ننشر قصة العصفور والإنسان لتوفيق الحكيم رسوم وإخراج الفنان حلمى التونى - بوابة الشروق
الثلاثاء 21 مايو 2024 5:10 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ننشر قصة العصفور والإنسان لتوفيق الحكيم رسوم وإخراج الفنان حلمى التونى

قصة العصفور والإنسان
قصة العصفور والإنسان
سامح سامي
نشر في: السبت 25 يوليه 2020 - 5:17 ص | آخر تحديث: السبت 25 يوليه 2020 - 5:17 ص

ــ كيف ضحك عصفور على إنسان طماع وأوهمه أن بطنه تحمل جوهرة كبيرة؟

أطفالى الصغار!.. أحبُ أن أحكىَ لكم حكاية، أرجو أن تُعجبَـكم، فاستمِعوا لها: إنها عن مخلوقاتٍ صغيرةٍ تحبونها كلُكُم. وهى أمامَكُم فى كلِ لحظةٍ طولَ النهار: إنها العصافير. هذه العصافيرُ الموجودةُ فى كلِ مكانٍ فى الدنيا. وكلها تُزَقْزِقُ فى وقتٍ واحدٍ إذا طلعَ الصُبح. وتخرجُ من أعشاشِها فى لحظةٍ واحدةٍ كأنها سمعتْ كلُها جرسا خفيا من داخلِ نفسِها يُصَحِيها منَ النوم، فتنهضُ نشيطة لتعملَ وتكدَ وتجتهدَ وهى تُغنى بزقزقتها اللطيفة.. فلا يوجدُ بينَها كسلانٌ متخلِفٌ فى عُشِه؛ فهى لا تعرفُ الكسلَ، ولكنها تعرفُ العملَ وتحبُ النشاطَ مع الزقزقةِ والغناءِ..ولذلكَ قالَ عصفورٌ صغيرٌ لأبيه ذاتَ يومٍ:
ــ قُلْ لى يا أبَتِ: مَن خيرُ المخلوقاتِ فى الدنيا؟ ألسنا نحنُ العصافيرَ خيرَ المخلوقات؟
فهزَ العصفورُ الكبيرُ رأسَه وقال لابنِهِ العصفورِ الصغير:
ــ ليس من حقِنا أن نقولَ إننا نحنُ العصافيرَ أحسنُ المخلوقاتِ.
فقال العصفورُ الصغير:
ــ ولماذا ليسَ من حقِنا أنْ نقولَ ذلك؟
فقال العصفورُ الكبير:
ــ لأنه يوجدُ غيرُنا مَن يقولُ إنه أحسنُ المخلوقات.
فسأل العصفورُ الصغير:
ــ ومَن هو يا أبى الذى يقولُ عن نفسِهِ إنه أحسنُ المخلوقات؟
فقال العصفورُ الكبير:
ــ إنه الإنسان.
فقال الصغير:
ــ ومَن هو الإنسان؟
فأجاب الأب:
ــ الإنسان.. ألا تعرفُ الإنسانَ يا بُنَىَ؟ إنه ذلكَ الذى يَرمى عُشَنا بالحجارة..
فقال الابن:
ــ نعم.. نعم عرفْتُه.. ورأيتُهُ وهو يَرمى عُشَنا بالحجـارة.. أهوَ أحسـنُ مِنا؟ أهوَ أسعدُ منا؟
فقال الأب:
ــ ربما كانَ أحسنَ منَا.. ولكنه ليسَ أسعدَ منا.
فسأل الابن:
ــ ولماذا ليس أسعدَ منَا؟
فأجاب الأب:
ــ لأنَ فى جَوْفِهِ شوكة تشكُه وتعذِبه.
فقال الصغير:
ــ شوكة؟ فى جوفِه؟ مسكين!.. ومَن الذى وضعَ فى جوفِهِ هذه الشوكة؟.
فقال العصفورُ الكبير:
ــ هو نفسُه الذى وضعها.. وضعها بيدِهِ.
