عن أى تدخل أمريكى تتحدثون - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 3:24 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن أى تدخل أمريكى تتحدثون

نشر فى : الأحد 1 يوليه 2012 - 9:25 ص | آخر تحديث : الأحد 1 يوليه 2012 - 9:25 ص

الفائز الشرعى «Legitimate Winner» كانت تلك هى كلمة السر داخل الإدارة الأمريكية فى أثناء تعاملها مع معضلة نتائج الانتخابات المصرية الرئاسية قبل إعلانها رسميا يوم الأحد الماضى.

 

وشهدت أروقة الإدارة الأمريكية وجهات نظر متناقضة بخصوص ما يجب عمله تجاه تطورات الأوضاع فى مصر. وفى الوقت الذى رغبت فيه وزارة الخارجية والبيت الأبيض أن يكون الرئيس المصرى الجديد معبرا عن نتائج صناديق الاقتراع فقط، لم تتمسك فى البداية وزارة الدفاع الأمريكية بحتمية هذا الموقف.

 

العلاقات المصرية الأمريكية متشعبة، وتحكمها مصالح وحسابات عديدة، ولذا لا تميل واشنطن إلى شخصنة علاقاتها المهمة والإستراتيجية مع مصر، أو اختزالها فى الرهان على فريق أو شخص ضد آخر. لذا شهدت واشنطن خلافات أيضا حول مضمون الرسالة التى يجب أن تصل للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد تأخير إعلان النتائج، والتى كان مفادها فى النهاية أن واشنطن وبقية العالم «تتوقع الإعلان عن اسم الفائز الشرعى فى الانتخابات المصرية»، مع التأكيد «بصورة لم يسمعها المسئولون المصريون من قبل» من خطورة «فرض مرشح لم يحصل على أغلبية الأصوات»، كما ذكر مصدر أمريكى.

 

 ويبدو أن هذا لم يرق للكثيرين فى القاهرة، فخرجت حملة شبه منظمة «تندد بالتدخل الأمريكى فى الشأن المصرى» على نمط ما كان يحدث إبان حكم الرئيس السابق حسنى مبارك.

 

ويرى خبراء واشنطن أن أسباب فوز الرئيس محمد مرسى بالرئاسة تتلخص فى ثلاث نقاط:

 

أولا: مشروع القرار الذى قدمه النائب المهندس حاتم عزام فى مجلس الشعب وتمت الموافقة عليه والخاص بتعديل انتخابات رئاسة الجمهورية ليتم الفرز فى اللجان الفرعية تحت إشراف قضائى، وتسليم نتيجة الفرز لمندوبى المرشحين.

 

ثانيا: ما أقدم عليه حزب الحرية والعدالة من إعلان النتائج بعد ساعات قليلة من إغلاق لجان التصويت، وأقدامه على نشر تفاصيل نتائج فرز اللجان الفرعية والعامة، وعرضها أمام الرأى العام المصرى والعالمى.

 

ثالثا: إبلاغ سفارات الدول الكبرى بمصر لحكوماتهم، ومن ضمنها السفارة الأمريكية، ترجيحهم صحة الأرقام التى نشرها حزب الحرية والعدالة.

 

ما يثار عن وجود صفقة سرية أشرفت عليها واشنطن للوصول لتسوية مرضية بين «المجلس العسكرى» و«جماعة الإخوان»، وعن ضغط واشنطن لفرض المرشح محمد مرسى هى من خيالات من صنع أصحابها.

 

ولمن لا يتذكر، فسجل واشنطن المرتبط بثورة 25 يناير شديد السوء، ولم يكن من مصلحة واشنطن حدوث تغيير فى مصر. ومع أول أيام الثورة ذكرت وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون «تقديرنا أن الحكومة المصرية مستقرة وأنها تبحث عن طرق للرد على المطالب المشروعة للشعب المصرى». وبعد ذلك بيومين أكد جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكى، «أن مبارك ليس ديكتاتورا، هو صديق للولايات المتحدة ويجب أن يبقى فى الحكم». وفى الخامس من فبراير أرسل أوباما مبعوثا خاصا هو فرانك ويزنر الذى عاد وأكد أنه من «المهم أن يبقى الرئيس مبارك على سدة الحكم خلال فترة انتقال ديمقراطى منضبطة». ولم تغير واشنطن موقفها إلا بعدما رأت أن جموع الشعب مصممة على إسقاط مبارك.

 

مخاوف واشنطن والعواصم الغربية من صعود قوى ذات مرجعيات إسلامية ليس محل جدال، ويرى دونالد ترامب، المرشح السابق للرئاسة عن الحزب الجمهورى، أن أوباما «خسر مصر» بوصول رئيس ذى مرجعية إسلامية. أما قناة فوكس الإخبارية فتساءلت: ألم يكن من الأفضل لأمريكا أن يكون الفريق أحمد شفيق رئيسا لمصر؟ النظم الديكتاتورية العربية، مثل نظام حكم مصر السابق، خدم بكفاءة منقطعة النظير مصالح واشنطن فى منطقة الشرق الأوسط، وفى حربها العالمية ضد الإرهاب. وليس هناك اليوم ما يضمن أن يقوم الرئيس المصرى المنتخب ديمقراطيا بالدور الذى قام به سلفه. ويرى الباحث أريك تراجر من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أن رئاسة محمد مرسى «ستشكل تحديا كبيرا لمصالح الولايات المتحدة الرئيسية فى المنطقة». فى حين ترى ميشيل دن من المجلس الأطلسى «أن إدارة أوباما لا تزال تعول على الجيش المصرى لتأمين مصالح الولايات المتحدة».

 

ويعد الكونجرس أكثر الجهات عداء لرئاسة محمد مرسى داخل واشنطن، وعبر بعض أعضائه مرارا عن القلق من جماعة الإخوان المسلمين، فقد ذكر السيناتور مارك كيرك ضرورة أن تقوم «الولايات المتحدة بما فى وسعها من أجل منع جماعة الإخوان المسلمين الراديكالية من الوصول لحكم مصر»، وقالت النائبة الجمهورية كاى جرانجر والنائبة الديمقراطية نيتا لوى، وهما من كبار قيادات لجنة المخصصات المالية فى مجلس النواب، إنهما لن يوافقا على منح مساعدات لمصر فى حالة وجود الإخوان المسلمين كجزء من حكومة فى مصر.

 

ورغم ما تبديه واشنطن من انفتاح كبير على جماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسى، إلا أن احتمال اختلاف توجهات رئاسة مرسى عن توجهات رئاسة مبارك فيما يتعلق بملفات السياسة الخارجية الأساسية خاصة مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية، ومستقبل العلاقات المصرية الإيرانية، والتعاون الأمنى والاستخباراتى بين واشنطن والقاهرة، يرفع من سقف القلق الأمريكى بشأن بوصلة السياسية الخارجية لمصر. وجاءت كلمات الرئيس محمد مرسى فى ميدان التحرير والتى تعهد فيها بالعمل على الإفراج عن الشيخ عمر عبدالرحمن، الذى يمضى عقوبة بالسجن مدى الحياة فى الولايات المتحدة إثر إدانته بأعمال إرهابية، لتمثل بداية القلق الأمريكى الحقيقى من رئاسة محمد مرسى.

 

واشنطن لم تتدخل فى اختيار رئيس مصر، ولم تساعد أو تشارك فى ترجيح كفة اسم مرشح أو فريق على آخر. والحقيقة هى أنها لا تستطيع ذلك إن أرادت! لقد نجحت ثورة مصر فى فرض معادلة جديدة أصبحت فيها جموع الشعب المصرى أهم لاعب فى الحياة السياسية الجديدة خلال هذه المرحلة الانتقالية التاريخية. مستقبل حكم مصر تقرره حوارى وقرى وشوارع مصر، وليس قاعات ودهاليز واشنطن. فاتورة الرئيس الجديد محمد مرسى خالية من أى ديون خارجية، وليس على الرئيس الجديد إلا دين كبير للشعب المصرى.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات