عن التضامن الغائب! - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 4:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن التضامن الغائب!

نشر فى : الأحد 2 فبراير 2014 - 8:15 ص | آخر تحديث : الأحد 2 فبراير 2014 - 8:15 ص

لماذا يندر فى مصر التضامن العلنى مع ضحايا انتهاكات الحقوق والحريات ومع المعارضين السلميين الذين يتعقبهم الحكم إما بالاغتيال المعنوى أو بالإجراءات المقيدة للدور العام وللتواجد فى الحياة السياسية؟ لماذا يغيب تضامن النخب السياسية والحزبية والإعلامية مع الضحايا والمتعقبين، وتبتعد عنهم كذلك قطاعات شعبية واسعة وتشارك فى الترويج للإفك وللتخوين وللتشويه الهادف لاغتيالهم معنويا وتصفية دورهم؟

هنا يمكن الإشارة إلى عدة أسباب، يتمثل أولها فى الخوف التقليدى للكثيرين داخل النخب السياسية والحزبية والإعلامية المصرية من خطر معارضة الحكم وقراراته أو من عواقب الابتعاد عن المؤسسات وشبكات المصالح النافذة به. والتضامن العلنى مع ضحايا الانتهاكات أو مع «المغضوب عليهم» من الكتاب والسياسيين والنشطاء إن لآرائهم أو لمواقفهم ــ يحمل ذلك فى طياته.

ويتعلق السبب الثانى بخشية الكثيرين داخل النخب السياسية والحزبية والإعلامية من أن يتبنوا من الآراء أو المواقف ما قد يتناقض كليا أو جزئيا مع الانطباعات السائدة بين قطاعات شعبية واسعة تؤثر فى وعيها «ماكينة التوجيه» التى يسيطر على مفاصلها الحكم والمؤسسات والشبكات النافذة به. والتضامن العلنى مع من تصنع الماكينة هذه بحقهم انطباعات زائفة من شاكلة تأييد العنف والسعى إلى هدم الدولة والخيانة والعمالة وغيرها يصبح هنا ممارسة محفوفة بالمخاطر أو سلوكا «ضارا» قد يؤدى إلى الاستهجان الشعبى وقد يأتى بالسلب على المصالح الشخصية (سياسية كانت أو حزبية أو مالية أو غيرها).

أما السبب الثالث فيرتبط بكون الكثيرين داخل النخب السياسية والحزبية والإعلامية قد قبلوا فى مراحل سبقت ٢٥ يناير ٢٠١١ وجددوا خلال السنوات الثلاث الماضية استتباعهم من قبل المؤسسات وشبكات المصالح النافذة فى الحكم. وكما يضمن الاستتباع للنخب الدور العام والمساحات «الآمنة» للفعل وللحركة والتى قد تمكن من قدر من معارضة سياسات وقرارات الحكم (عادة بهدف بناء بعض المصداقية الأخلاقية والحفاظ على شىء من الاستقلالية)، فإنه يحدد أيضا الخطوط الحمراء التى لا ينبغى الاقتراب منها وقضايا «التابو السياسى» التى يتعين إما عدم التعامل معها أو تناولها وفقا لرؤية وموقف أحادى. هنا يشكل التضامن العلنى مع الضحايا والمعارضين والمغضوب عليهم من قبل الحكم اقترابا خطيرا من «تابو سياسى» يفضل تجاهله، أو تناوله بصيغة «يستحق هؤلاء من دعاة العنف والمخربين والمأجورين والعملاء ما يجرى لهم» التى يروج لها داخل النخب السياسية والحزبية والإعلامية أبواق المؤسسات والشبكات النافذة والذين لا تعنيهم لا مصداقية أخلاقية ولا استقلالية.

وقد تصل بنا محاولة فهم أسباب غياب التضامن أو ندرته إلى سبب رابع، الشك التقليدى لقطاعات شعبية واسعة فى مصر فى نوايا / أهداف / مطامح / مصالح معارضى الحكم ومؤسساته وشبكاته. فلم تختلف نظم حكم المتعاقبة منذ خمسينيات القرن الماضى وإلى ثورة يناير ٢٠١١ فى تخوينها وتشويهها الجماعى والمستمر لضحاياها ومعارضيها (المتناقضين فيما بينهم) إما كغير وطنيين وإما متآمرين مع الخارج وإما باحثين عن مصالح شخصية، ولم يبتعد لا المجلس العسكرى ولا حكم الدكتور محمد مرسى ولا الترتيبات الراهنة عن هذا التوجه المريض أخلاقيا وإنسانيا والمفيد سياسيا (خاصة على المدى الزمنى القصير).

والحصيلة هى شك تقليدى لدى الناس فى الضحايا والمعارضين ونواياهم وأهدافهم واستعداد حاضر لتصديق الإفك المتداول عنهم وتجاهل محدودية صدقيته، والحصيلة هى عزلة الضحايا والمعارضين عن القطاعات الشعبية وندرة التضامن العام معهم تماما كما يندر أن تتضامن معهم النخب السياسية والحزبية والإعلامية.

غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات