** لليوم الرابع على التوالي يدخل وديع أبو السعود من شمالي القطاع إضرابا مفتوحا عن الطعام
** أبو السعود للأناضول:
- قررت الإضراب بعد أن سقطت أمامي سيدة وتوفيت جوعا
- والدتي ستينية ومصابة بأمراض متعددة وأعجز مقهورا عن توفير الطعام لها
- عشت باعتباري صحفيا مرارة الحرب والمجاعة ودُمر منزلي ونزحت بشكل متكرر
- أوجه رسالتي لتحريك الضمائر الحية بالعالم إزاء ما يتعرض له قطاع غزة
دفعت مأساة الفلسطينيين الذين يتساقطون جوعا في قطاع غزة، الصحفي وديع أبو السعود إلى خوض إضراب مفتوح عن الطعام، في محاولة منه لإيصال صرخة إنسانية جديدة إلى عالم "أبكم وأصم" إزاء حرب إبادة جماعية ترتكبها إسرائيل منذ 22 شهرا وتزامنت مع سياسة تجويع وتعطيش ممنهجة.
ورغم شح الطعام الذي يحصل عليه أبو السعود، مراسل "قناة اليمن" في شمال القطاع، جراء المجاعة التي تفاقمت مؤشراتها بشكل حاد منذ إغلاق إسرائيل للمعابر في 2 مارس الماضي، إلا أنه اختار الامتناع عن تناوله، بينما يموت الأطفال والنساء بحثا عن لقمة واحدة تبقيهم على قيد الحياة.
ويواصل أبو السعود، عمله بالتزامن مع إضرابه عن الطعام لليوم الرابع على التوالي الخميس، رغم حالة الإجهاد العامة التي أصيب بها كبقية الفلسطينيين بسبب مرور أشهر عديدة على عدم توفر طعام غني بالمواد الغذائية أو الفيتامينات، حيث تعتمد الغالبية العظمى على "المعلبات" التي تحتوي على مواد حافظة تضر صحة الجسم.
وخلال الأيام الأربعة، اعتمد أبو السعود الذي بدت عليه علامات الهزال، بشكل كامل على المياه المخلوطة بالملح للمحافظة على الوظائف الحيوية لأعضاء الجسد وتوازن السوائل فيه.
ويقول للأناضول بصوت واهن: "لا أستطيع أن آكل وأنا أرى أطفال ونساء يموتون كل يوم من الجوع والاستهداف (الإسرائيلي)".
ويحاول أبو السعود أن يحرك بأمعائه الخاوية "ضمائر العالم" التي صمتت عن إبادة جماعية تُرتكب بحق الفلسطينيين منذ نحو 22 شهرا وسياسة تجويع وتعطيش.
ويصف الواقع الإنساني في قطاع غزة بالصعب للغاية، قائلا: "لن تتخيلوه حتى في أسوأ كوابيسكم".
وتفاقمت أزمة المجاعة في غزة جراء الحصار الإسرائيلي الخانق، بارتفاع حصيلة وفيات الجوع وسوء التغذية منذ أكتوبر 2023 إلى 101 بينهم 80 طفلا، بعد وفاة 15 فلسطينيا بينهم 4 أطفال خلال 24 ساعة، وفق وزارة الصحة بغزة الثلاثاء.
** مرارة الحرب
أبو السعود، الذي لم ينقطع عن تغطية جرائم الإبادة الجماعية من يومها الأول، يقول إنه عاش مرارة هذه الحرب وكافة تفاصيلها إضافة إلى مهمة إيصال الصورة الحقيقية لما يحدث بغزة إلى العالم.
ويوضح أنه من الصحفيين القلائل الذين بقوا في مدينة غزة وشمالها خلال النزوح الأكبر بداية أكتوبر 2023، حينما هجرت إسرائيل قسرا غالبية الفلسطينيين إلى وسط وجنوبي القطاع.
ويتابع: "حملنا -آنذاك- على عاتقنا إيصال الصورة والرسالة للعالم، في ظل سياسة تكميم أفواه الإعلاميين وطمس إسرائيل للرواية الفلسطينية، ليرى العالم عنجهية وبطش الاحتلال والمجازر التي يرتكبها".
وذكر أبو السعود أنه أب لأربعة أطفال، وعاش المجاعة الأولى التي بدأت مؤشراتها في نوفمبر 2023 جراء منع إسرائيل دخول شاحنات مساعدات إلى شمالي القطاع، وتراجعت في أبريل 2024.
وعاودت أزمة المجاعة بالظهور بشكل تدريجي في كافة أنحاء قطاع غزة مع سيطرة إسرائيل على معبر رفح وتدميره في مايو 2024، بينما تصاعدت مؤشراتها بشكل ملحوظ مع إغلاق تل أبيب لكافة معابر القطاع أمام المساعدات الإنسانية في مارس الماضي.
إلى جانب ذلك، أفاد أبو السعود بأن منزله تعرض أيضا للتدمير الإسرائيلي حيث فقد فيه أحد أفراد عائلته.
وأضاف أنه عاش أيضا مرارة النزوح المتكرر من عدة مناطق في شمال غزة جراء أوامر الإخلاء الإسرائيلية.
** بداية الإضراب
وخلال تغطيته المتواصلة للجرائم الإسرائيلية، مر أبو السعود بمشهد "مأساوي" لسيدة سقطت أرضا أمام عينيه وتوفيت بسبب المجاعة.
هذا المشهد شكل دافعا له كي يخوض إضرابه المفتوح عن الطعام تحت شعار "حراك الأمعاء الخاوية والكرامة".
وأوضح أنه وبشكل يومي بات يشاهد أطفالا ونساء حوامل وكبارا في السن يموتون بسبب المجاعة.
وعن هذه المشاهد، قال أبو السعود: "أتحدث عن واقع إنساني صعب، لن تتخيلوه حتى في أسوأ كوابيسكم".
** مياه وملح
وقال أبو السعود، إن الصحفي بغزة "جزء من الشعب ويشعر بهمومهم، وهو إنسان قبل أن يكون صحفيا".
وتابع: "لا أستطيع أن آكل وأنا أرى أطفال يموتون كل يوم جوعا، ومن الصعب أن آكل وأنا أرى أيضا سيدة بعمر والدتي تموت من الجوع أو الاستهداف".
وأشار إلى أن هذه المشاهد دفعته قسرا لـ"الإضراب عن الطعام"، حتى يأكل كل أطفال غزة ونسائها.
ولفت إلى أنه أمضى ثالث أيام الإضراب المفتوح عن الطعام (أمس الأربعاء) معتمدا فقط على المياه والملح.
** تحريك العالم
"من خلال أمعائي الخاوية"، قال أبو السعود إنه يحاول إيصال صوته لضمائر العالم "كي تستيقظ بعد تغييب دام أكثر من 21 شهرا على بدء حرب الإبادة والتطهير العرقي والتجويع" بحق الفلسطينيين.
وتساءل مستغربا: "كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يصمت إزاء المشاهد التي يراها في غزة كل يوم؟".
ومستنكرا تساءل: "كيف يستخدم الاحتلال الإسرائيلي سياسة التجويع ضد أكثر من 2 مليون إنسان بغزة؟ .. نحن نجوع".
وأشار إلى أن هذا الوضع الصعب حتّم عليه التحرك من أجل إيصال صوته وتحريك ضمائر العالم.
لكنه يشعر بالإحباط إزاء ردود فعل العالم مع استمرار الإبادة للشهر 22، قائلا: "وصلني شعور أننا نخاطب أصناما".
** عجز وقهر
أبو السعود يعيش المجاعة شأنه شأن بقية صحفيي قطاع غزة وفلسطينييه، بينما يروي جسده النحيل مرارتها.
وعن ذلك، قال إن والدته هاتفته -الاثنين- وطلبت منه أن يحاول لتوفير نصف كيلو من العدس أو رغيفا واحدا من الخبز يسد رمقها.
وأضاف: "والدتي في 68 في عمرها، ومصابة بأمراض السكري والضغط والقلب، ولو انقطعت عن الطعام تموت".
وتابع بصوت مختنق قال إنه يرى والدته تموت "أمام عينيه وهو عاجز" عن إنقاذها.
ووصف أبو السعود ذلك بـ"قهر الرجال"، قائلا: "أنا أعيش شعور قهر الرجال، العالم أبكم وأصم (عن المعاناة)".
واستهجن أن صحفيي قطاع غزة يخاطبون منذ 22 شهرا "الضمائر الحية في العالم، والشعوب، لكن لا أحد ينظر إليهم".
** صرخة أخيرة
قال أبو السعود إنهم صرخوا للعالم بأكمله من أجل إنقاذ قطاع غزة، مضيفا: "ما ذنب أطفال غزة كي يموتوا؟ ماذا فعلوا؟".
وعن إضرابه عن الطعام، قال إنه يعفيه من "شعور خذلان" أبناء شعبه، فبينما هم يُجوّعون، قد تُتاح له فرصة الأكل ولو كانت وجبة واحدة في اليوم.
واستكمل: "من الممكن أن يصل صوتي وقد لا يصل، لكن لو مُتّ سأقابل الله بضمير مرتاح أنني لم أتخاذل".
وجدد رسالته للعالم أن الفلسطينيين بأمعائهم الخاوية "أصحاب قضية عادلة"، مؤكدا أن صحفيي غزة "لا خيار أمامهم إلا محاولة إيقاظ الضمائر الحية حول العالم وتوصيل الصوت لهم".
وشدد على أنه لن يكسر إضرابه المفتوح عن الطعام "حتى يأكل أصغر طفل في قطاع غزة".
وطالب في ختام حديثه بـ"الحقوق المشروعة للإنسان بإدخال الطعام خاصة للأطفال والنساء المجوعين والمعطشين".
وتواصل إسرائيل بدعم أمريكي منذ 7 أكتوبر 2023، حرب إبادة جماعية بغزة، خلفت أكثر من 202 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.