أتمنى من كل القائمين على مشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان أن يضعوا أمام أعينهم طوال الوقت تجربة مشروع توشكى، حتى لا نتفاجأ بعد بضع سنوات ــ لا قدر الله ــ أن التجربة تتكرر مرة أخرى.
كنت موجودا فى الفرافرة يوم الأربعاء الماضى، حينما أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى إشارة بدء استصلاح وزراعة ١.٥ مليون فدان. الجميع كان منبهرا، لسبب بسيط هو أن هناك إجماعا قوميا على أن الطريق الرئيسى لخروج مصر من أزمتها المستعصية هو الخروج من الوادى الضيق إلى رحاب الصحراء الفسيحة واستصلاحها وزراعتها.
هذا الكلام أسمعه شخصيا منذ وعيت وبدأت أفك الخط وأعرف القراءة والكتابة، ويتكرر كل يوم بطريقة رتيبة ومملة. حتى جاء اليوم الذى نرى فيه أملا حقيقيا للتطبيق على الأرض.
فى 9 يناير 1997 تم إطلاق مشروع توشكى لتوطين 16 مليون شخص وتوظيف 2.8 مليون فرصة عمل، وأنفقنا فيه نحو ستة مليارات جنيه بحساب تلك الأيام.. ومن يراجع ما قيل وكتب وقتها سوف يكتشف كلاما جميلا، ثم كانت النهاية المأساوية.
تعثر المشروع لأسباب متعددة منها وجود لوبى قرر أن يهدم كل إنجازات كمال الجنزورى ويسىء إليه حتى لو كان الثمن هو مصلحة البلاد.
جلست كثيرا إلى الدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء الأسبق، واستمعت إلى حلمه الدائم، وهو الخروج من الوادى والدلتا، وهو يعرف أرقام وبيانات هذا المشروع كما يعرف اسمه. وما يقوله الجنزورى يكرره معظم الخبراء والمختصين فى هذا المجال.
الحمد لله أننا بدأنا مرة أخرى تنفيذ هذا المشروع، والذى يتضمن استصلاح بعض المساحات فى نفس المكان القديم، أى توشكى.
السؤال الجوهرى: ما هى الخطوات الواجب اتخاذها حتى لا نتفاجأ لا قدر الله بعد سنوات بأننا نواجه نفس مصير توشكى القديمة؟!.
الخطوة الأولى: هى التأكد من سلامة كل الإجراءات والخطوات الخاصة بالمشروع، وأن نتأكد من سلامة وصحة دراسات الجدوى، والأهم أن نعرف حجم الأموال التى يفترض أن يتم ضخها فى المشروع، ومن أين ستأتى وبأى تكلفة؟!.
لكن الخطوة الأهم والأكبر هى أن تكون هناك جداول زمنية واضحة، وعملية تقييم مستمرة لكل خطوة من خطوات المشروع حتى لا نتفاجأ بأننا «نأكل البالوظة مرة أخرى!».
يحرص الرئيس السيسى دائما على القول إنه لا يريد الإعلان عن أى مشروع كبير إلا إذا كانت الخطوات العملية له قد بدأت. علينا أن نكون واقعيين دائما، وألا نبالغ مهما حدث، لأن ثمن ذلك سيكون فادحا، الأفضل أن نعلن الحقيقة دائما مهما كانت بسيطة.
هذا مهم، لكن أتصور أن موضوع استصلاح الأراضى يحتاج إلى عناية أكبر ودائمة وعملية لسبب بسيط أنه يقع فى نطاق أكثر من وزارة وهيئة وجهة، وبالتالى يسهل أن تتوزع المسئولية، وبالتالى يتهرب البعض منها.
ليس من واجب الرئيس أن يتابع بنفسه الخطوات التنفيذية والتفصيلية للمشروع. هذه مهمة جهات وهيئات أخرى داخل الوزارات والمؤسسات ذات الصلة.
يمكن مثلا أن ينشأ جهاز مستقل أو هيئة لها صلاحيات محددة لمتابعة إنجاز هذا المشروع والتأكد من التنفيذ فى المواعيد المحددة.
وتكون هذه الهيئة صاحبة القرار النهائى مثلا فى التعاقد مع المواطنين والمستثمرين الراغبين فى تملك الأرض وزراعتها. وأن نتأكد أن ما قرره رئيس الجمهورية بضرورة نسف الروتين قد تم تطبيقه على الأرض، لأننا تعلمنا أن معوقات الاستثمار لا تكون من الرئيس أو رئيس الوزراء أو الوزير بل من صغار الموظفين.
كل التوفيق للقائمين على تنفيذ هذا المشروع القومى، ونتمنى أن تستمر قوة الدفع القوية، حتى لا نصاب بالمرض المصرى الشهير والأصيل وهو «الحماس الزائد فى البداية ثم النوم الطويل».