نبيل فهمى يكتب: أوكرانيا وإيران بين الصدام والمهادنة - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 1:52 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نبيل فهمى يكتب: أوكرانيا وإيران بين الصدام والمهادنة

نبيل فهمي، وزير الخارجية الأسبق
نبيل فهمي، وزير الخارجية الأسبق

نشر في: الإثنين 24 يناير 2022 - 9:35 م | آخر تحديث: الإثنين 24 يناير 2022 - 9:36 م

اختلفت كثيرا مع أصدقاء فى العالم الصناعى المتقدم فى الكتلة الغربية أو الشرقية سابقا حول مقولة إن العالم يمر بمرحلة أمن واستقرار لمجرد أن الدول الكبرى ليست فى صدام مباشر مع بعضها بعضا بعد انتهاء الحرب الباردة.
ورفضت هذه الخلاصة شكلا ومضمونا لأن هذه الرؤية كانت وما زالت تعكس أن المنظور والأولوية الدولية لتلك الدول هى ما يخدم مصالح دولهم فحسب، وأن بقية دول العالم ليست إلا عنصرا مكملا للمعادلة، ولإعطاء شرعية لنظام دولى وضع بعد الحرب العالمية الثانية، وما يؤكد ذلك يتمسكون به ويرفضون تعديله ليتماشى مع الأوضاع الدولية، كان ذلك فى توسيع عضوية مجلس الأمن، والإصرار على حقوق تمييز غير مشروعة وخاطئة، والاحتفاظ بقدرات نووية عسكرية دون غيرهم، باعتبارهم وحدهم الدول المسئولة والحكيمة التى تستطيع التعامل مع الأسلحة النووية، بل وتدفع باستهتار بأن مخاطر الفناء النووى خلق مزيدا من الأمن والأمان للجميع، وهى توجهات تقترب من العنصرية والخرافات السياسية.
ففلسفتهم النووية المؤسفة والمخجلة تضع العالم كله فى خطر، فضلا عن أن نصف القرن الماضى شهد استخدام القوى الكبرى للقوة خارج حدودها مرارا وتكرارا، وأن هناك تزايدا كبيرا فى النزاعات الإقليمية ودون الإقليمية، بما يفند كلية أن الأمن والاستقرار الدولى على ما يرام.
وكما ذكرت مرارا هناك إعادة هيكلة للتوازن الدولى والخريطة السياسية على المستويين الدولى والإقليمى، فبين الدول الكبرى نجد الولايات المتحدة ساعية إلى تأكيد ريادتها السياسية، بخاصة على حساب منافستها السابقة روسيا، مع قلق متنام من الصعود الصينى، وتتزامن هذه الرغبة بتراجع وانكماش فى استعداد الولايات المتحدة استخدام القوة العسكرية والسياسية، بعد أحداث العراق وأفغانستان، مع طموح من دون عزيمة.
فى المقابل هناك اهتمام روسى بخاصة من الرئيس بوتين بوضع حد للجنوح الغربى شرق أوروبا، خصوصا بين دول الشمال وأوكرانيا وبولندا، بغية استغلال الإرهاق الأمريكى لتحقيق بعض الإنجازات وتوسيع دائرة النفوذ ووضع خطوط حمراء لا يتم تجاوزها، فشهدنا تصعيدا عسكريا روسيا فى أوكرانيا وتوترات سياسية أفرزت اتصالات رئاسية بين البلدين واجتماعات بين وفودهم فى جنيف.
وكل ذلك يعكس اهتمام الجانبين بإثبات شخصيته السياسية مع حذر شديد ورغبة أكبر فى تجنب أى خطوات تؤدى إلى صدام عسكرى واسع، وإن كان ليس مستبعدا أن نشهد بعض المناوشات المحدودة.
وينطبق الشىء ذاته فى ما يتعلق بالمنافسات الأمريكية الصينية، تصعيد سياسى وخطابى عن الأوضاع الدولية، فى حين أن ساحة المواجهة العسكرية على المدى القصير لن تخرج عن منطقة محدودة فى الجوار الآسيوى للصين.
هذا ونجد نفس الاعتبارات والحسابات فى ما يتعلق بإعادة إحياء الاتفاق النووى بين الدول دائمة العضوية فى مجلس الأمن الخمس، وألمانيا مع إيران، وتبذل الإدارة الأمريكية قصارى جهدها لعدم انفلات الأمور إلى صدام عسكرى فى ضوء المزاج المجتمعى الأمريكى غير المرحب بذلك، وما يعقد الأمور أن حليفها الرئيس إسرائيل تصعّد فى اتجاه الضغط العسكرى من قبل أمريكا، والإدارة الإيرانية الجديدة بعد الانتخابات الأخيرة هى أيضا فى مرحلة إثبات الذات، وتجنب الظهور بالضعف، ومن ثم فكل من أمريكا وإيران تفضلان تجنب الصدام العسكرى المباشر والعمليات المحدودة ضد حلفاء الطرف الآخر، وهما غير قادرتين على تقديم تنازلات جوهرية تسمح باستقرار الأمور.
تذكرنى الأوضاع الحالية حول أوكرانيا وإيران بعض الشىء بمفهوم «لا سلم ولا حرب» الذى ساد فى الشرق الأوسط فى القرن الماضى لسنوات طويلة، مع استمرار نزاع ممتد، مناوشات عسكرية محدودة بين الحين والآخر وحراك دبلوماسى لضبط الأمور وليس لحلها، وعدم استقرار الأوضاع الدولية والإقليمية وبلورة الأطراف لقواعد ثابتة وطموحات واضحة لدورهما الدولى والإقليمى يجعل من الصعب تصور الوصول إلى اتفاقات جوهرية لموازنة جديدة بين روسيا والعالم الغربى، أو مع إيران فى الشرق الأوسط بكل تفاعلاتها وحساباتها، وهى حلول تحتاج إلى تفاهم استراتيجى تفصيلى عن الوضعين الدولى والإقليمى، احتياج لا تسمح الظروف السياسية غير المستقرة بتحقيقه من الأطراف، بخاصة أن الظروف الداخلية لهم جميعا تمر بمرحلة تطور مستمر.
ويجب عدم استبعاد العمل العسكرى المحدود فى أوكرانيا وإيران، فمرحلة إثبات الذات محملة دائما بحسابات وتقديرات متغيرة وغير مستقرة، تجعل التصعيد غير المحسوب احتمالا قائما.
مع هذا، لا أرى أن أيا من الأطراف الرئيسة يحبذ العمل العسكرى، كما أجدها غير قادرة على اتخاذ مواقف سياسية استراتيجية، كان ذلك أمريكيا مع اقتراب الانتخابات البرلمانية أو فى روسيا وإيران الباحثتين عن نقطة الارتكاز السياسية.
وعليه لا يرجح الصدام العسكرى، ولا أتوقع نجاح المفاوضات بين الأطراف الرئيسة للتوصل إلى حلول شاملة لاعتبارات داخلية وإقليمية ودولية، وأعتقد أننا على وشك الانتقال إلى مرحلة الاتفاقات المرحلية المؤقتة بغية بناء الثقة أو ترتيبات إدارة الأزمات وتثبيت المواقف، تاركين الحلول الجذرية إلى ظروف أخرى، وهو ما تعكسه التصريحات الحذرة للمفاوضين حول أوكرانيا، وما يتردد عن اتفاق مرحلى فى ضوء المفاوضات الأمريكية ــ الإيرانية المستجدة فى عمان، على غرار ما تم أثناء إدارة أوباما بين مسئولين ايرانيين وبل برنز الذى أصبح الآن مديرا لوكالة الاستخبارات الأمريكية.
نقلا عن إندبندنت عربية



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك