لم يكن جناح الأزهر في معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب، في دورته العشرين، مجرد مساحة للعرض، بل تحوّل إلى منصة حيّة للحوار المجتمعي، ومجال تفاعلي يجمع بين عمق التراث وروح التجديد.
وفي أروقته التي امتلأت بالحركة والنقاش، توافد الزوّار من مختلف الأعمار؛ بين باحث عن فتوى، وطفل يشارك في ورشة حكي، وشاب يجرّب فن الخط العربي لأول مرة. مشاهد يومية أكدت أن الأزهر لم يأتِ فقط ليعرض ماضيه، بل ليشارك الحاضر بأساليب تراعي العصر وتُخاطب الإنسان، بما قدّمه من أنشطة متنوعة جمعت بين الأصالة والتجديد.
وقال حمادة عبد الجواد، المتحدث الرسمي لجناح الأزهر الشريف بمعرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب، في تصريحات خاصة لـ"الشروق"، إن الجناح اختتم فعالياته بعد مشاركة أشاد بها جميع الزائرين، مشيرًا إلى أن الأزهر حرص على تقديم محتوى متنوع جمع بين العلم والدين والثقافة والفن والفلك والتراث، بما يعكس رسالته كمرجعية وسطية راسخة في وجدان الشعب المصري.
وأوضح أن الجناح استقبل خلال 15 يومًا آلاف الزوار من مختلف الأعمار، ونجح في جذبهم من خلال أركانه السبعة، التي شملت: الفتوى، مجلة نور، اللوحات الفنية، بيت الزكاة والصدقات، منفذ بيع الكتب، الخط العربي، ومتحف المخطوطات.
وقال الدكتور موسى محمد، موجه عام منطقة وعظ الإسكندرية وعضو لجنة الفتوى، إن ركن الفتوى من أبرز الأركان التي شهدت تفاعلًا واسعًا من جميع الفئات والأعمار، حيث تم تقديم أكثر من 5000 فتوى خلال هذا المعرض، ما دفعنا إلى زيادة عدد المفتين لتلبية الإقبال المتزايد، لافتًا إلى أن الفتاوى تناولت قضايا الحياة اليومية، مع الحرص على تبسيطها وتقديمها بروح الأزهر المعتدلة.
وأشار معز الشاعر، مسئول ركن منفذ بيع الكتب، إلى أن المنفذ حقق مبيعات غير مسبوقة، حيث نفدت العديد من الإصدارات، وكانت الأسعار تبدأ من 10 جنيهات للكتاب، مضيفًا أن الهدف ليس البيع ولكن نشر الثقافة، وتصدّر كتاب الأخلاق للشيخ الظواهري المبيعات، يليه الطريق إلى الله للإمام عبد الحليم محمود، وتأسيس دولة المواطنة، وشبهات حول صحيح البخاري، والمواقف للإيجي، وهي جميعًا من إصدارات لجنة إحياء التراث بالأزهر.
فيما قالت الدكتورة منال إسماعيل، مديرية رياض الأطفال بمنطقة الأزهر الشريف بالإسكندرية، ومشرفة ركن الطفل بجناح الأزهر، إن الركن كان بمثابة قلب الجناح النابض، لما شهده من ورش حكي، ومسرحيات تفاعلية، ومبادرات تربوية للاطفال.
وأضافت شيماء مصطفى، مشرفة ركن رياض الأطفال، أن الأطفال وأسرهم كانوا يترددون يوميًا على أنشطة مجلة "نور"، التي قدّمت محتوى يجمع بين المتعة والمعرفة، مضيفة أنه تم تنفيذ العديد من المبادرات الخاصة برياض الأطفال، منها روّاد الفضاء، والتكنولوجيا، والبيئة، والنظافة والصحة، إلى جانب العديد من الأنشطة المختلفة يوميًا.
وقال عمر ربيع، مسئول مجلة "نور" الصادرة عن رابطة خريجي الأزهر، ومشرف ركن كتب الطفل بجناح الأزهر الشريف، إن الإقبال كان كبيرًا من جميع الفئات، وكان إصدار الأطفال يسألون الإمام للإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، على رأس مبيعات الجناح، بجانب مجلة "نور"، وإصدار كأني أرى النبي، الذي استعرض السيرة النبوية بلغة وجدانية مؤثرة.
ومن جانبه، قال الدكتور مصطفى سمير، مشرف جناح الأزهر الشريف بمعرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب، إن الجناح استطاع أن يعكس هوية المؤسسة الأزهرية كمرجعية فكرية تجمع بين الأصالة والتجديد، وتخاطب العقول والقلوب على السواء، من خلال فعاليات احترافية ومنظّمة تركت أثرًا طيبًا في نفوس زوّار المعرض.
وأضاف سمير أن ركن الخط العربي شهد إبداع الخطاطين في كتابة أكثر من 6000 بطاقة بأسماء الزائرين بمختلف الخطوط، إلى جانب تنظيم ورش تعليمية أساسية لتعريف الجمهور بجماليات الخط وفنونه، مشددًا على أن القضية الفلسطينية كانت حاضرة بقوة، حيث خُصص ركن فني للوحات تجسّد صمود الشعب الفلسطيني، إلى جانب ندوتين تثقيفيتين، ومبادرات توعوية للأطفال، فنحن في الأزهر نؤمن بأن فلسطين ليست قضية سياسية فقط، بل قضية عقيدة ووجدان.
وأشار إلى أن الجناح احتفى خلال هذه الدورة بالعالم الجليل الشيخ محمد عبد الله دراز، الأديب والفقيه والمفكر الأزهري، وصاحب المؤلف الشهير دستور الأخلاق في القرآن، والذي مثّل الأزهر في العديد من المحافل الدولية، وكان من أبرز الداعمين لقضايا الوطن والأمة.
وأكد سمير أن الأزهر الشريف رسّخ حضوره كمؤسسة جامعة بين الأصالة والتجديد، مؤكدًا رسالته في نشر الوعي، وتعزيز القيم، وتقديم الدين في صورته الوسطية السمحة، في رحاب معرض هو منارة للعلم والثقافة في مدينة الإسكندرية.