من الخيال إلى الواقع.. كيف شكّل الخيال العلمى مستقبل التكنولوجيا؟ - صحافة عربية - بوابة الشروق
الأربعاء 24 ديسمبر 2025 10:39 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما تقييمك لمجموعة المنتخب المصري في كأس العالم برفقة بلجيكا وإيران ونيوزيلندا؟

من الخيال إلى الواقع.. كيف شكّل الخيال العلمى مستقبل التكنولوجيا؟

نشر فى : الأربعاء 24 ديسمبر 2025 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 24 ديسمبر 2025 - 8:16 م


لم يكن الخيال العلمى يومًا مجرد وسيلة للهروب من الواقع، بل شكّل على الدوام مختبرًا فكريًا يسبق العلم بخطوات، ويطرح أسئلة حول مستقبل الإنسان والتكنولوجيا. فمن صفحات الروايات إلى شاشات السينما، رسم أدب الخيال العلمى عوالم افتراضية يتخيل فيها كتّابه آلات تفكر، وروبوتات تتفاعل، وأجهزة اتصال تتجاوز حدود الزمان والمكان.
مع مرور الوقت، تحوّل الكثير من هذه الأفكار الخيالية إلى مشاريع علمية واقعية أعادت تشكيل حياتنا اليومية، من الهواتف الذكية والذكاء الاصطناعى إلى الواقع الافتراضى واستكشاف الفضاء.
على سبيل المثال، يُعد مسلسل نايت رايدر (Knight Rider) الذى عُرض فى الثمانينيات، أحد أبرز الأعمال التى جمعت بين الدراما والتكنولوجيا والخيال العلمى. وتدور أحداثه حول مايكل نايت، الشاب الذى يجوب الطرق لمكافحة الجريمة بمساعدة سيارته الذكية (KITT)، القادرة على القيادة الذاتية، والتحدث، واتخاذ القرارات.
فى ذلك الزمن، بدت السيارة التى تسير بمفردها وتفكر وتحلل محيطها فكرة خيالية تتجاوز الواقع، لكنها أسرت خيال المشاهدين وخلّفت فى ذاكرتهم صورة لمستقبل تقوده التكنولوجيا.
ولم تتوقف عناصر الخيال فى المسلسل عند السيارة الذكية فقط، بل امتدت إلى ساعة مايكل نايت، التى كانت وسيلة تواصل متقدمة تصدر الأوامر، وتتصل بالسيارة، وتحدد المواقع وتطلب المساعدة. آنذاك، كان بطل المسلسل يقدم تصورًا جريئًا لعلاقة تفاعلية بين الإنسان والآلة.
واليوم، ومع مرور عقود على عرض المسلسل، تحوّل كثير من هذا الخيال إلى واقع ملموس. فالسيارات ذاتية القيادة، والمساعدات الصوتية، والساعات الذكية القادرة على التواصل وإصدار الأوامر، لم تعد مشاهد تليفزيونية بل تقنيات نستخدمها يوميًا.
وبالمثل، تخيل فيلم رحلة إلى القمر عام 1902 ما سيصبح حقيقة بعد عقود. حيث كتب جول فيرن فى منتصف القرن التاسع عشر عن رحلة فضائية مأهولة واستكشاف المحيطات باستخدام الغواصات. وعلى الرغم من أن بعض تصاميمه لم تكن عملية تمامًا فإن أفكاره ألهمت العلماء والمخترعين لاحقًا لتطبيقها عمليًا.
ولا تقتصر مساهمة أفلام الخيال العلمى على التنبؤ بالتقنيات المستقبلية فحسب، بل تمتد أيضًا لتشكيل الرأى العام تجاهها. فتصوير سيناريوهات مستقبلية يغيّر طريقة إدراك المجتمع للتقنيات الجديدة وفوائدها ومخاطرها.
وفى الماضى القريب، كان عالم الخيال العلمى يبدو بعيد المنال، مليئًا بالأفكار الغريبة والتقنيات المتقدمة التى لا وجود لها إلا فى خيال المبدعين. لم نكن نعلم حينها أن العديد من هذه التنبؤات كانت لمحات من المستقبل تمهد الطريق للتطور التكنولوجى اللا محدود الذى نشهده اليوم.
ما يجعل الخيال العلمى فاعلًا فى التطور التكنولوجى ليس فقط سرد الأفكار المستقبلية، بل كونه حاضنة للإبداع. فالقصص والأفلام تخلق تصورًا بصريًا وفكريًا للأدوات والتقنيات المستقبلية، ما يتيح للعلماء والمهندسين القدرة على استلهام هذه التصورات وتحويلها إلى واقع ملموس.
من أفكار جول فيرن للغواصات إلى سيارات Knight Rider الذكية، يمر الخيال بمراحل: الإلهام، التصميم، البحث العلمى، وأخيرًا الابتكار الصناعى، ليصبح مثالًا حيًا على قدرة الأدب والسينما فى دفع عجلة التكنولوجيا وتحفيز العقل البشرى على تجاوز الحدود التقليدية.
وفى الختام ، يمكن القول إن الخيال العلمى ليس مجرد عالم من القصص والأفكار الغريبة، بل هو مصدر إلهام حقيقى يدفع حدود الممكن ويشكل مستقبلنا التكنولوجى. فمن خلال تصور آلات ذكية، روبوتات متفاعلة، وساعات متصلة بالإنترنت، وصولًا إلى إنترنت الأشياء، منحنا الخيال العلمى القدرة على تخيل ما وراء الواقع الحالى، ومن ثم تحويل هذه الرؤى إلى ابتكارات ملموسة تغير حياتنا اليومية.
وبينما نستفيد اليوم من تقنيات كانت فى السابق مجرد خيال، يظل السؤال قائمًا: أى من أفكار الخيال العلمى الحالية سيصبح جزءًا من عالم الغد؟ فالخيال العلمى يعلّمنا أن حدود المستقبل لا تحددها الإمكانيات الحالية، بل رؤية الإنسان وجرأته على الابتكار.
وبذلك، يظل الخيال العلمى أداة قوية ليس فقط للتنبؤ، بل لإلهام الإبداع وصنع المستقبل بأيدينا.


سمر ضو
جريدة النهار العربى اللبنانية

التعليقات