• بين الرفض والتأييد.. النساء يختلفن في تحديد موقفهن من الحمل في السنة الأولى من الزواج
• معدل الإنجاب الكلي في مصر سيقل بمقدار 20% إذا أمكن تجنب المواليد غير المرغوب فيهم
يضم شهر مارس عدة احتفالات مختلفة بالمرأة، سواء على مستوى العالم أو مصر، منها اليوم العالمي للمرأة وعيد الأم، وفي ظل ذلك، يوجد كثير من القضايا التي تُطرح للمناقشة عن المشاكل التي تواجه النساء، وفي مصر تحديدا، كان منها قانون الأحوال الشخصية وما تتعرض له النساء من معاناة بسببه.
وفي السطور التالية، تطرح "الشروق" مشكلة أخرى تواجه المرأة في مجتمعنا، وهي إملاء الوصاية على رغبتها في تحديد مواعيد الإنجاب.
"أجلت سنتين علشان دراستي وأخلص كليتي، ومع زن أهلي حملت وخلفت توأم وماتوا.. من وقتها وأنا رافضة تدخل حد في حياتي"، جملة تلخص قصة إحداهن، من اللاتي يعانين من تدخلات الأهل في الحياة الزوجية، وفي أدق تفاصيلها مثل تحديد موعد الحمل المناسب لكلا الزوجين، ونتائج الإنجاب لا تقتصر على أسرة فقط، لكنها تعمل ضمن مؤشرات عامة تزيد من تعداد السكان في الدولة، وتؤثر بالسلب على الصحة النفسية للأم.
وقالت والدة التوأم المتوفي، في حديثها لـ"الشروق" عن مشاعرها السلبية التي تمر بها منذ وفاة طفليها، وكانت في السنة النهائية من الجامعة: "بعد وفاتهما، رفضت تماما الإنجاب؛ لأني نفسيا متدمرة ولا أنساهما، وأيضا أتمنى تأمين مستقبل الطفل القادم، لكن الضغط مستمر بشكل كبير من كل الأطراف، لكن تجربتي علمتني لا أسمع لكلام أي شخص".
وأضافت أخرى: "كنت أريد التأجيل، لكن الفكرة رُفضت من الجميع، وضغط زوجي وأهله لكي أتراجع، وبالفعل استجبت لهم، وحملت، وحاليا أتمنى أن أنفصل عنه؛ لأنه غير متحمل للمسئولية ولا ينفق جيدا على الأولاد، لكن لا أستطيع، وأهله حاليا لا يتدخلون لتوجيهه لرعاية أسرته".
وتشابهت قصص أخرى من حيث ممارسة الضغط على الزوجة لكي تنجب، في كل التجمعات العائلية تُسأل السيدة عن الحمل، ولماذا لا تسعى إليه؟ وهل يوجد مانع؟ وهل زارت الطبيب؟، وتنهال الأسئلة على رأسها من كل حدب وصوب، وبالفعل رضخن للضغوط وتراجعن عن قراراتهن.
"لا أحد يتحمل مشاكل ما بعد الولادة غير الأم"، هذا ما قالته إحداهن وهي تمر بآثار اكتئاب ما بعد الولادة، وقصت أنها تعرضت لضغوط من والدة زوجها، منذ الأيام الأولى للزواج، وظلت تطالبها بالحمل بصورة متكررة حتى الشهر الرابع، تجاوبت مع رغبتها وحملت في طفلتها، لكنها وجهت نصيحة لكل فتاة ألا تنساق مثلها، وقالت: "لو الأم غير مستعدة بشكل كاف لتحمل مسئولية طفل، يجب أن تصبر، لأن عدم الاستعداد يؤثر بصورة سلبية على الرضيع نتيجة لشعور الأم بضغوط نفسية، وأنها تظلم روحا بسبب عدم قدرتها على رعايته بشكل جيد، وهذا الشعور صعب جدا، وهو ما أعيشه الآن".
وحكت أخرى أنها كانت تعاني من حماتها وتدخلها المبالغ فيه في حياتها: "ظللت شهرين فقط بعد الزواج دون أن يحدث حمل، كنت أحاول التأجيل لفترة، لكن حماتي كل يوم أسئلة باستمرار ليل نهار لا تتعب من أن تكرر أسئلتها عن إشارات الحمل، وبلغ بها الحال أنها تسألني عن مواعيد الحيض، وتسألني أمام الناس دون حرج وتشتكي للآخرين أني لا أريد الإنجاب".
"مش أي راجل يستاهل نخلف منه"، هكذا قالت بعض السيدات وأيدنها أخريات، وانقسمت الآراء المؤيدة لتأجيل الحمل في السنة الأولى من الزواج، حيث رأى بعضهن أن من الضروري تأجيل الحمل للتعارف على الطباع مع العشرة والمعاملة الطويلة، وهل يوجد عيوب يمكن تحملها أم أن الحياة ستصبح مستحيلة، ورأت أخريات أن من المهم التمتع بالسنة الأولى من الزواج وقضاء وقت دون مشاكل أو اكتئاب أو اضطرابات نفسية، وقد رفضن النساء ذكر أسماءهن.
• الخلفة نعمة .. لا للتأجيل
لم تؤيد النساء/ الفتيات جميعهن فكرة تأجيل الحمل لأي سبب، بل رأى عدد كبير ممن علقن أو تفاعلن مع السؤال المطروح، بالرفض الشديد والهجوم على من تؤيد تأجيل الإنجاب، واختلفت الأسباب التي ارتكزن عليها في رفضهن للفكرة.
قالت هالة عادل: "يوجد فترة خطوبة لدراسة الشخصية، وفيها فرصة أن يعرف كل طرف الآخر جيدا، لكن الزواج ليس لعبة للتجربة، بل ميثاق غليظ، وأكبر من اختبار سنة أو اتنين قبل الحمل، وإذا نظرنا للموضوع من زاوية أخرى، لو طلب رجل مني تأجيل الإنجاب سوف أتركه؛ لأني لن أشعر بالأمان معه".
وأيدت هاجر حسين نفس الرأي، وقالت: "فترة الخطوبة كفاية إن كل طرف يعرف التاني مناسب ولا لاء، من خلال الخلافات والمشاكل، وقياس الطباع هل هي تحتمل أم صعب التعايش معها"، ووافقن عشرات أخريات على هذا المضمون.
"الأطفال بتدوب المشاكل"، رأي آخر تجمعت حوله النساء أن الإنجاب يعمل على القرب بين الأزواج ويخفف من حدة المشاكل، ويُصعب فكرة الطلاق، وإن الأطفال هم الحل لتغيير شخصية الزوج، خاصة بعد أن يصبح أبًا ويتحمل المسئولية، كما رفضت سيدات الفكرة بناء على معتقداتهن أن وسائل منع الحمل تسبب عقما.
وقالت أسماء حسيب: "الشيء الوحيد الذي تخرج به المرأة المطلقة من الزواج هم الأبناء، فكيف تستغنى عنه، تشعر أنها لم تخسر، بل بالعكس، أصبح لديها أسرة صغيرة ترعاها وتكبر معها وتكون لها أحفاد، في حالة إن الست تستطيع تحمل مسئولية الأبناء بعد فشل الحياة الزوجية".
وتؤيد أخريات فكرة الإنجاب بسرعة بسبب قتل ملل الحياة الزوجية، حيث تقول نيرة أشرف: "الحياة مملة جدا بعد الزواج، ومع مرور الوقت تحدث حالة من الزهق والروتين والفراغ، خاصة إذا لم تكن الزوجة تعمل، وتزداد المشاكل، لذلك يجب الإنجاب سريعا لكسر هذه الحالة".
بينما رغبت بعض الفتيات اللاتي لازلن في مرحلة الخطوبة في التعبير عن آراءهن، وكان منهن كثيرات يعتبرن فكرة تأجيل الإنجاب جيدة، ومنهن من حاولت مناقشة الموضوع مع العريس أو والدتها، لكنها قوبلت بالرفض أو الاستغراب.
وقالت غفران كمال: "الموضوع شخصي بالتأكيد، لكن هذه الفكرة يجب أن يتم رعايتها وتعميمها أكثر بين الناس، لأن الإنجاب يجب أن يحدث عندما يكون الطرفين مستعدين نفسيا ومعنويا وماديا، لكن الزواج أصبح صفقة؛ لذلك يواجه الفشل، فيجب طرح هذا الموضوع والتمسك به خاصة من قبل الأم، لأنها هي من تتحمل العبء كاملا عند الانفصال، وليس للأهل حق التدخل بالقبول أو الرفض".
• الإنجاب غير المرغوب فيه وتأثيراته
تؤثر قضايا الصحة الجنسية والإنجابية على النساء بشكل غير متساوٍ بسبب عدم المساواة بين الجنسين في جميع أنحاء العالم، مما يترك النساء في وضع اجتماعي ضعيف داخل أسرهن، حول قراراتهن بشأن ما إذا كان ينبغي إنجاب الأطفال ومتى وعددهم، مما يؤدي إلى الحمل المبكر وغير المرغوب فيه، وتقييد الفرص التعليمية والاقتصادية.
وعلقت أمل فهمي، مدير مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي، قائلة: "يوجد أكثر من عامل يحارب فكرة تأجيل الإنجاب في مصر، خاصة في السنة الأولى من الزواج، أولهم الإشاعات التي تملأ عقول الناس في المجتمع حول موانع الحمل، ومنها أنها تسبب العقم، مما يجعل السيدات يبتعدن عن استخدامها قبل الحمل الأول خوفا من الأضرار الجسدية، ثاني شيء الحملات الرسمية التي تقوم على تنظيم الأسرة، تغفل أكثر من نقطة في الدعاية الإعلانية والإعلامية حول الموضوع، وهي محاربة هذه الشائعات، بالإضافة إلى التوعية بضرورة الانتظار بعد زواج الفتيات الصغيرات لأن جهازهن التناسلي غير مستعد للحمل".
وبالبحث عن نسب الأطفال غير المرغوب في إنجابهم، وجدنا أن 16% من حالات الإنجاب، كانت غير مرغوب فيها من قبل السيدات أثناء الحمل، وفق المسح السكاني الصحي لعام 2014، وأن هذه النسبة أعلى بقليل عن نسبة السيدات اللاتي أقررن بطفل غير مرغوب فيه، وفق المسح السكاني الصحي لعام 2008.
ويعتبر العمر الذي تبدأ عنده السيدة الإنجاب ذو آثار ديموغرافية هامة على المجتمع ككل وعلى صحة ورفاهية الأم والطفل أيضا، ويساهم تأجيل الطفل الأول في العديد من الدول في خفض الإنجاب بدرجة كبيرة، وأن معدل الإنجاب الكلي في مصر سيقل بمقدار 20% إذا أمكن تجنب المواليد غير المرغوب فيهم، وأن هناك مؤشرات تدل على أن الإنجاب في مصر سينخفض في المستقبل إذا تمكنت السيدات من تحقيق تفضيلاتهم الإنجابية.
كما للوضع تأثيرات عامة سلبية، أيضاً فهو يؤثر على المرأة -الأم- إذا تعرضت للإنجاب دون رغبتها، وعلق وليد هندي، أستاذ الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، على ذلك قائلا، إن الزوجة المصرية تقع تحت ضغوط نفسية قوية، نتيجة للتدخلات الموسعة في حياتها الشخصية، ويأتي على رأس أشكال التدخل التي لها تأثير سلبي نفسي على شخصية الزوجة، هو إصرار الأهل على الإنجاب خاصة في السنة الأولى من الزواج.
وقال هندي: "الزن على الزوج والزوجة لكي ينجبا نتيجة لاعتبار هذا الإنجاب هو شهادة كفاءة للمرأة، حتى وإن كان ذلك على حساب رغبتها وسلامها النفسي، وتكون دوافعها منطقية سواء الدراسة أو التحسن المالي والاستقرار الاقتصادي أو النضج، أو التوافق الزوجي، والإشباع النفسي للزوج قبل تغيرات الحمل الجسدية والنفسية، ويجب أن نحترم هذه الدوافع".