خاتم القوة لدى مارك زوكربيرغ - العالم يفكر - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 5:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خاتم القوة لدى مارك زوكربيرغ

نشر فى : السبت 1 يناير 2022 - 9:25 م | آخر تحديث : السبت 1 يناير 2022 - 9:25 م

نشر موقع بروجيكت سينديكيت مقالا للكتب يانيس فاروفاكيس.. يرى فيه أن الحرية المطلقة التى يبشر بها مارك زوكربيرج فى عالمه الافتراضى «الميتافيرس» لن يحقق السعادة، فالقضاء على جميع العقبات والقيود والمعضلات لن يشعرنا بالرضا.. نعرض منه ما يلى.
فى يوم من الأيام فى مملكة ليديا القديمة، وجد راعى غنم يدعى جيجس خاتما سحريا جعله غير مرئى كلما وضعه بأصبعه أو أبرم بسبابته جوف الخاتم. ونظرا إلى عجزه عن مقاومة المفعول السحرى الكامن فى الخاتم، تسلل جايجس إلى القصر الملكى دون أن يتمكن أحد من رؤيته، وقام بإغواء الملكة، واغتيال الملك، ونصب نفسه حاكما للمملكة. تساءل سقراط قائلا: «إذا عثر المرء على مثل هذا الخاتم السحرى أو على أى أداة سحرية أخرى تمنحه قوة هائلة، فهل سيكون من الحكمة استخدامه للقيام بأى شىء أو الحصول على كل ما يريد؟».
•••
يُعطى إعلان مارك زوكربيرغ الأخير عن رؤيته للعالم الرقمى الافتراضى الرائع «ميتافيرس» الذى ينتظر الإنسانية أهمية جديدة لإجابة سقراط: يجب على الناس نبذ القوة المُفرطة، وعلى وجه الخصوص، أى أداة قادرة على تحقيق معظم أمنياتنا.
هل كان سقراط مُحقا؟ هل يمكن أن يُفكر الناس العقلاء فى التخلى عن هذا الخاتم؟ وهل ينبغى عليهم القيام بذلك؟
لم يكن أتباع سقراط أنفسهم مُقتنعين بهذا الأمر. أفاد أفلاطون أنهم كانوا يتوقعون أن يستسلم الجميع تقريبا إلى الإغراء، تماما كما فعل جيجس. ولكن هل يرجع ذلك إلى أن خاتم جيجس لم يكن قويا، وبالتالى لم يكن مخيفا بما فيه الكفاية؟ هل يمكن لأداة أقوى بكثير من الخاتم الذى يجعلنا غير مرئيين أن تجعلنا نرتعد من فكرة استخدامها، كما أوصى سقراط؟ إذا كان الأمر كذلك، فما الذى يمكن أن تُحققه أداة كهذه؟
لقد سمح الخاتم السحرى لجيجس بالتغلب على المنافسين والأعداء جسديا، مما مكن من إزالة العديد من القيود التى تعيق رغباته. ومع ذلك، فى حين أن التخفى سمح لجيجس بقتل حراس الملك، إلا أنه لم يُساعد فى إزالة جميع العقبات التى تواجه جيجس. ماذا لو كانت هناك أداة، دعونا نسميها أداة الحرية، تُخلصنا من جميع القيود التى تمنعنا من فعل ما نريد؟ كيف ستكون الحياة الخالية من القيود بمجرد تفعيل أداة الحرية هذه؟
سنكون قادرين على الطيران مثل الطيور، والسفر إلى فضاءات أخرى فى لمح البصر، وتقديم عروض بطولية داخل العوالم المُصممة من قبل مطورى ألعاب الفيديو الموهوبين. ولكن هذا لن يكون كافيا. يُعد الوقت من أصعب العقبات التى نواجهها: فهو يجبرنا على التخلى عن قراءة كتاب أثناء السباحة فى البحر أو مشاهدة مسرحية. لذلك، لإزالة جميع القيود، يجب أن تسمح أداة الحرية النظرية لدينا أيضا بتجربة متزامنة لانهائية. ومع ذلك، فإن أحد القيود الأخيرة، وربما الأكثر تعقيدا، قد يظل قائما: أشخاص آخرون.
عندما يرغب السيد جيل فى الذهاب لتسلق الجبال مع شقيقه التوأم جاك، ولكن جاك يتوق إلى نزهة رومانسية على طول الشاطئ، فإن جاك يُعد قيدا بالنسبة لجيل والعكس صحيح (قصة فيلم جاك وجيل). ومن أجل تحريرهما من هذه القيود، تسمح أداة الحرية لجيل بتسلق الجبال مع جاك بينما يقوم بجولة مع نسخة افتراضية منها على طول الشاطئ. ومن شأن ذلك أن يجعلنا جميعا نعيش فى نفس العالم الافتراضى مع اختبار تفاعلاتنا المتبادلة بصورة مختلفة. لن يصنع ذلك فقط كونا مليئا بالنعم، ولكن فى الواقع، كونا متعددا من الملذات والمُتع اللانهائية والمتزامنة والمتداخلة. وبعبارة أخرى، لن يمنحنا ذلك التخلص من الندرة فحسب، ولكن أيضا مما يفعله الآخرون بنا، ما يتوقعونه أو يريدونه منا. ومع تجاوز جميع العقبات، وحل جميع المعضلات، والقضاء على جميع المقايضات، سيكون الرضا اللا محدود فى متناول أيدينا.
•••
ليس من الصعب تخيل توق زوكربيرج لمجرد التفكير فى خلق أداة مماثلة. سوف تكون هذه الأداة النسخة النهائية من «العالم الافتراضى»؛ حيث ذكر أنه يريد غمر مستخدمى الفيسبوك الذين يزيد عددهم عن مليارى مستخدم. يمكننى أن أتخيله وهو يسمح لنا بتجربة وفرة من الملذات، بدون مقابل، بما يكفى فقط لجذب اهتمام المزيد من الأشخاص، وعند هذه النقطة سوف يفرض رسوما على المستخدمين وفقا لذلك. إن من شأن كل ثانية نعيشها فى هذا الكون المتعدد أن تنتج ملذات ومُتع متعددة هائلة ــ وهو ما سيجعلنا ندفع ثمنها مرارا وتكرارا. وقريبا، سيُصبح رأس مال شركة «ميتا»، الشركة التى تمتلك فيسبوك الآن، أكبر من رأسمال جميع الشركات الأخرى مُجتمعة.
إن حقيقة أن علماء التكنولوجيا لدينا بعيدون عن اختراع أداة الحرية هى حقيقة غير ذات صلة، كما هو الحال مع حقيقة أن خاتم جيجس كان أسطوريا. يظل سؤال سقراط، والذى يعتمد على هذين الجهازين من الخيال العلمى، أحدهما قديم والآخر حديث، يُشكل أهمية مركزية: هل من الحكمة استخدام القوة الهائلة على الآخرين، وعلى الطبيعة، سعيا وراء تحقيق أمنياتنا رغباتنا؟
•••
إن شركات التكنولوجيا الكبرى والمتخصصين فى السوق الحرة لا يُعيرون أى اهتمام لهذا الأمر: ما العيب فى الشعور بالفرح والبهجة؟ لماذا سيقاوم أى شخص التجارب المتزامنة التى تُرضى أقوى رغبات المرء؟ كيف يكون من الخطأ أن يجنى زوكربيرج المال من الناس الذين يريدون أن يدفعوا له مقابل التحرر من كل القيود؟
تظل إجابة سقراط مناسبة اليوم كما كانت قبل 2500 عام: الثمن الذى تدفعه لنشر القوة المُفرطة هو تعريفة مضطربة ــ أو بعبارة أخرى التعاسة الجذرية. سواء كنت عميلا تسعى إلى السيطرة المطلقة على حواسك فى إطار كون متعدد تم إنشاؤه بواسطة جهاز ما، أو يسعى زوكربيرج جاهدا لامتلاك العالم الرقمى الذى سينغمس فيه المليارات من الأشخاص قريبا، فإن تعاستك مضمونة. تتطلب الحياة الناجحة القدرة على التغلب على رغبتنا فى الحصول على السلطة. يستلزم ذلك مُسبقا التوصل إلى فهم مفاده أن القوة، فى أيدى كائنات متناقضة مثلنا، هى سيف خطير ذو حدين.
تؤدى القوة المفرطة إلى نتائج عكسية، بل ومُدمرة أحيانا، لأننا نتوق إلى التفاعل مع عقول أخرى لا يمكننا التحكم فيها، حتى أثناء الرغبة فى السيطرة عليها. عندما يقوم الآخرون بأشياء لا نريدهم أن يفعلوها، نشعر بخيبة الأمل أو الغضب أو الحزن. لكن فى اللحظة التى نسيطر فيها عليهم بشكل كامل، لن تمنحنا موافقتهم أى متعة، ولن تعزز موافقتهم ثقتنا بأنفسنا واحترامنا لذاتنا.
من الصعب تقدير حقيقة مفادها أن السيطرة مجرد وهم، خاصة عندما نكون مستعدين للتضحية بكل شىء تقريبا، ودفع أى ثمن، للسيطرة على الآخرين. لكن إذا أردنا منع الآخرين ــ زوكربيرج، على سبيل المثال ــ من السيطرة علينا، فهذا درس يجب أن نتعلمه.
كان سقراط حريصا على تحذيرنا من الاستسلام لإغراء الخاتم السحرى، مشيرا إلى تعاسة جيجس رغم حصوله على الخاتم. واليوم، فى ظل الإقطاعية التقنية والعديد من الفضاءات الإلكترونية الافتراضية التى تلوح فى الأفق، أصبح تحذيره أكثر أهمية من أى وقت مضى. وكما كان الحال فى أثينا القديمة، تتمثل مهمتنا الصعبة فى تمكين الديمقراطيات دون الاستسلام لإغراء القوة.

النص الأصلى هنا

التعليقات