صعوبات وتحديات كبيرة تواجه مستقبل اللغة العربية، خاصة في ظل تراجع مكانتها بين اللغات الأخرى، الأمر الذي جعل من اللغة التي يتحدثها أكثر من 290 مليون نسمة من سكان العالم، وما يقارب من المليار والنصف مسلم، تواجه الكثير من الإشكاليات المفروضة أمامها.
وبمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، التقت «الشروق» بمسؤلي مجمع اللغة العربية، وبعض المتخصصين، وأصحاب المبادرات الساعية لإعادة تواجد اللغة العربية في الحياة اليومية.

البداية مع مبادرة «كبسولات لغوية»، لمؤسسها محمود موسى، في عام 2010، فكانت أول مبادرة لدعم اللغة العربية ةعلى موقع التواصل الاجتماعي، ويرى صاحب المبادرة أن عدم الاهتمام باللغة العربية يعود إلى الواقع المفروض حاليًا، وهو عدم حاجة سوق العمل إليها، باستثناء أصحاب التخصصات المعينة مثل «الصحافة، الإعلام، الشعراء، خطباء المساجد، المترجميين».
ويقول موسى، إنه فكر في إطلاق المبادرة بعد ملاحظته أن الشعر الفصيح فقد زعامته، وتواصله مع الناس، بسبب عدم مسايرته للثورة الإعلامية؛ لذا فكر في إعادة ذلك التواصل بين الناس وشعر الفصحى، من خلال كسر الحاجز بين الناس واللغة العربية.
وأكد أن هناك تجاوبا مع ما يقدمه خاصة مع استخدامه أساليبا مبتكرة للوصول إلى أكبر عدد من المتابعين، سواء على صفحته الإلكترونية التي تجاوزت الـ200 ألف متابع حتى الآن، أو على أرض الواقع من خلال الفعاليات والورش، بالإضافة إلى مبادرته «عيادة اللغة العربية»، التي يقدمها من خلال اسكتشات تمثيلية «درامية، كوميدية، تراجيديا»، تتحول فيها القواعد واللغة إلى شخصيات، موضحا أن حرص الناس على حضور عيادة اللغة العربية بساقية الصاوي، ودفع ثمن تذكرتها، مؤشر على نجاح مبادرته.

ومن جهته، يقول الكاتب حسام مصطفى صاحب مبادرة «اكتب صح»، إن نجاح المبادرت الخاصة باللغة العربية، جاء بسبب سعي أصحابها للوصول إلى الجمهور دون انتظاره، مضيفا أن فكرة إنشاء صفحته على موقع «فيسبوك»، جاء بهدف إحياء اللغة العربية، كمحاولة لتبسيطها وإثراء محتواها، وهو الأمر الذي لاقي قبولًا تدريجيًا لدى مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، مرجعا سبب نجاح المبادرة إلى اللغة البسيطة التي يستخدمها والبعيدة عن التعقيد في تقديم المعلومات، وكذلك تنوع الوسائل ما بين «التدوينات، والفيديوهات، والألعاب التعليمية، والاختبارات التفاعلية على الموقع»، معربًا عن سعادته بردود الفعل الإيجابية والتفاعل مع المبادرة، والذي تمثلت في زيادة المشتركين سواء في صفحته أو في الدورات التي يقدمها، لافتا إلى اختلاف الأسئلة المطروحة التي تخطت ما هو سهل وشائع إلى مرحلة أكثر تطورا وعمقا، وكذلك استجابة الصحفيين للتصحيحات التي يقدمها على صفحته من الأخطاء التي تحدث في بعض الأخبار.
وطالب مصطفى، مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني، بضرورة دعم تلك المبادرات، حتى لا تظل عملًا فرديًا يزول بزوال أصحابها، موضحا أنه دائمًا ما يسعى إلى تقديم الورش لكل المؤسسات التي تدعوه، سواء كانت مدفوعة الأجر أو بشكل مجاني؛ للوصل إلى شريحة كبيرة من المجتمع، بالإضافة إلى تقديمه حلا عمليا آخر يُساعد في القضاء على بعض مشكلات النص العربي، التي تواجه الكثيرين عند الكتابة، وهو برنامج «المصحح»، والذي يعيد تصحيح وتنقية النص وضبطه بنسبة تقترب من الـ70%، ومنها: «علامات الترقيم، والعطف، وحذف المسافات الزائدة، والأخطاء الإملائية وغيرها»، ذاكرا أن الموقع لا يعالج سوى 50 ألف كلمة، ولذلك فهو لايزال في طور التجريب، ويحتاج إلى الدعم المادي.

وفي ذات السياق، اعتبر محمود سلام صاحب مبادرة «صحح لغتك»، التي بدأت في 2014، أن مبادرته انطلقت سعيًا لتصحيح الأخطاء الشائعة الموجودة على لافتات المحلات وإعلانات وأغلفة الكتب، والأخطاء المتداولة من بعض الإعلاميين، وهو ما بدأ تنفيذه، بشكل عملي من خلال عدة مبادرات منها «تدوينات الفيسبوك، ونادي الفصحة، ومقاطع على موقع "ساوند كلاود"، والتعاون مع المدرسة العربية للترجمة، ووزارة الشباب»، وكذلك تسجيل أغلب تلك الأخطاء في كتاب بعنوان «الألفية في الأخطاء اللغوية» والذي يرصد فيه 1000 خطأ شائع.

ومن جانبه، قال الدكتور عبد الحميد مدكور، أمين عام مجمع اللغة العربية، إن المجمع يعمل على التواصل الدائم مع الشباب، ويستقبل طلاب المدارس في مقره، كما يقدم العديد من المعاجم التي تصلح للشباب في فئاتهم العمرية المختلفة ومنها: المعجم الوجيز الذي يصلح لطلاب الثانوي، والمعجم الوسيط الذي يصلح للمثقف وغير المتخصص، وهو المعجم الفائز بجائزة الملك فيصل كأفضل معجم، وهناك المعجم الكبير الذي لا غنى عنه للمتخصصين والباحثيين، والذي طُبع منه 12 مجلدا وجاري العمل على إتمامه في وقت قريب، بالإضافة إلى المعاجم الأخرى للمجمع في كل فروع المعرفة «الطب، الهندسة، والحاسبات الحديثة، والاقتصاد، وغيرها» وكذلك العمل على إصدار معجم ناطق بالعربية للأطفال».
كما وجه «مدكور» رسالة إلى شباب المصريين في عيد اللغة العربية، مؤكدا أن اللغة تاريخ وهوية وتراث وحاضر وإبداع ومستقبل ووحدة أمة وعنصر أصالة، وعلى الشباب أن يبذلوا جهدًا للتواصل معها والتعرف عليها، حتى يضمنوا أنهم ينتسبون انتسابًا صحيحًا إليها.

ودافع الناقد الكبير الدكتور صلاح فضل، أستاذ النقد بجامعة عين شمس وعضو مجمع اللغة العربية، عن عمل المجمع، مؤكدا أن جهوده تتوجه بالأساس لتعزيز وتنمية قدرات اللغة العربية وتحديث مصطلحاتها ونشرها على كل المستويات، كما أنه يقوم بعدة مشروعات متزامنة من أهمها إنجاز حلم اللغة العربية في التطوير واستيعاب المستجدات العلمية في كل علوم المعارف، وتيسير التعامل بها عن طريق ما يقارب من 30 لجنة، منها لجنة الإعلام ولجنة اللغة العربية في التعليم، إضافة إلى تعزيز نشر المعاجم المختلفة، كما يتبنى المجمع الآن قانون حماية اللغة العربية، الموجود حاليًا في مجلس النواب، ويحتاج إلى الموافقة عليه.
وشدد فضل، على أن مستقبل اللغة العربية يبدأ من التعليم ويحتاج إلى مناهج تختلف عن ما هو موجود حاليا، وكذلك تدريب القائمين على العملية التعليمة بالأساليب العلمية والتربوية الحديثة، أو الابتعاد عن الأساليب التي يعلمونها للطلاب، فيصدرون لهم الجزء الكريه من اللغة الخاص بالقواعد، وبالتالي ينفر الطلاب من اللغة، مؤكدا أن المجمع يجيب عن جميع الأسئلة التي يتلقاها، ويقدم الدعم العلمي والمشورة العلمية والتقنية لكل من يحتاجها من خلال إدارة الإعلام بالمجمع.
