا نقرأ فيها تأريخًا ولا سيرة ذاتية ولا سيرة لجيل، بل هى ذلك كله، مضفورًا بالبدايات الباكرة والتشكل والمعارك والأحلام والتجارب الكبرى والدور الذى لعبته السياسة تحديدًا.
«فى السياق نفسه الذى جرت فيه تلك الوقائع والأحداث، لا يمكن إغفال واحدة من أولى التجارب التى خضتها، والأكثر تأثيرا على الأجيال التالية فى مطلع سبعينيات القرن المنصرم، إبان اعتصام طلاب جامعة القاهرة عام ١٩٧٢، والذى انتهى باعتقال بضع مئات وفض الاعتصام بالقوة، وإن كان دون عنف أو ضحايا. أبادر إلى تذكير القارئ بما كنت قد كتبته فيما سبق بأننى لم أكن طالبا فى الجامعة، بل فى معهد الخدمة الاجتماعية، وإن كان العديد من أصدقائى طلابا فيها، واعتدت التردد عليها، ثم شاركت فى الاعتصام الذى اندلع منذ بداياته».
نجح الكاتب فى أن ينقل القارئ معه إلى الحالة الشعورية التى انشغل بها أجيال بأكملها حينما كان الغضب والغليان يملأ صدور الطلاب ممن تحتشد أذهانهم بالأفكار اليسارية والماركسية، ولا يعتمد فى ذلك على ذاكرته أو ماعايشه فقط، وإنما على سبيل المثال يسوق ما كتبه صديقه أحمد بهاء شعبان أحد قيادات الحركة الطلابية الباروين والمعارصرين للأحداث، وما وثقه من شهادة الراحل أحمد عبدالله رزة أبرز قادة الانتفاضة الطلابية حينها.
لتبدو نصوص الكتاب أمام القارئ أشبه بـ «منظومة إبداعية متكاملة» تتضافر فيها براعة السرد وسلاسة اللغة مع صدق الأحساس الوطنى الذى أعاد إلى الأذهان مظاهرة يوسف إدريس فى وسط البلد احتجاجا على اغتيال غسان كنفانى، ورحلات الوردانى وخيرى شلبى لاكتشاف القاهرة، وحوارات ومقالب يحيى الطاهر عبدالله، الذى كان يفخر بكتابته للقصة القصيرة.
ساهم المشوار الإبداعى العامر لمحمود الوردانى فى حسن العبير عن حقب تاريخية وفترات زاخرة من التاريخ المصرى، والتى شهدت زمنا صاخبا، تلاطمت فيه الأحداث والمعارك، فالوردانى صاحب أربع مجموعات قصصية وتسعة أعمال روائية، إلى جانب عدد آخر من الإبداعات الرصينة عن التاريخ الاجتماعى والسياسى، من أمثال: حكايات الحرية، وسيرة منظمة شيوعية، بخلاف ما أصدره من مختارات من القصة القصيرة مع دراسة بعنوان «مائة عام من الحكى»، بالإضافة لرصيده المميز فى عالم الصحافة وحصوله على جائزة ساويرس للقصة القصيرة فرع كبار الكتاب.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك