بالقرب من كتل النيران - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بالقرب من كتل النيران

نشر فى : الثلاثاء 1 نوفمبر 2016 - 10:40 م | آخر تحديث : الثلاثاء 1 نوفمبر 2016 - 10:40 م

بأى حساب ينظر إلى الحقائق الضاغطة فى مصر وما حولها لا يمكن استبعاد سيناريوهات مشابهة لما حدث فى بلدان عربية أخرى.
لا يحق لأحد إنكار الخطر حين يمثل ولا أن يقلل من آثاره لأزمان طويلة مقبلة تتعدى نظام الحكم الحالى إلى ما بعده.
غير أن ذلك لا يصلح تبريرا لفشل السياسات واحتقان المجال العام وغياب أية رؤية على قدر من التماسك والإقناع لتجاوز الأخطار المحدقة.
الإنكار حيث يجب التحسب مثل الإفراط فى إثارة الفزع لدواعى الاستهلاك الداخلى، فكلاهما حالة تجهيل بما قد يحدث غدا.
لم تكن تصريحات رئيس الوزراء «شريف اسماعيل» أمام مجلس النواب من أن «الاستقرار هو أهم شيء»، داعيا «أن ننظر حولنا لنرى ماذا حدث فى سوريا واليمن والعراق وليبيا» خروج عن الخطاب المعتمد من أعلى المراجع فى الدولة إلى أصغر الأدوار فى إعلام التعبئة.
هذا الخطاب استهلك نفسه ولم يعد قادرا على تبرير ما لا يبرر من فشل السياسات الاقتصادية وتسويغ ما لا يسوغ من تدهور فى مستويات الأداء العام.
فى برلمان لا يوجد فيه هامش معارضة يعتد بها، وائتلاف الأغلبية داخله يحمل اسم «دعم مصر» كصيغة معدلة من «دعم الدولة»، بدت لافتة المقاطعات الغاضبة لرئيس الوزراء، وهو يتحدث عن الإقليم وما يجرى فيه كحجة لطلب الاستقرار بغض النظر، عن طبيعة السياسات ومدى مسئوليتها عن الفشل.
هناك قضيتان استدعيتا المقاطعة بغضب، أولاهما ـ تدهور الأوضاع الاقتصادية فوق كل طاقة احتمال بأثر الانخفاض المتوالى لقيمة الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية والارتفاع المضطرد فى أسعار السلع الرئيسية فضلا عن غياب بعضها.. وثانيتهما ـ تدنى مستويات كفاءة الأداء العام فى إدارة الأزمات المقيمة والطارئة وآخرها السيول التى تضررت منها آلاف الأسر فى مناطق نائية وفقيرة.
لم تكن أزمة السيول جديدة أو فاجأت الدولة على غير توقع حتى ترجع العجز عن تخفيف فواتير الأضرار الفادحة إلى «التغير المناخى».
كفاءة الدول فى إدارة الأزمات تبدأ من توقعها ووضع الخطط الكفيلة بتخفيف أضرارها.
الإفراط فى التبرير نوع من الإقرار بالإخفاق.
القضية ليست فى تغيير الجياد، رئيس وزراء بدل آخر، بقدر ما هى تغيير السياسات التى ثبت فشلها.
جوهر الأزمة فى السياسات والخيارات وطريقة اختيار الوزراء واستبعاد كل ما له علاقة بالسياسة فى إسناد المناصب العامة، والنتيجة انكشاف لا نهاية له.
لا يوجد نص معروف لحركة إدارة الدولة ولا كتالوج مفهوم لصناعة القرار السياسى.
كل شىء يمضى على عواهنه، والعشوائية من أسباب تفاقم الأزمات.
لا الأمن بديل عن السياسة ولا التكنوقراط قادرون على ملء فراغها، وبعض السياسات المتبعة تفضى إلى الفوضى وتكاد تحرض عليها.
لا حياة طبيعية بلا أمن يحميها ولا اقتصاد نشط بلا استقرار يضمنه.
هذه بديهيات تتطلب الالتفات إلى بديهيات أخرى، فمجتمع يئن مواطنوه من الفاقة والعجز عن توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة اليومية وتتفشى فيه المظالم والاحتقانات السياسية يصعب عليه مواجهة كتل النيران التى قد تصل إليه.
باليقين (٢٠١٧) هو العام الذى سوف ترسم فيه خرائط القوة والنفوذ الجديدة بالإقليم، قد تنشأ دولة جديدة تضم أكراد سوريا والعراق، وقد تقسم العراق وسوريا إلى فيدراليات أو دويلات منفصلة.
الأمر نفسه قد يمتد إلى أزمتى ليبيا واليمن، وكلتاهما فى انتظار ما يحدث فى سوريا والعراق.
ولا يستبعد احتمال امتداد مشروعات التقسيم، والخطط معلنة وجاهزة وفق حقائق السلاح بعد معارك الموصل وحلب والرقة المنتظرة للإعلان عن نفسها، إلى السعودية ومصر.
أرجو أن نلتفت قبل فوات أى أوان أن اقتطاع أجزاء من سيناء ضمن الخطط الإسرائيلية المعلنة منذ فترة طويلة لحل أزمة غزة بكثافتها السكانية، ونقل صداع القضية الفلسطينية إلى أطراف عربية أخرى بدلا من أن تتخلى هى عن أية أراض محتلة وفق صيغة الدولتين.
من غير المستبعد عندما تبدأ لعبة إعادة رسم الخرائط، العودة إلى «البديل الأردنى»، والسعى لنوع من الدمج بين المملكة الهاشمية والدويلة السنية كمدخل جديد لنقل فلسطينيين إلى بعض أطلال العراق.
بقدر الانكشاف الداخلى فإن مصر تحت التهديد الفادح، وقد كان خطأ مروع الشروع فى تسليم جزيرتى «تيران» و«صنافير» للسعودية والنقل العملى للسيادة عليهما للقوات الإسرائيلية، فذلك تفريط فى صلب استراتيجية البحر الأحمر وقواعد الأمن القومى يغرى بانقضاض على مساحات أخرى من سيناء.
بالقرب من كتل النيران فى الإقليم فإن احتمالات أن تصل إلى هنا غير مستبعدة رغم أنها صعبة بالنظر إلى المجتمع المصرى المتجانس إلى حد كبير، الذى تغيب عنه أية انقسامات مذهبية أو عرقية شأن الدول التى تعرضت لانفجارات النار فى بنيتها.
ما هو صعب بالتكوين قد يخسر مناعته بالسياسة.
أمام كل الاحتمالات والسيناريوهات فإن الاستقرار لا يصح الطعن فى ضرورته وأهميته، فهو ضمانة لأمن المجتمع وسلامته فضلا عن أنه أساس أية قدرة على تنشيط الاقتصاد وضخ استثمارات فيه وجذب السائحين الأجانب من جديد.
كيف؟
هذا سؤال جوهرى لا تشجع السياسات الحالية على الثقة فى المستقبل المنظور.
الأزمة الاجتماعية مرشحة للتفاقم رغم إعلان ترشيد الإنفاق الحكومى والتوجه لفرض ضرائب تصاعدية.
كلما تأخرت الإجراءات التى تؤكد عدالة توزيع الأعباء تفقد أثرها.
الأزمات الاجتماعية المصدر الأول لأية عواصف قد تقوض استقرار المجتمع وسلامته والقضية تتجاوز مستقبل النظام، فهو شأن أى نظام آخر يأخذ وقته ويمضى، بينما الشعوب باقية.
عندما يقول نواب موالون أمام رئيس الوزراء «الناس بتشحت»، فمعناه أن الشرعية نفسها ضربت فى مقتل.
أمام أزمات الشرعية قد يجد البلد نفسه فى حالة انكشاف عند إعادة رسم خرائط الإقليم.
الأزمات السياسية مصدر آخر لأية عواصف تقوض أى استقرار، ولا يصلح معها انتحال الأعذار بما يحدث فى الإقليم.
مواجهة الأخطار تتطلب مجتمعا متماسكا، يدرك ما حوله دون فزع ويعمل على سد ثغراته بلا تباطؤ، وتوافقات وطنية بالحوار لا الإقصاء، وفق قواعد دولة القانون لا أشباح دولة الأمن، بإقرار القواعد الدستورية لا النيل من الحريات العامة.
الإرهاب الذى قد تتسع عملياته لا يتوقف عند طبيعة النظم، ديمقراطية أو غير ديمقراطية، عادلة أو غير عادلة، غير أن توفر قاعدتى الديمقراطية والعدل يقوى المجتمع فى مواجهته ويجعل من دحره الممكن الوحيد.
الاضطرابات الاجتماعية تحت وطأة الفقر المدقع لا تمنعها الإجراءات السياسية وحدها، غير أن حضور الأخيرة يحاصر التداعيات ويوفر فرص المشاركة السياسية على أوسع مدى وفق نص معروف لا تهويمات تحيل كل إخفاق إلى مؤامرة أو إلى ما يحدث فى الإقليم.