تسليح الموارد.. دور المعادن النادرة فى الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين - العالم يفكر - بوابة الشروق
الأحد 18 مايو 2025 2:37 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

تسليح الموارد.. دور المعادن النادرة فى الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين

نشر فى : السبت 17 مايو 2025 - 8:50 م | آخر تحديث : السبت 17 مايو 2025 - 8:50 م

نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا للباحثة بسنت جمال تناول فيه تعريف المعادن النادرة وخريطة توزيعها عالميًا، متطرقًا إلى شكل التنافس بين الصين والولايات المتحدة فى هذا المجال، وما يحمله من تداعيات، سواء على دول العالم أو على مصر. ونعرض من المقال ما يلى:
باتت ظاهرة «تسليح الموارد»، التى تُعرف باستغلال القوى الكبرى قدرتها على التحكم فى إمدادات الموارد والتأثير فى اتجاهات العرض والطلب ومستويات الأسعار، أداة محورية فى الحروب التجارية بين الدول وبعضها البعض من أجل توسيع سياسات الضغط على مُنافسيها وللتأكيد على كونها فاعلًا أساسيًا ومؤثرًا فى النظام الاقتصادى العالمى.
وتعتبر المعادن النادرة من أبرز الساحات التى تتنافس عليها القوى الكبرى؛ نظرًا لتمثيلها ثقلًا وبعدًا مهما فى رسم مستقبل الصناعات العالمية والقطاعات الاقتصادية المختلفة كصناعات البناء، والإلكترونيات، والسيارات الكهربائية، وتقنيات الطاقة المتجددة، والبطاريات، والمعدات والأسلحة العسكرية.
وتتكون المعادن الأرضية النادرة من مجموعة من 17 عنصرًا كيميائيًا مثل الغادولينيوم، والسماريوم، واللوتيتيوم. وتستخدم المعادن النادرة بشكل أساسى فى صناعات مثل الأقمار الصناعية، والليزر، فضلًا عن استخدامها فى مختلف تقنيات الطاقة النظيفة مثل توربينات الرياح والألواح الشمسية، إلى جانب الاعتماد عليها لإنتاج أنظمة الأسلحة والمعدات العسكرية المتقدمة، ورقائق أشباه الموصلات، كما تُعد هذه المواد أساسيةً لابتكار تقنيات متطورة، بما فى ذلك الحوسبة الكمومية، وشبكات الجيل الخامس.
وتستحوذ الصين وحدها على نحو 48.8% من الاحتياطى العالمى للمعادن الأرضية النادرة حتى عام 2024 بإجمالى يصل إلى 44 مليون طن؛ مما يجعلها تتفوق على أكبر منافسيها الدوليين، الولايات المتحدة، التى تستحوذ على 2.1% فقط بحصة تبلغ 1.9 مليون طن.
من ناحية أخرى، تقوم الصين بمعالجة حوالى 90% من المعادن الأرضية النادرة بدعم من تكلفة التصنيع المنخفضة نسبيًا لديها ومن التطور التكنولوجى المتعلق بهذه الصناعة؛ أى إنها تستورد المعادن فى صورتها الخام من الدول الأخرى وتقوم بمعالجتها؛ مما يعزز من مكانتها العالمية فى هذا القطاع.
مظاهر وحدود الهيمنة الصينية على المعادن النادرة
تأتى هيمنة الصين على سلاسل توريد المعادن النادرة نتيجة لجهود الحكومة المستمرة على مدار الأعوام الماضية، ويُمكن استعراض جهود الحكومة الصينية فى هذا المجال على النحو التالى:
دعم حكومى قوى: يعود الدعم الصينى لصناعة المعادن النادرة إلى منتصف الثمانينيات حينما أصدرت السلطات خصومات ضريبية على صادرات المعادن الأرضية؛ مما خفض من التكاليف التى تتكبدها شركات التعدين المحلية، كما منعت الشركات الأجنبية من الدخول فى أنشطة التعدين داخل البلاد مع فرض قيود على مشاركتها فى مشروعات معالجة التربة النادرة، إلا فى حالة التعاون مع المؤسسات المحلية بشرط موافقة الحكومة؛ مما مكّن الأخيرة من اكتساب المعرفة الأجنبية من خلال تلك الشراكات.
توسيع النفوذ فى قطاع التعدين بإفريقيا وأمريكا اللاتينية: تُعد الصين من بين أكبر الفاعلين فى قطاع التعدين الإفريقى؛ إذ اشتبكت البلاد بشكل وثيق فى مشهد استخراج وتكرير وإنتاج هذه المعادن، كما تسيطر الشركات الصينية على حصة كبيرة من عمليات التعدين فى إفريقيا، لا سيما فى الدول الغنية بالمعادن الأساسية مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا وزيمبابوى.
أما عن أمريكا اللاتينية، فقد ضخت الصين استثمارات ضخمة على مدار الأعوام الماضية فى «مثلث الليثيوم» المار فى تشيلى والأرجنتين وبوليفيا، الذى يحتوى على حوالى 75% من احتياطيات الليثيوم العالمى، كما بادرت الشركات المملوكة للدولة باستثمارات مماثلة فى أسواق النحاس والزنك فى كولومبيا، وكذلك فى مناجم النحاس فى بيرو.
فرض ضوابط تصديرية: بين عامى 2023 و2024، بدأت الصين تدريجيًا فى فرض قيود على تصدير المواد الاستراتيجية لحماية الأمن القومى ومواجهة جهود واشنطن المتصاعدة للحدّ من التقدم التكنولوجى للصين، فعلى سبيل المثال قررت الصين فى ديسمبر 2024 حظر تصدير الأنتيمون والجاليوم والجرمانيوم إلى الولايات المتحدة، وهى ثلاثة معادن حيوية ضرورية لمجموعة متنوعة من قطاعات التكنولوجيا المتقدمة.
استراتيجيات أمريكية مضادة
اعتمدت الولايات المتحدة نهجًا شاملًا ومتعدد الجوانب لتقليل اعتمادها على الصين فى الحصول على المعادن الأساسية، وتُعدّ زيادة الإنتاج المحلى من المعادن الحيوية عنصرًا أساسيًا فى هذه الخطة من خلال فتح مناجم جديدة، وتطوير تقنيات التعدين، وتشجيع الابتكار فى استخراج الموارد. كما تُولى الولايات المتحدة أيضًا أهمية أكبر لتنويع سلاسل التوريد الخاصة بها من خلال تعزيز تحالفاتها مع حلفاء مثل أستراليا وكندا والعديد من الدول الأوروبية.
وفى أحدث الخطوات الأمريكية لمواجهة الهيمنة الصينية على المعادن النادرة، وقع الرئيس ترامب عددا من الاتفاقيات فى هذا الشأن، يأتى من ضمنها قيام ترامب فى 14 فبراير 2025 بتوقيع أمر تنفيذى بإنشاء المجلس الوطنى للهيمنة على الطاقة لتنسيق سياسات الطاقة ضمن مختلف الوكالات الفيدرالية وجعل الولايات المتحدة مهيمنة على قطاع الطاقة العالمى وخفض اعتمادها على الواردات من خلال الاستفادة من الموارد الطبيعية المتوافرة لديها كالنفط والغاز الطبيعى واليورانيوم، والفحم، والمعادن الأساسية.
تداعيات الهيمنة الصينية على المعادن النادرة
نظرًا لكون الصين من اللاعبين الفاعلين فى سلاسل توريد المعادن النادرة من حيث هيمنتها على الإنتاج العالمى والقدرة على معالجة وتكرير المعادن، فمن المُرجح أن يترتب على تسليحها فى حربها التجارية مع الولايات المتحدة العديد من الانعكاسات العالمية التى يُمكن تناولها على النحو الآتى:
الإضرار بالصناعات التكنولوجية والدفاعية الأمريكية: تعتمد الولايات المتحدة على الواردات بنسبة 80% لتأمين احتياجاتها من المعادن النادرة ويتم تلبية حوالى 56% منها من الصين. وفى ضوء ذلك، فمن شأن تقييد الصادرات الصينية من المعادن النادرة، أن يؤثر فى الصناعات الأمريكية التى تعتمد على تلك المعادن كصناعة السيارات، والصناعات التكنولوجية، وصناعة الدفاع، فعلى سبيل المثال، يتطلب إنتاج طائرة إف - 35 أكثر من 900 رطل من العناصر الأرضية النادرة.
تعطيل خطط تحول الطاقة الأوروبية: تعتبر اقتصادات الاتحاد الأوروبى من بين أكثر الاقتصادات عرضة لاضطرابات سلاسل توريد المعادن النادرة نظرًا لاعتمادها على الواردات ومحدودية قدرتها على الاستخراج والتعدين والمعالجة. كما ستواجه خطط التحول إلى الطاقة النظيفة وتقليل الانبعاثات الحرارية فى أوروبا منعطفًا حرجًا بسبب أهمية المعادن النادرة فى صناعة مُعدات وتقنيات الطاقة النظيفة، ولا سيما تلك المتعلقة بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
الإضرار بصناعة السيارات الكهربائية: تُعد المعادن عمودًا فقريًا فى صناعة البطاريات والسيارات الكهربائية؛ إذ إن تصنيع سيارة كهربائية واحدة يتطلب أكثر من 200 كيلوجرام من النحاس والليثيوم والنيكل والمنجنيز والكوبالت والجرافيت والعناصر الأرضية النادرة مجتمعة. وبناء على ذلك، سينتج عن قيود التصدير الصينية على المعادن النادرة اضطرابات ملحوظة فى صناعة السيارات الكهربائية حيث سيتضرر حجم الإنتاج.
تعزيز جهود تنويع سلاسل توريد المعادن النادرة: يعزز تسليح المعادن النادرة اتجاه الدول إلى تحجيم الاعتماد على مصدر واحد فى توريد المعادن النادرة؛ حيث تُعيد العديد من الدول تقييم استراتيجياتها فى التوريد نظرًا للمنافسة الأمريكية الصينية على المعادن الأساسية. وتعمل الاقتصادات الكبرى، بما فيها الاتحاد الأوروبى، على تأمين سلاسل توريد بديلة، وتعزيز القدرات الصناعية المحلية، وتقليل اعتمادها على الصين.
مصر وسباق الهيمنة على المعادن النادرة
لا تُعد مصر مستوردًا أو مصدرًا عالميًا للعناصر الأرضية النادرة، إلا أنها قد تتأثر بشكل غير مباشر بالقيود التى فرضتها الصين على المعادن النادرة؛ حيث ستؤدى تلك القيود إلى حدوث اضطرابات فى سلاسل توريد الصناعات التكنولوجية العالمية والمحلية، لهذا؛ فمن المحتمل أن تتأثر أعمال الشركات الأجنبية العاملة فى صناعة الهواتف الذكية بمصر مثل «سامسونج» و«أوبو» و«شاومى» و«فيفو»؛ حيث ستواجه نقصًا فى المواد الخام اللازمة لإنتاج الهواتف.
إلا أن هناك العديد من الفرص التى قد تتولد أمام مصر فى هذا الشأن؛ إذ من الممكن الاستفادة من ثروات الفوسفات فى مصر ومن كونها منتجًا رئيسيًا على مستوى العالم؛ حيث تشير الدراسات الحديثة إلى أن نفايات التعدين والمعالجة الصناعية لصخور الفوسفات تُعدّ مصدرًا محتملًا للعناصر الأرضية النادرة؛ مما يمثل قيمة اقتصادية مضافة لصناعة الفوسفات.
وختامًا، يمكن القول إن المعادن النادرة أصبحت جزءًا أساسيًا من معادلة التنافس الدولى الذى يشهدها العالم اليوم بين أكبر اقتصادين فى العالم؛ حيث تمكنت الصين من توظيف ورقة الضغط بالموارد فى حربها التجارية مع الولايات المتحدة عبر تقييد صادراتها من مجموعة من المعادن النادرة، ولن تُطال التداعيات السلبية للقرار الصينى الاقتصاد الأمريكى فحسب، بل إنها ستؤثر فى الاقتصاد العالمى ككل؛ نظرًا لاعتماد العديد من الدول الأخرى على الصين فى تأمين احتياجاتها من المعادن النادرة.


النص الأصلى

التعليقات