محمد أمين المهدي.. مشوار من البصمات القانونية في حب الوطن - بوابة الشروق
الثلاثاء 21 مايو 2024 7:11 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محمد أمين المهدي.. مشوار من البصمات القانونية في حب الوطن


نشر في: الإثنين 30 سبتمبر 2019 - 1:50 ص | آخر تحديث: الإثنين 30 سبتمبر 2019 - 5:00 م

عبر تاريخه القانوني الطويل الذي ناهز الستين عاما، قاضيا ومستشارا ورئيسا لمجلس الدولة وقاضيا دوليا ثم وزيرا، لم تخل محطة عبر بها المستشار محمد أمين المهدي، من أعمال ورؤى ومواقف، تركت بصماتها تشع تأثيرا، حتى غيبه الموت عن عالمنا أمس.

تعلم ونضج على يد المهدي، القاضي، عشرات من القضاة الذين أصبح لهم شأن كبير، أورثهم بصمته الإبداعية، التي كانت تميز أحكامه وفتاواه، التي زخرت بالمبادئ التي سارت عليها المحاكم المصرية لعقود، وكان رائده فيها حماية الصالح العام والأمن القومي وحق وحرية المواطن.

ولد المهدي بمنيل الروضة في نوفمبر 1936 لأسرة في قلب العمل العام، فوالده هو أمين بك المهدي عضو مجلس الشيوخ عن حزب الوفد والموسيقار الهاوي الشهير في النصف الأول من القرن العشرين، وجده هو الشيخ المهدي العباسي، أول من جمع بين منصبي شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية المولود في 1827 والمتوفي في 1897.

ثمة خيط ليس بالرفيع يصل بين الجد والحفيد، أعمق من مجرد الاعتزاز بالتراث الذي تركه المهدي الكبير بإعادة طباعة مؤلفه الكبير "الفتاوى المهدية في الوقائع المصرية" عام 2001.

في 1882 سُئل المهدي، وهو الفقيه الحنفي، عن شرعية إقامة تماثيل (وصور) في شوارع القاهرة، وكان المقصود آنذاك تمثالا محمد علي باشا وإبراهيم باشا والأسود الأربعة بكوبري قصر النيل، فكانت إجابته، بنت عصره، بأن "إقامة هذه الصور والتماثيل مكروه كراهة تحريمية" لكنه أضاف أن "إزالة كل منكر في البلاد وتجنب الحكم بغير ما أنزل الله لهو أمر أكثر ضرورة من إزالة الصور والتماثيل" وكان يقصد بذلك انتقاد خضوع الخديو توفيق للاحتلال البريطاني الذي كان قاب قوسين من السيطرة على مصر المحروسة.

وبعد نحو قرن من الزمان، اختير حفيد ذلك الفقيه، وكان وقتها قاضيا بمجلس الدولة، عضوا باللجنة القومية للدفاع عن أرض طابا، ليجاهد بعلمه إلى جانب زملائه في استعادة الأرض بقرار هيئة التحكيم الدولية، لتفضي جهودهم القانونية والتاريخية والدبلوماسية إلى رفع العلم المصري عليها في 25 أبريل 1989.

وفي أبريل 2014، وبمناسبة اليوبيل الفضي لاستعادة آخر شبر من سيناء الغالية، قررت الدولة المصرية برئاسة الرئيس الأسبق المستشار عدلي منصور تكريم أعضاء تلك اللجنة القومية، ومن بينهم المستشار محمد أمين المهدي، الذي تسلم وسام الجمهورية من الطبقة الأولى، رفقة كل من الدكتور نبيل العربي، والدكتور مفيد شهاب، وأسرة المستشار فتحي نجيب، وأسرة الوزير السابق عصمت عبدالمجيد، وأسرة الدكتور حامد سلطان، وأسرة الوزير السابق أحمد ماهر، بينما منح وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى لكل من السفير مهاب مقبل، والسفير أحمد فتح الله، والسفير وجيه سعيد، والسفير محمود سامي، والسفير إبراهيم يسري، والسفير حسين حسونة.

ومن منطلقات وطنية أيضا، كان المهدي سباقا خلال رئاسته لمجلس الدولة والمحكمة الإدارية العليا، مطلع القرن الحادي والعشرين، لإصدار حكمين كان لهما تأثير كبير على الممارسة السياسية والمنازعات القضائية الخاصة بالترشح لمجلسي الشعب والشورى في العقد الأخير من عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، والسنوات الخمس التالية لثورة 25 يناير 2011، عندما حكم بعدم جواز ترشح مزدوجي الجنسية والمتهربين من التجنيد للنيابة البرلمانية عن الشعب المصري.

وبعد تقاعده في سبتمبر 2001 رشحته مصر لعضوية المحكمة الجنائية الدولية لجرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة، لمدة 4 سنوات، شارك خلالها في إصدار العديد من القرارات والأحكام التي ساهمت في محاسبة القادة الصرب، وكان لإسهامه الكبير في هذا الموقع دور في ترشيحه بواسطة الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق بان كي مون، لعضوية اللجنة الأممية المعنية باختيار أعضاء المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري.

وتفاعل المهدي بإيجابية مع التطورات السياسية التي شهدتها مصر في العقد الحالي، ففي أعقاب خلع مبارك من الحكم، كان أول من نبه لضرورة محاسبة رموز نظام حسني مبارك بمن فيهم الرئيس الأسبق سياسيا، وفق القانون 274 لسنة 1956 بشأن محاكمة رئيس الجمهورية والوزراء، وذلك من خلال دراسة نشرتها "الشروق" على جزئين في مايو 2011، أحدثت آنذاك ردود فعل واسعة وظهرت مطالبات عديدة لتنفيذ توصياتها.

المسئولية الجنائية عن خيانـة الأمانة السياسيـة

القسم الجمهورى عهد غليظ.. مخالفته خيانة للأمانة تستحق المحاكمة

وفي يوليو 2012 تولى المستشار محمد أمين المهدي رئاسة لجنة بحث ملفات المدنيين المعتقلين والذين تتم محاكمتهم أمام القضاء العسكري، فأصر على تسميتها بوصف يعبر عن قناعاته بوجوب سيادة القانون وحماية الحقوق "لجنة حماية الحرية الشخصية" وأسفر عمل اللجنة عن الإفراج عن جميع المدنيين المحاكمين أمام القضاء العسكري، كما كان من نتائج عمل اللجنة صدور قرار جمهوري بالعفو الشامل عن بعض الجرائم المرتكبة أثناء ثورة 25 يناير، فيما عدا جنايات القتل العمد.

وفي عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي، كان المهدي على رأس القانونيين الذين هاجموا إعلان 21 نوفمبر، حيث قال في تصريحات لـ«الشروق» في 26 نوفمبر 2012 إن «الإعلان يشككنا في سلامة الاستفتاء والانتخابات القادمة، وأن تحصين قانوني الاقتراع قد يكون مقدمة لإلغاء الرقابة القضائية على الصناديق كما حدث في 2007، وأن قرارات مرسي تفتقر لسمات الإعلان الدستوري ووصفها بذلك يهدف للهروب من الرقابة القضائية والالتفاف على حقيقة أن إعلان 30 مارس هو الوثيقة الدستورية الشرعية الوحيدة الناشئة عن ثورة يناير.

وفي أعقاب ثورة 30 يونيو، رشح رئيس الوزراء حازم الببلاوي المهدي ليكون وزيرا للعدل، لكن انتماءه لمجلس الدولة وليس للقضاء العادي منع ذلك، فتم اختياره وزيرا لحقيبة جديدة كان الشعب المصري يعلق عليها آمالا كبيرة في حينه، هي العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.

وخلال فترة وزارته التي امتدت من يوليو 2013 إلى يونيو 2014 فطن المهدي إلى صعوبة تحقيق نجاح في ملف العدالة الانتقالية من منظور وقتي وضيق بسبب التوتر السياسي الذي كان قائما واستمر، والأحداث الدامية التي مرت بها مصر، فضلا عن أن الدستور وضع أمر العدالة الانتقالية من اختصاص مجلس النواب المنتخب، وليس في يد الحكومة أو رئيس الجمهورية.

وتبعا لذلك؛ تناول المهدي العدالة الانتقالية من منظور أوسع، فاجتمع مع فريقه بطوائف كثيرة من المجتمع المصرى للاطلاع على رؤاهم للعدالة الانتقالية، ومشاكلهم التى عانوا منها قبل 25 يناير و30 يونيو بهدف وضع أسس صريحة للقضاء عليها ومعالجتها، لأن رؤيته للعدالة الانتقالية كانت أوسع من الخلافات السياسية التى حدثت فى الآونة الأخيرة، وتمتد لأزمات راسخة مثل النوبة التى عانت من التهميش بعد تهجير أهلها بسبب السد العالى، وهنا برزت فكرة التعويض الجماعى للمضارين وليس التعويض الفردى لكل متضرر، وعلى سبيل المثال، بتطوير منطقة النوبة الجديدة وتنميتها على أسس واضحة والتزامات صريحة على الدولة.

"دورنا هو إيجاد بيئة تشريعية مناسبة لتكون الأساس لوضع قانون العدالة، وينطلق منها البرلمان المقبل، ووضع تصور هيكلى لكيفية تحقيق العدالة الانتقالية التى لها فى الواقع جناحان: الأول تقصى الحقائق ومعرفة ماذا تم، بآليات المصارحة والمساءلة والمحاسبة وكيفية تعويض المتضررين، والجناح الثانى الذى يغفل عنه البعض هو الإصلاح المؤسسى القائم على تحديد الخلل الذى تسبب فى المشاكل، كما نعمل على وضع أفكار لتعديل القوانين التى تبين أنها كانت أسبابا مباشرة لقيام ثورة يناير، ويمكن تلخيصها تحت بندين: تمزق النسيج الوطنى وانهيار دولة القانون" هكذا أجاب المهدي في حوار لـ"الشروق" على سؤال بشأن وظيفة الوزارة لحين تشكيل البرلمان.

كما وضع المهدي اللبنة الأولى في قانوني مباشرة الحقوق السياسية ومجلس النواب القائمين حاليا، ووضعت الوزارة في عهده مشروعا لدمج الشباب في العملية السياسية بأن تستعين اللجنة العليا للانتخابات بالشباب حديثى التخرج كأمناء للجان بدلا من الموظفين الذين يتم انتدابهم من الوزارات المختلفة، تم تطويره فيما بعد في قانون الهيئة الوطنية للانتخابات، كما أصدرت الحكومة بناء على اقتراحه قانون احترام العلم والنشيد الوطنى، والذى جاء ثمرة جلسات حوار لبحث أسباب الفتنة الطائفية.

المستشار أمين المهدي لـ«الشروق»: تحريك دعوى ضد أي إخواني يتطلب دليلا على انتمائه لها..
وزير العدالة الانتقالية: اتهام الإخوان بالمسئولية عن حادث المنصورة أمر سياسي استند لتصريحات قاداتها

فترة الوزارة، وقبلها حقبة القضاء الدولي، لم تنس المهدي أبدا بيته الأول الذي ظل يتابعه باهتمام حتى أيامه الأخيرة، مجلس الدولة، حيث صٌقل الشباب وانعقد الأمل ووُجد رفاق العمر والتلاميذ والأحبة، والذي يعمل به أيضا نجله الوحيد المستشار أحمد المهدي نائب رئيس مجلس الدولة.

عين المهدي بمجلس الدولة فور تخرجه عام 1956 ولم يكن تجاوز 20 عاما، وتدرج في المناصب القضائية به وانتدب إلى عدة مواقع بارزة، منها المكتب الفني لرئيس الجمهورية جمال عبد الناصر، كما اتندب مستشارا لكل من وزير المالية ووزير العدل، وفي عام 1994 وحتى عام 1997 عمل خبيرا دستوريا لأمير دولة الكويت الشيخ جابر الاحمد الصباح، وبعد عودته من الإعارة تولى عام 1998 رئاسة اللجنة الثالثة فاللجنة الثانية من لجان قسم الفتوى بمجلس الدولة المصري، ثم انتقل بعدها إلى رئاسة قسم التشريع، وفي عام 1999 ترأس المهدي الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري حتى أول أكتوبر 2000 ليترأس المجلس والمحكمة الإدارية العليا ومحكمة الأحزاب لعام واحد.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك