نساء من عصر النبوة (2).. أم أيمن الحبشية التي عدها الرسول من بقية أهل بيته - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 2:42 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نساء من عصر النبوة (2).. أم أيمن الحبشية التي عدها الرسول من بقية أهل بيته

منال الوراقي
نشر في: الجمعة 24 مارس 2023 - 2:07 م | آخر تحديث: الجمعة 24 مارس 2023 - 3:22 م

تعد سير الصالحات تربية عملية للنفوس، وغَرْس للفضائل، وتدريب على التجمل بالآداب الإنسانية في ميادين الخُلُق والرضا وطاعة الله؛ ذلك لأن التربية بالاقتداء من خير الأساليب التربوية؛ لصقل الطباع، وتهذيب المشاعر، والسير قدماً على طريق التقوى والاستقامة.

وفي عصر الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- برزت قصص عشرات النساء في حياة نبي الأمة، ممن كان لهن أثر عظيم في عصرهن والعصور التي تلته، أفرد لهن المؤلف والمترجم السوري أحمد خليل جمعة كتاب "نساء في عصر النبوة" الصادر عن دار نشر ابن كثير، ليركز على دورهن وما جرى لهن من أحداث ترتبط بالدعوة الإسلامية وبالرسول.

أم أيمن الحبشية رضي الله عنها.. قال عنها رسول الله ﷺ: هذه بقية أهل بيتي، وقال عنها: "أم أيمن أمي بعد أمي"، وقال عنها أيضا: "من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن".

كانت أم أيمن الحبشية امرأة تميزت بالعاطفة الحيّة، والحنان الصادق الذي بلغ الذروة، فبلغت أعلى مراتب الإيمان، وحظيت بالتكريم من الرسول.

فأم أيمن الحبشية هي مولاة رسول الله، وحاضنته، واسمها بركة بنت ثعلبة بن عمر وورثها النبي من أبيه مع خمسة جمال وغنم، وأعتقها عندما تزوج بخديجة أم المؤمنين رضي الله عنها.

"هذه بقية أهل بيتي"

من أوائل المواقف الوضيئة لأم أيمن، موقفها الرائع يوم أن ماتت آمنة بنت وهبة أم النبي فقد توفيت آمنة بقرية الأبواء، الواقعة بين مكة والمدينة، وهي عائدة مِنْ زيارة أخواله بني النَّجار بالمدينة المنورة؛ وكانت أم أيمن بصحبتها في هذه الزيارة، وفي تلك اللحظات الحرجة الأليمة، ظهرت أم أيمن بعطفها وبرها برسول الله الذي كان طفلاً في السَّادسة، وعادت به إلى مكة وحيداً يتيماً حزيناً على فراق أمه آمنة.

وفي سجل المودة الإنسانية الناصع، برزت أم أيمن لتسجل أروع الأعمال في حضانة النبي، وعنايتها الفائقة به، حتى كان جده عبد المطلب يوصيها به ويرشدها إلى الاهتمام به ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، وألا تغفل عنه طرفة عين فكانت كذلك.

وقد نشأ رسول الله وهو يرى أم أيمن تحفه بجناحيها وتكرمه وتبر به، ولهذا كان يقول لها: يا أمي، وإذا نظر إليها قال: "هذه بقية أهل بيتي" وكان قد أحلَّها منزلةٌ كمنزلة أهل بيته عندما قال لها مرة: "غطّي قناعَك يا أم أيمن".

أم أيمن وزيد بن حارثة

وعندما تزوج النبي خديجة أعتق مولاته أم أيمن، فتزوجها عبيد بن زيد الخزرجي فولدت له أيمن بن عبيد، ثم تزوجها زيد بن حارثة أثناء بعث النبي، فولدت له أسامة بن زيد حبيب رسول الله ﷺ.

وفي هذه الأثناء كان رسول الله يزورها في بيتها، ويذكر فضلها ويقول: "أم أيمن أُمّي بعد أُمّي"، ولما قام النبى يدعو إلى الله عزّ وجلَّ، وإلى الإسلام، كانت أم أيمن من السابقات إلى التصديق به، فقد ذكر صاحبُ السِّيرة الحلبية نقلاً عن ابن كثير قوله: "الظَّاهِرُ أَنّ أهل بيته وآمنوا قبل كل أحد، خديجة، وزيد وزوجة زيد أم أيمن، وعلي رضي الله تعالى عنهم".

كانت أم أيمن سابقة في الإسلام على مَنْ سواها من نساء الصحابة، لما عهدته من الإشراقات النبوية قبل المبعث، فقد قال عنها ابن الأثير: أسلمت قديماً أول الإسلام وكغيرها من أوائل المؤمنين والمؤمنات لاقت العذابَ والأذى من قريش بسبب إسلامها، فهاجرتِ الهجرتين؛ إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وبايعت رسول الله ﷺ وأخذت أعمالها تزداد في التألق في مختلف المجالات الخيّرة، وخصوصاً في مجال الجهاد والصبر والجود.

أم أيمن المجاهدة المثابرة

كان لأم أيمن رضي الله عنها دورا في الجهاد، فقد حضرت غزوة أحد، وقامت بسقاية المجاهدين، ومداواة جراحهم، ولما انهزم بعض المسلمين يوم أحد لقيتهم، وجعلت تحثو التراب في وجوههم، وتقول لبعضهم: هاك المغزل فاغزل به، وهلم سيفك.

وشهدت أم أيمن كذلك غزوة خيبر مع نساء الصحابة، وقد أعطاهن النبي ﷺ عطاء يسيراً من الغنائم، ويوم حنين؛ كانت في ركب المجاهدين مع ولديها أيمن وأسامة رضي الله عنهما، وكان وَلَداها مِنَ المئة الصَّابرة التي ثبتت حول النبي ﷺ يومئذ، وسقط أيمن شهيداً، ولم يزدْهَا استشهاده إلا إيماناً وتسليماً.

وفي مجال الصبر والتسليم لقضاء الله عزَّ وجلَّ، كانت أم أيمن ممَّنْ ضربن أروع الأمثلة في ذلك، ففي سَريَةً مؤتة؛ كان زوجها زيد بن حارثة أميراً على الجيش الغازي في سبيل الله، وكان أول الشُّهداء، وتلقت نبأ استشهاده بنفس راضية صابرة، واحتسبته عند الكريم المتعال.

مكانتها ومزاح النبي معها

كان لأم أيمن رضي الله عنها مكانة عظيمة وقدر كبير عند النبي ﷺ، فكان يقول فيها: مَنْ سرّه أن يتزوج امرأة مِنْ أهل الجنَّةِ فليتزوج أم أيمن، فتزوجها زيد بن حارثة رضي الله عنهما.

وظل رسول الله يناديها يا أمي كلما رآها أو تحدث إليها، وكان يصغي إليها، ويعطفُ عليها ويأنس بها ويمازحها؛ فقد سمعها في يوم حنين تدعو الله عزَّ وجلَّ بلكنتها الأعجمية: "سبتَ الله أقدامكم"، فلم تنسه الغزوة القائمة أن يُصغي إليها ويداعبها بين صهيل الخيول وصليل السيوف، وأقبل عليها يقول: اسكتي يا أم أيمن فإنَّك عسراء اللسان.

ويبدو أن اللكنة الأعجمية عند أم أيمن قد تحكمت في لسانها، وأعاقتها عن النُّطق الصحيح، من ذلك ما رواه أبو جعفر الباقر قال: كانت أم أيمن إذا دخلت على النبي ﷺ قالت: سلام لا عليكم - بدلاً من سلام الله عليكم - فرخص لها الرسول أن تقول: السَّلام.

وفاة رسول الله ورثاء أم أيمن

لما توفي رسول الله، وقفت أم أيمن والحزن يملأ قلبها، والدموع تفيض من عينيها، فجاشت عاطفتها البريئة، ورثته بقصيدة جميلة منها: عين جودي فإنَّ بذلك للدمع شفاء فأكثري من البكاء.. حين قالوا الرسول أمسى فقيداً ميتا كان ذاك كل البلاء.. وابكيا خير من رزئناه في الدنيا ومن خصه بوحي السماء.

ومما يدل على علمها وفضلها وعقلها الوافر ما أخرجه مسلم بسنده عن أنس رضي الله عنه قال: قال أبو بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله ﷺ لعمر: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله يزورها، فلما انتهينا إليها بكت. فقال لها: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله. فقالت: ما أبكي ألا أكون أعلم أنَّ ما عند الله خير لرسوله، ولكن أبكي أنَّ الوحي قد انقطع منَ السَّماء، فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها.

وظلت أم أيمن تحظى بالمكانة الكبيرة في حياتها، وبعد موتها، وكذلك أحفادها الذين يُنسبون إلى ولاء رسول الله فكان يقول لهم: بنو الحب.

راوية عن الرسول

وكان لأم أيمن بعد رحيل الرسول فضيلة باهرة، وهي رِوَايَةُ الحديث؛ فقد روت عن النبي خمسة أحاديث، وروى عنها أنس بن مالك، وحنش بن عبد الله الصَّنْعاني، وأبو يزيد المدني، وتُوفيت أم أيمن بعد النبي بخمسة أشهر.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك