نشر مركز الأبحاث The American Enterprise Institute مقالًا لمجموعة من الكتاب عن منطقة آسيا والمحيط الهادئ وجنوب آسيا، حيث تشهد تحولات أمنية وسياسية متسارعة فى 2025، مع تصاعد التوترات البحرية والتنافس بين القوى الكبرى، خاصة الصين والولايات المتحدة. يتناول هذا المقال أبرز التطورات التى تؤثر على الاستقرار الإقليمى والتوازنات الاستراتيجية فى المنطقة.. نعرض من المقال ما يلى:
أولًا: البرامج الفضائية والردود الدولية
فى 20 مايو 2025، أعلنت الولايات المتحدة إطلاق مشروع دفاع فضائى جديد يُسمى "القبة الذهبية"، يهدف إلى نشر شبكة من المستشعرات والصواريخ الاعتراضية فى الفضاء لحماية الأراضى الأمريكية من التهديدات الصاروخية. أثارت هذه الخطوة ردود فعل قوية من الصين التى اعتبرتها تصعيدًا عسكريًا خطيرًا فى الفضاء ودعت واشنطن للتخلى عنه. كما انتقدت روسيا وكوريا الشمالية المشروع، محذرتين من سباق تسلح نووى وفضائى محتمل.
فى المقابل، تعزز الصين قدراتها العسكرية الفضائية بشكل سريع، حيث شهد العقد الأخير زيادة بنحو 620% فى قدراتها المدارية. فى مارس 2025، تم رصد خمس أجسام فضائية صينية تجرى مناورات «قتال فضائى» تجريبية، وهو ما يعكس تصاعد التوتر فى المجال الفضائى. تتعاون الصين وروسيا لبناء محطة أبحاث قمرية ومحطة طاقة نووية على سطح القمر بحلول 2035، فى محاولة لمنافسة مشاريع ناسا الأمريكية.
كما تشير معلومات إلى تعاون روسى مع كوريا الشمالية فى نقل تكنولوجيا فضائية متقدمة، ما يعزز القدرات التجسسية لبيونج يانج بعد إطلاقها قمرًا صناعيًا للتجسس عام 2023.
ثانيًا: التنافس الاقتصادى ودور الصين
تواصل الصين استغلال الرسوم الجمركية الأمريكية وتوتر العلاقات التجارية لتقديم نفسها كمدافع عن النظام التجارى العالمى والتعددية. فى 21 مايو، اتهمت الصين الولايات المتحدة بإضعاف النظام التجارى ودعت أعضاء منظمة التجارة العالمية للحفاظ على التجارة حرة. وقد لاقت هذه الدعوة دعم دول مثل روسيا والبرازيل وباكستان، مما يعكس سعى الصين لقيادة العالم النامى اقتصاديًا وسياسيًا.
تعزز الصين علاقاتها مع رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) ومجلس التعاون الخليجى، حيث تجاوزت تجارتها مع هذه المناطق 900 مليار دولار فى 2024، ما يقارب ضعف التجارة الأمريكية مع آسيان. تسعى بكين إلى بناء "نظام مالى بين-إقليمي" لمواجهة الهيمنة الأمريكية.
ثالثًا: التوترات السياسية والأمنية عبر مضيق تايوان
تشهد تايوان حالة من التحولات السياسية مع محاولة حزب الديمقراطى التقدمى (DPP) عزل 31 نائبًا من حزب الكومينتانج (KMT) فى انتخابات عزل خاصة، تهدف إلى تعزيز الأغلبية البرلمانية للحزب الحاكم. تتركز الحملة فى مدن مثل كيلونج، وتتم بدعم جماعات مدنية مقربة من DPP، مع تصاعد التوتر بسبب الخلافات على الميزانيات والإصلاحات الاقتصادية.
على الصعيد الأمنى، تزايدت محاولات الاختراقات البحرية غير القانونية من قبل مواطنين صينيين إلى السواحل التايوانية، خصوصًا فى مناطق استراتيجية مثل شاطئ جوانيين وجزيرتى إردان ودادان، فى ما يُعتقد أنها "حرب إدراكية" تهدف إلى زعزعة ثقة التايوانيين بأمنهم الساحلى.
ردًا على ذلك، طالبت إدارة خفر السواحل التايوانية بميزانية لتعزيز مراقبة السواحل باستخدام تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعى والطائرات بدون طيار.
فى إطار مكافحة التغلغل الصينى، توسعت تايوان فى التحقيقات لتشمل آلاف الموظفين المدنيين والمعلمين ممن يحملون بطاقات هوية صينية، مطالبينهم بتقديم مستندات تثبت تركهم للسجلات الأسرية الصينية، فى إطار جهود للحد من النفوذ الصينى داخل المجتمع والمؤسسات.
تفرض تايوان أيضًا قيودًا على مشاركة الأشخاص ذوى الخلفيات الصينية فى مجالات عسكرية حساسة مثل الاستخبارات، فى محاولة للتصدى لقضايا التجسس التى ظهرت خلال السنة الأولى من حكم الرئيس لاى تشينج-تى.
من الناحية العسكرية، أعلنت تايوان خطة واسعة لتحويل وحداتها إلى استخدام الطائرات بدون طيار بشكل رئيسى، مستلهمة من تجربة أوكرانيا فى الحرب ضد روسيا. تهدف تايوان إلى رفع إنتاج المسيّرات إلى 15 ألف وحدة شهريًا بحلول 2028، لكنها تعتمد على الدعم الصناعى من الولايات المتحدة لتقليل الاعتماد على سلاسل التوريد الصينية.
رابعًا: التحركات البحرية والصراع القانونى بين الصين واليابان
فى بحر الصين الشرقى، رصدت اليابان عمليات جوية صينية من حاملة الطائرات «لياونينج» بالقرب من جزر سينكاكو، فى تحرك هو الأول من نوعه فى تلك المنطقة. عبرت المجموعة الصينية مضيق مياكو وأجرت 90 عملية إقلاع وهبوط لطائراتها، بينما نفت الصين انتهاك أجواء اليابان ووصفت النشاط بأنه روتينى.
تتنازع الصين واليابان على منطقة أوكينوتورى، حيث تصنف الصين الجزيرة كمرجان لا يمنح اليابان حقوق المنطقة الاقتصادية الخالصة، مخالفًة بذلك تفسير اليابان لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. تعكس هذه المواقف استخدامًا انتقائيًا للقانون الدولى من قبل الصين، التى تسعى لتعزيز سيطرتها البرية عبر بناء جزر صناعية وفرض سيادتها بالقوة فى بحر الصين الجنوبى، فى تحدٍ واضح للحكم الدولى الصادر عام 2016.
تأتى هذه الأنشطة ضمن استراتيجية صينية لردع الوجود العسكرى الأمريكى واليابانى، خصوصًا فى نقاط حيوية للملاحة البحرية فى المنطقة.
خامسًا: كوريا الشمالية - تحديات عسكرية وتجسس
أطلقت كوريا الشمالية مدمرة جديدة فى حوض تشونغجين فى 21 مايو، لكنها تعرضت لحادث غرق جزئى، ما دفع كيم جونج أون لإعلان الحادث "جريمة" وفرض اعتقالات فورية. رغم ذلك، استمرت كوريا فى إطلاق صواريخ كروز فى 22 مايو لإظهار قوتها العسكرية.
كذلك، كشفت كوريا الجنوبية عن عمليات تجسس معقدة تشمل عملاء منشقين وجنودًا جنوب كوريين يعملون لصالح الشمال، حيث جُمعت معلومات عن قواعد سكرية وأجريت عمليات غسيل أموال عبر مواقع إلكترونية مرتبطة بشبكات هاكرز شمالية.
مجموعة هاكرز شمال كورية معروفة باسم "Lazarus Group" استولت على أكثر من 1.46 مليار دولار عبر سرقة عملات رقمية فى مارس 2025، ما يبرز التهديد السيبرانى الكبير الذى تشكله بيونج يانج.
سادسًا: كوريا الجنوبية – انتخابات وتوترات تجسس
تتجه كوريا الجنوبية إلى انتخابات رئاسية فى اليوم، 3 يونيو، مع ترجيح فوز لى جاي-ميونج من الحزب الديمقراطى، الذى يعد بتحسين العلاقات مع الصين وكوريا الشمالية واتباع سياسة دبلوماسية عملية.
تعرضت كوريا الجنوبية لتسريبات أمنية عسكرية إلى الصين عبر جندى له علاقات عائلية بالصين، تسربت خطط تدريبات مشتركة مع الولايات المتحدة، مما يعكس تحديات أمنية داخلية هامة.
على الصعيد البحرى، أعلنت الصين مناطق حظر إبحار مؤقتة فى بحر الأصفر، فى منطقة متنازع عليها مع كوريا الجنوبية، ما يزيد التوترات ويعكس سياسة الصين الرامية لمنع تحركات القوات الأمريكية والكورية الجنوبية.
سابعًا: جنوب شرق آسيا – الفلبين والصراع فى بحر الصين الجنوبي
فى 21 مايو، استخدمت الصين خفر سواحلها لتطبيق تكتيكات مضايقة ضد السفن الفلبينية فى منطقة Sandy Cay بجزر سبراتلى، مثل رش المياه وعرقلة الحركة، فى محاولة لإجبار الفلبين على تخفيف التعاون الأمنى مع الولايات المتحدة.
رفعت الصين علمها على الشعاب المرجانية المتنازع عليها واستخدمت قوات بحرية شبه عسكرية لتعزيز سيادتها بشكل غير مباشر، مع تجنب استخدام القوة المميتة لتجنب تصعيد الصراع.
تجرى الفلبين والولايات المتحدة تدريبات عسكرية مشتركة منتظمة تشمل تعزيز القدرات الصاروخية على جزر باتانيس، بهدف تأمين مضيق لوزون الاستراتيجى بين بحر الصين الجنوبى والمحيط الهادئ.
ثامنًا: روسيا والصين – دعم عسكرى وتقنى فى ظل الحرب الأوكرانية
اتهمت الاستخبارات الأوكرانية الصين بتزويد روسيا بمكونات عسكرية وصناعية حيوية، تصل إلى 80% من المكونات الإلكترونية لطائرات الدرون الروسية، إضافة إلى توريد مواد كيميائية متخصصة للصناعات الدفاعية الروسية.
نفت الصين توريد أسلحة قاتلة، موضحة أن ما تبيعه مواد «ثنائية الاستخدام» تخضع لضوابط صارمة. تحاول الصين موازنة دعمها لروسيا مع الحفاظ على علاقات تجارية قوية مع الغرب، لكن الاتحاد الأوروبى وصف الصين بأنها «داعم رئيسى» للحرب الروسية فى أوكرانيا.
تاسعًا: جنوب آسيا - تعزيز التعاون الثلاثى بين الصين وباكستان وأفغانستان
عقد وزير الخارجية الصينى وانغ يى اجتماعًا فى كابل مع نظرائه فى باكستان وأفغانستان، لمناقشة تعزيز التعاون الاقتصادى والأمنى. فى ظل الانسحاب الأمريكى من المنطقة، تسعى الصين إلى تعزيز نفوذها عبر مبادرة الحزام والطريق، خاصة فى مشاريع الطاقة والبنية التحتية.
تعمل الصين على مشروع خط أنابيب غاز يربط أفغانستان وباكستان، ويعتبر جزءًا من شبكة إقليمية تهدف لتحسين الأمن الاقتصادى فى المنطقة، وتقليل اعتماد باكستان على الاستيراد من الخليج.
ختامًا، تعكس هذه التطورات الأمنية والسياسية والاقتصادية فى آسيا والمحيط الهادئ وجنوب آسيا تصاعد التنافس بين القوى الكبرى (الولايات المتحدة، الصين، روسيا) وتأثيره المباشر على دول المنطقة، مع تصاعد فى أنشطة التجسس، والتحركات العسكرية، واستخدام التقنيات الحديثة مثل الطائرات بدون طيار والفضاء العسكرى. كما تظهر النزاعات البحرية وحروب دعم النفوذ الاقتصادى كسمات رئيسية لهذه المرحلة، مع بروز الصين كلاعب رئيسى يسعى لتوسيع هيمنته فى النظام العالمى الجديد.
ترجمة وتحرير: يارا حسن