النزاعات القضائية حول قرارات حظر ارتداء النقاب، خصوصا داخل الجامعات، لها تاريخ طويل أمام محاكم مجلس الدولة التي أصدرت أحكاما بإلغاء قرارات الجهات الإدارية، وأخرى بتأييدها، آخرها ما أصدرته دائرة فحص الطعون السابعة بالمحكمة الإدارية العليا، برئاسة المستشار محمود أبو الدهب، نائب رئيس مجلس الدولة، بتأييد قرار جامعة القاهرة بحظر ارتداء النقاب على عضوات هيئة التدريس بالجامعة.
وترصد «الشروق» من خلال هذا التقرير مجموع الأحكام التي أصدرتها محاكم مجلس الدولة بشأن ارتداء النقاب سواء بالنسبة لطلبة وأعضاء هيئة تدريس الجامعات أو لغيرهم، حيث تبين من الرصد أن هناك 4 أحكام قضائية أصدرتها تلك المحاكم تبطل قرارات جهات إدارية بحظر ارتداء النقاب، في مقابل حكمين أصدرتهما المحكمة الإدارية العليا بحظر ارتدائه أحدهما هو الحكم الذي أصدرته مؤخراً المحكمة الإدارية العليا، أخذاً في الاعتبار اختلاف طبيعة النزاع في كل دعوى عن الأخرى.
• 1987.. حكم بعدم جواز حظر النقاب في جامعة عين شمس
في 17 ديسمبر 1987 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكماً في دعوى أقامتها طالبة منتقبة بكلية الآداب جامعة عين شمس، بوقف تنفيذ قرار رئيس الجامعة بمنع الطالبات المنتقبات من دخول الجامعة، وأيدت المحكمة الإدارية العليا ذلك الحكم في أول يوليو 1989 برئاسة المستشار محمد أنور محفوظ، حيث أكدت أن إسدال المرأة النقاب أو الخمار على وجهها إن لم يكن واجباً شرعاً فى رأى، فإنه كذلك فى رأى آخر غير محظور شرعاً، مضيفة أن ظروفاً خاصة قد تدعو إليه صدوداً عن الفتنة فضلاً عن أن القانون لا يحرمه والعرف لا ينكره.
وانتهت المحكمة إلى ضرورة أن يظل النقاب طليقاً فى غمار الحرية الشخصية ومحررا فى كنف حرية العقيدة فلا يجوز حظره بصفة مطلقة أو منعه بصورة كلية على المرأة ولو فى جهة معينة أو مكان محدد مما يحق لها ارتياده، مؤكدة أن الحظر المطلق أو المنع الكلى يمس الحرية الشخصية فى أرتداء الملابس وتقييد لحرية العقيدة.
• 2001.. حكم بأحقية المنتقبات في دخول حرم الجامعة الأمريكية
عقب صدور الحكم السابق استمر النقاب ولسنوات طويلة غير محظور بالجامعات، إلى أن تجددت الأزمة في عام 2001 حينما أقامت مدرسة مساعدة بكلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري، أكدت فيها أنها تقوم بعمل أبحاث للحصول على درجة الدكتوراه في اللغة الإنجليزية وفوجئت في الفترة الأخيرة بمنعها من دخول الجامعة الأمريكية وعلى وجه التحديد مكتبة الجامعة بحجة صدور قرار بمنع المنتقبات من التواجد داخل الجامعة أو أي مكان متعلق بالجامعة، وطالبت في دعواها بوقف تنفيذ ذلك القرار.
وبالفعل انتهى النزاع بصدور حكم نهائي في 9 يونيو 2007 من دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار السيد نوفل، بأحقية المنتقبات في الدخول إلى حرم الجامعة الأمريكية وعدم قانونية الحظر المطلق لارتداء النقاب عند دخول حرم الجامعة بالقاهرة.
وقالت المحكمة: «إن المشرع الدستوري أضفى سياجا من الحماية على الحرية الشخصية وعلى الحقوق والحريات العامة، ولما كان ارتداء النقاب بالنسبة للمرأة المسلمة هو أحد مظاهر هذه الحرية فإنه لا يجوز لجهة الإدارة أو أي جهة أخرى حظر ارتدائه حظرا مطلقا، فكما يترك للمرأة عموما الحرية في أن ترتدي ما تشاء من الثياب غير مقيدة في ذلك بضوابط الاحتشام نزولا على الحرية الشخصية، فإنه يحق كذلك للمرأة المسلمة أن ترتدي الزي الذي ترى فيه المحافظة على احتشامها ووقارها، وألا تكون ثمة تفرقة غير مبررة بين الطائفتين لا سند لها من القانون أو الدستور».
وأكدت المحكمة أنه يجوز متى اقتضت الضرورة والصالح العام التحقق من شخصية المرأة نزولا على مقتضيات الأمن العام أو لتلقي العلم والخدمات المختلفة، أو لأدائهما، أو لغير ذلك من الاعتبارات التي تتطلبها الحياة اليومية المعاصرة والتي تستوجب التحقق من شخصية المرأة متى طلب منها ذلك من الجهات المختصة وذلك لإحدى بنات جنسها أو لمختص معين من الرجال، وبالقدر اللازم لتحقيق ما تقدم تحت رقابة القضاء.
• 2010.. القضاء الإداري يؤيد منع دخول الامتحانات بالنقاب
مرة ثالثة تجددت أزمة ارتداء النقاب داخل الجامعات في عام 2010 حينما أصدرت جامعة شمس قرار بمنع الطالبات المنتقبات من حضور الامتحانات، وأيدت محكمة القضاء الإداري ذلك القرار بجلسة 3 يناير 2010، استناداً إلى أن ثمة أسبابا حدت بالجامعة إلى إصدار قرارها المطعون فيه تحت وطأة أعمال الامتحانات والتي تعد من الضروريات التي تستوجب استنفارا كاملا لكل أطياف العاملين بالجامعة ووضع كافة مكناتها الإدارية والمكانية اللازمة لاستيعاب مئات الآلاف من الطلبة والطالبات لأداء الامتحانات في فترة زمنية محددة وفي أماكن محصورة ومتعددة مما يتطلب معه إفراد إجراءات خاصة للتحقق من الطالبات المنتقبات لدى دخولهن إلى لجان الامتحانات المتعددة والمتناثرة.
وأضافت المحكمة أن ما وسعته وسائل التكنولوجيا الحديثة وخاصة الهواتف المحمولة ومستلزماتها والتي بلغت حدا متناهيا في إمكانياتها وصغر حجمها أضافت عبئا جما على أعمال المراقبين في لجان الامتحانات بات من الصعب اكتشافها ويزداد الأمر صعوبة ومشقة في ظل ارتداء النقاب أثناء أعمال الامتحانات والذي قد تستتر من ورائه بعض الفتيات بغرض ارتكاب أعمال الغش في الامتحانات أو غيرها من المحظورات التي تمثل إخلالا جسيما بأعمال الامتحانات ويسيئ في ذات الوقت إلى زميلاتهن المنتقبات اللائي ارتضين بالنقاب رداءً دائما لهن.
وانتهت المحكمة إلى أنه «ومن ثم فلا ضير إزاء تلك الضروريات أن تكشف المنتقبة عن وجهها أثناء أداء الامتحانات طالما كان ذلك بصفة مؤقتة من الناحية المكانية والزمانية وذلك لحسن سير عمليات الامتحانات وسدا للذرائع واتقاء للشبهات خاصة وأن أعمال المراقبة ورصد حالات الغش تكمن في مراقبة سلوك الطلبة والطالبات وبصفة خاصة وجوههم طوال فترة أداء الامتحانات.
وأشارت المحكمة إلى أنه ترتيبا على ما تقدم فإن القرار المطعون فيه قد صدر على اعتبارات صحيحة وقائمة تكشف عن أن الباعث في إصداره هو تحقيق المصلحة العامة ولم يقدم المدعون ما يدل على أن مصدر القرار كان مدفوعا في إصداره على اعتبارات تناقض المصلحة العامة، فضلا عن أن ذلك القرار وفق ما أفصح عنه مصدره هو إجراء مؤقت في زمانه ومكانه مما يجعل الطعن عليه غير قائم على أساس صحيح وينتفي بذلك ركن الجدية اللازم لوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وتقضي معه المحكمة برفض طلب وقف تنفيذه دون حاجة إلى استظهار ركن الاستعجال لعدم جدواه».
• الإدارية العليا تلغي الحكم وتسمح للطالبات دخول الامتحان بالنقاب
وعُرض ذلك النزاع على دائرة فحص الطعون الأولى بالمحكمة الإدارية العليا، وأصدرت فيه حكماً برئاسة المستشار مجدي العجاتي، بجلسة 20 يناير 2010 بوقف تنفيذ الحكم وألغت قرار منع الطالبات المنتقبات بجامعة عين شمس من دخول الامتحانات، وألزمت الجامعة بتمكين الطالبات الطاعنات من أداء امتحان الفصل الدراسي الأول للعام الجامعي 2009 – 2010.
• 2011.. دار الإفتاء تتسبب في تغيير وجهة الإدارية العليا
غير أن ذات المحكمة برئاسة المستشار مجدي العجاتي أصدرت حكماً في مايو 2011 عدلت فيه عن اتجاهها السابق، وأيدت الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بحظر ارتداء النقاب داخل قاعات الامتحانات، واستندت المحكمة فى ذلك إلى الفتوى التى وردت إليها من دار الإفتاء رقم 14 بتاريخ 13 فبراير 2011، والتى أجازت للجامعات باعتبارها وليا للأمر ومنوطا بها تنظيم إجراء الامتحانات، أن تصدر أمرا واجب التنفيذ شرعا بحظر ارتداء النقاب داخل قاعات الامتحانات أثناء فترة أدائها.
ورفضت المحكمة الإدارية العليا عدة طعون أقيمت لاحقاً على حكمها الذي أصدرته في 2010 ببطلان القرار، ليكون ذلك الحكم الصادر في مايو 2011 هو أول الأحكام التي تصدر بحظر ارتداء النقاب.
• 2014.. النقاب لا يعيق التواصل بين الممرضات والمرضى
ولم يقتصر تناول أحكام مجلس الدولة لتنظيم مسألة النقاب على ارتدائه داخل الجامعات فقط، بل أصدرت دائرة محكمة القضاء الإداري بكفر الشيخ، برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، في 29 أبريل 2014 حكما قضائياً نظمت فيه ارتداء الموظفات في الوزارات والهيئات الخدمية للنقاب، حيث أوقفت المحكمة بموجب ذلك الحكم تنفيذ قرار رئيس الإدارة المركزية للتمريض ببكفر الشيخ بمنع دخول ممرضة من الدخول لمقر عملها بمستشفى سيدي سالم المركزي، اعتراضاً على ارتدائها للنقاب.
وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إنه لا عبرة لما ذكرته وزارة الصحة من أن ارتداء الممرضة النقاب له مردود سلبى لعدم التواصل بين الممرضة والمريض، مؤكدة أن العلاقة بين الممرضة والمريض هى علاقة نفسية محسوسة قوامها العطاء والقدرة على البذل ووجود الممرضة حيث يطلب المريض ووقتما يشاء، وليست علاقة مادية ملموسة تستلزم رؤية المريض لوجه الممرضة، فإظهار الوجه ليس من أدوات تقديم خدمة التمريض الطبية، فضلا عن أن الرعاية العلاجية المقدمة بقسم الطب العلاجى لا تستدعى التواصل بين المريض والممرضة على نحو تكشف فيه له عن وجهها بقدر ما تستلزم ضمان أداء الممرضة لعملها بنفسها بدقة وأمانة وصدق وضمير.