فتعجبَ الصغيرُ وقال:
ــ هو نفسُه الذى وضعها بيدِهِ فى جوفِه؟!
فقال الكبير:
ــ نعم. وضعَ الشوكةَ فى جوفِهِ وصارتْ تشكُه دائما وتُعذِبه.
أتعرفُ يا بُنَىَ هذه الشوكة؟.
فقال الصغير :
ــ لا. لا أعرف.
فقال الأب:
ــ إن هذهِ الشوكةَ اسمُها: الطمع.
فسأل العصفورُ الصغير:
ــ الطمع؟.. وما هو الطمع؟.
فأجابَ الكبير:
ــ هذا شىْءٌ لا تعرفُه أنتَ أيها الصغير.
فقال الصغير:
ــ وهل تعرفُه أنتَ يا أبى؟.
فقال العصفورُ الكبير:
ــ نعم. لأنِى عرفتُ الإنسانَ ورأيتُ شوكةَ الطمعِ فيه.
وسكتَ العصفورُ الكبيرُ المجرِبُ لحظة، ونظرَ إلى ابنِهِ الصغيرِ فوَجَدَهُ يسمعُ كلامَه
ولا يفهمُه، لأنه لمْ يَرَ بعينِهِ ما يقولُهُ أبوه. فقال له أبوه:
ــ نعم. لا بُدَ أنْ تشاهدَ بعينِك. ألاَ تريدُ أنْ ترى بعينِك؟
فقال الابن:
ــ نعم يا أبى.. أريدُ أنْ أرى بعينى.
فقال الأب:
ــ سَتَرَى.. إذا رأيتَ إنسانا يقتربُ فأخبرْنى، وأنا أريكَ فيه شوكةَ الطمع.
ولم يمضِ وقتٌ قليلٌ حتى ظهرَ رجلٌ، فلما رآهُ العصفورُ الصغيرُ صرخ يُنَـبِهُ الأب:
ــ ها هوَ يقترب..
فقالَ له الأب:
ــ اسمعْ يا بُنَىَ.. سأوقع نفسى فى يدِه.. وعليكَ أنْ تراقبَ ما يحدث.
فخاف الصغيرُ وقال:
ــ تقعُ فى يدِه يا أبى؟! وإذا حدثَ لك ضَرَر؟
فقال له الأب:
ــ لا تَخَفْ.. اطْمَئِن.. إنِى أعرفُ طَبْعَ الإنسانِ، وأعرفُ كيفَ أفلتُ من يدِه.
وتركَ العصفورُ الكبيرُ ابنَهُ الصغيرَ فوقَ الشجرةِ، ونزلَ هو حتى وقعَ على الأرضِ قُرْبَ الرجلِ، فصادَهُ الرجلُ وفَرِحَ به، وقبضَ عليهِ بأصابعه.
فقالَ له العصفورُ وهو فى يدِه:
ــ ماذا تريدُ أنْ تصنعَ بى؟
فقال الرجل:
ــ أذبحُكَ وآكُلُ لحمَك.
فقال العصفور:
ــ وهل لحمى يُشْبِعُك؟.. إنَ لحمى قليل.
فقال الرجل:
ــ قليلٌ ولكنه لذيذ!.
فقال له العصفورُ بـمَـكْر:
ــ أنا أستطيعُ أنْ أعطيَك ما هو أنفعُ لكَ من لحمى وأكْلى.
فقال الرجل:
ــ ماذا تعطينى؟
فقال العصفور:
ــ أعطيكَ ثلاثَ حِكَم.. إذا تعلَمتَها نِلْتَ بها خيرا كثيرا.
فقال الرجلُ متعجِـبا:
ــ خيرا كثيرا مِن ثَلاثِ حِكَم؟!
فقال له العصفورُ مؤكِدا:
ــ نعم.. نعم.
فقال الرجلُ فى الحال:
ــ اذْكُرْها لى.. هذه الحكمَ الثلاثَ.
فقال العصفورُ بغايةِ الـمَـكْر:
ــ لى شُرُوط.
