حكم المحكمة الفيدرالية وتلجيم سياسات ترامب الجامحة - أيمن النحراوى - بوابة الشروق
الثلاثاء 3 يونيو 2025 9:00 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

حكم المحكمة الفيدرالية وتلجيم سياسات ترامب الجامحة

نشر فى : الأحد 1 يونيو 2025 - 7:55 م | آخر تحديث : الأحد 1 يونيو 2025 - 7:55 م

فى أسبوع واحد صدر فى الولايات المتحدة حكمان قضائيان جاءا بمثابة كبح جماح لسياسات الرئيس ترامب، الحكم الأول تضمن تأكيد المحكمة العليا الأمريكية أن أعضاء مجلس إدارة بنك الاحتياطى الفيدرالى يتمتعون بحماية أقوى من الإقالة من جانب الرئيس، باعتبار البنك كيان فريد فى نظامه القانونى والتنظيمى الذى يأتى ضمن تقليد تاريخى للقطاع المصرفى الأمريكى، وبذلك حصنت المحكمة أعضاءها من خطر الإقالة بواسطة الرئيس ترامب حال امتناعهم عن تنفيذ قراراته أو توجيهاته.
أما الحكم الثانى فقد أصدرته محكمة التجارة الدولية الأمريكية فى مانهاتن، ويقضى بإلغاء الرسوم الجمركية التى فرضها ترامب على كل السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة، معتبرة أن هذه الرسوم غير دستورية لأنها تتجاوز السلطات الممنوحة للرئيس، وتتجاوز قانون الصلاحيات الاقتصادية الدولية الطارئة لعام 1977 لإعلان حالة طوارئ وطنية تبرر الرسوم الجمركية الشاملة.
وأشار الحكم إلى أن المراسيم التى وقعها الرئيس ترامب فى أبريل الماضى وفرض بموجبها رسومًا جمركية غير مسبوقة لا تندرج ضمن السلطات التنفيذية الممنوحة للرئيس، بل تتعلق بصلاحيات حصرية للكونجرس فيما يخص السياسة التجارية الأمريكية.
وشدد الحكم على أن قانون الصلاحيات الاقتصادية الدولية الطارئة الدولية، صدر فى الأصل لتمكين الرئيس من اتخاذ تدابير محددة فى حالات استثنائية تتعلق بأمن الولايات المتحدة، وليس لتحويل القانون إلى أداة لتغيير السياسة التجارية الأمريكية بصورة شاملة.
هذا الحكم صدر بعد دعوتين رفعتا مؤخرًا من جانب تحالف يضم 12 ولاية أمريكية ومجموعة شركات أمريكية فى مواجهة الرئيس ترامب لإصداره مراسيم رئاسية بفرض رسوم جمركية بموجب قانون التدابير الطارئة، وأشار الحكم إلى أن الرسوم الجمركية الشاملة التى فرضها الرئيس ترامب تتجاوز سلطته فى تنظيم الواردات، وأن هذه الرسوم لم تعالج أى مشكلات باعتبار أن العجز التجارى الأمريكى هو عجز مزمن متراكم منذ أكثر من 50 عامًا، ولا يُشكل حالة طوارئ وطنية مفاجئة.
وأشارت المحكمة إلى أن ترامب يحتفظ بسلطة محدودة فقط لفرض رسوم جمركية لمعالجة العجز التجارى بموجب قانون آخر هو قانون التجارة لعام 1974 الذى يحدد الرسوم الجمركية بنسبة 15% ولمدة 150 يومًا فقط مع الدول التى تعانى الولايات المتحدة من عجز تجارى كبير معها وبصفة استثنائية.
• • •
الرئيس ترامب، وكرد فعل على الحكم الذى يقوض رؤيته ويقيد سياساته بشأن التجارة الخارجية الأمريكية مع العالم، أوعز على الفور لإدارته باستئناف الحكم أمام محكمة الاستئناف الفيدرالية الأمريكية، المتحدث باسم البيت الأبيض صرح بأنه ليس من شأن القضاة غير المنتخبين أن يقرروا كيفية التعامل مع حالة طوارئ وطنية بشكل صحيح، وأشار إلى أن الرئيس ترامب قد تعهد بوضع أمريكا أولًا وأن إدارته ملتزمة باستخدام كل ما لديها من سلطات تنفيذية لاستعادة عظمة أمريكا.
ورغم الاستياء الشديد من ترامب وإدارته عن الحكم الصادر فإنه قوبل بارتياح كبير فى العديد من الدول التى تأثرت سلبيًا من قرارات رسوم ترامب، وانعكس الحكم على الأسواق المالية حيث ارتفعت العقود الأمريكية الآجلة صباح اليوم التالى لصدور الحكم، وارتفعت أسعار النفط بأكثر من دولار واحد، كما ارتفع الدولار الأمريكى فى سوق صرف العملات مقابل الين واليورو، وارتفعت المؤشرات فى معظم البورصات العالمية.
أما الدول التى شرعت فى التفاوض مع الإدارة الأمريكية على الرسوم التجارية فقد أبدت ارتياحًا من جانبها للحكم، باعتباره يضعف إلى حد كبير الموقف التفاوضى لإدارة ترامب فى مواجهتها ولو مرحليًا، إلى أن تستنفد إدارة ترامب كل درجات التقاضى وصولًا إلى المحكمة العليا الأمريكية، ويفصل فى مسألة الرسوم الجمركية التى فرضتها إدارة ترامب بشكل نهائى.
خبراء الاقتصاد الدولى واللوجيستيات برغم اعتقادهم أن ذلك الحكم هو فرصة للشركات التجارية الدولية لالتقاط أنفاسها وإعادة ترتيب أمورها ولو مرحليًا، إلا أن حالة الاضطراب وعدم اليقين ما زالت قائمة، وما زالت الأسواق تعانى من تداعياتها، ويمتد هذا الاضطراب إلى شركات الاستيراد الأمريكية والتى يتعين عليها دفع الرسوم الجمركية عن بضائعها المستوردة إلى الموانئ الأمريكية، وحتى إلى داخل الأسواق الأمريكية نفسها.
بالرغم من أن الهيئات القضائية الأمريكية قد تكون قادرة مرحليًا على تلجيم السياسات الجامحة والقرارات الرئاسية التنفيذية للرئيس ترامب حال الحكم بعدم دستوريتها أو مخالفتها للقوانين، إلا أنه يجب تذكر أن السلطة التشريعية التى تسن هذه القوانين وهى الكونجرس الأمريكى هى فى الوقت الحالى فى قبضة الجمهوريين الذى يتمتعون بأغلبية ساحقة فى الكونجرس بمجلسيه، وبإمكانهم مساندة السلطة التنفيذية ممثلة فى الرئيس ترامب بإصدار التشريعات المتوافقة مع سياساته وتوجهاته.
• • •
الرئيس الأمريكى الذى يحاول علاج بعض الأمراض المزمنة للاقتصاد الأمريكى ومن أخطرها عجز الميزان التجارى الأمريكى الذى بلغ قرابة 1.3 تريليون دولار العام الماضى، يستخدم الرسوم الجمركية كسلاح تجارى فعال باعتبار الولايات المتحدة أكبر سوق فى العالم تسعى جميع الدول للتصدير إليه، ومن ثم يمكن فرضها كمقدمة لإعادة التفاوض التجارى وإعادة هيكلة الأمور لصالح الاقتصاد الأمريكى.
من جهة أخرى يعتبر ترامب الرسوم الجمركية سلاحا ذا بعد سياسى فى مواجهة الدول الأخرى، وفى مقدمتها الصين، وفى هذا الإطار هدد ترامب مجموعة بريكس التى تضم الهند والصين وروسيا والبرازيل، بأنه إذا حدث تداول لعملة مجموعة بريكس وأرادت تلك الدول العبث مع الدولار أو الانتقاص من مكانته الاقتصادية العالمية، فسيصدر قراره بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الأقل على صادرات تلك الدول إلى الولايات المتحدة مهما كانت النتائج والتداعيات.
القرارات التجارية المتوالية للرئيس ترامب، طوال الشهور الماضية، قد أحدثت موجات عارمة من الاضطراب وعدم الاستقرار فى كل الأسواق والبورصات العالمية وحتى داخل الأسواق الأمريكية نفسها، ورغم توجهه نحو تعليق تنفيذ بعض منها مع عدد من الدول، فإن توجهاته تلك ستؤدى حال استمرارها إلى تقويض واسع النطاق لقواعد حرية التجارة العالمية وستعزز التوجهات نحو سياسات الحماية التجارية.
الخطير فى الأمر أن العديد من تقارير صندوق النقد الدولى قد وصفت السياسات التجارية لإدارة ترامب أثناء فترة رئاسته الأولى بأنها أحد مهددات النمو الاقتصادى على مستوى العالم، برغم أنها كانت أقل وطأة مما يجرى الآن فى فترة رئاسته الثانية، والتى ما زال أمامها سنوات طويلة ستأتى حتمًا بالكثير مما يتوقعه العالم وما لا يتوقعه.

أستاذ ومستشار الاقتصاد الدولى واللوجيستيات

 

أيمن النحراوى  خبير اقتصاد النقل والتجارة الدولية واللوجيستيات
التعليقات