فقال الرجل:
ــ ما هىَ هذهِ الشروط؟
فقال العصفور:
ــ الحكمةُ الأولى أعَلِمُكَ إياها وأنا فى يدِك.
فقال الرجل:
ــ شرطٌ بسيطٌ.. والحكمةُ الثانية؟
فقال العصفور:
ــ الحكمةُ الثانيةُ أعلِمُك إياها إذا أطلقْـتَنى.
فقال الرجل:
ــ والحكمةُ الثالثة؟
فقال العصفور:
ــ الحكمةُ الثالثةُ أعلِمُك إياها عندما أطيرُ وأصِيرُ فوقَ الشجرة.
فطمعَ الرجلُ فى الخيرِ الكثيرِ الذى ينالهُ إذا عرفَ الحِكَمَ الثلاث،
فأسرعَ يقولُ للعصفور:
ــ قبلتُ الشروطَ.. هات الحكمةَ الأولى!.
فقال له العصفور:
ــ الحكمةُ الأولى هى: لا تَتَحَسَـرْ على ما فاتك!..
فقال الرجل:
ــ والثانية؟
فقال العصفور:
ــ أطْلِقْنى أولا.. حَسَبَ الشُـروط.
فأطلقَ الرجلُ من يدِهِ العصفورَ.. ووقفَ العصفورُ على الأرضِ بقُرْبِهِ قائلا:
ــ الحكمةُ الثانيةُ هىَ: لا تصدِقْ ما لا يمكنُ أنْ يكون.
ثم طارَ العصفورُ إلى أعلَى الشجرة وهوَ يصيح:
ــ أيُها الإنسانُ المغفَل.. لو كنتَ ذبحْتَنى لأخرجتَ من بطنى جوهرة كبيرة غالية وزنُها ثلاثون مِثْقَالا.
فعضَ الرجلُ على شَفَتَيْهِ منَ الندمِ عضَة أسالتِ الدَمَ، وتحسَـرَ حسرة شديدة.. ونظرَ إلى العصفورِ الـمُطِل عليه من فوقِ الشجرة، وتذكَر شروطَه وقال له:
ــ هاتِ الحكمةَ الثالثة!.
فقالَ العصفورُ الماكرُ وهو باسمٌ ساخر:
ــ أيُها الإنسانُ الطمَاع.. طَمَعُكَ أعْماك.. فنسيتَ الحكمتيْنِ الأولى والثانية.. فكيفَ أخبرُك بالثالثة؟!. ألم أقُلْ لك: «لا تَتَحَسَـرَْ على ما فات» و«لا تصدِقْ ما لا يمكنُ أن يكون».. إنَ لحمىَ وعظمىَ وريشىَ لا يصلُ فى الوزنِ إلى عشرينَ مِثْقَالا.. فكيفَ تكونُ فى بطنى جوهرةٌ وزنُها أكثرَ من عِشرين؟!.
وكان مَنْظَرُ الرجلِ مضحكا.. فقدِ استطاعَ عصفورٌ أنْ يلعبَ بإنسان.
والتفتَ العصفورُ الكبيرُ إلى ابنهِ العصفور الصغيرِ قائلا:
ــ والآنَ يا بُنَىَ.. رأيتَ بعينك؟!
فقال الصغير:
ــ نعم. رأيتُ.. صحيح.. كيف صدَقَ هذا الإنسانُ ما لا يمكنُ أنْ يكون: وهو أنَ فى بطنِكَ جوهرة وزنُها أكبرُ من وَزْنِك!..
فقالَ العصفورُ الكبير:
ــ الطمعُ يا بُنَىَ.. طمعُ الإنسان!.
ــ القصة من كتاب «حكايات الحكيم للصبيان والبنات» دار الشروق
ــ الكتاب متاح للشراء فى فروع مكتبات الشروق وعبر موقعها الإلكترونى
==
خاص للموقع فقط لينك الشراء
https://www.shoroukbookstores.com/books/view.aspx?id=d30fdaa6ــd64eــ48abــ9602ــf1aaa30efdb7



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك