مناهضو النسوية.. لمَ الخوف من توقّف النساء عن كونهن ربات منازل؟ - مواقع عربية - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 5:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مناهضو النسوية.. لمَ الخوف من توقّف النساء عن كونهن ربات منازل؟

نشر فى : الأربعاء 2 أغسطس 2023 - 7:30 م | آخر تحديث : الأربعاء 2 أغسطس 2023 - 7:30 م

نشر موقع درج مقالا للكاتبة مناهل السهوى، تناولت فيه أسباب اتخاذ بعض النساء قرار الانفصال عن الزوج، فالأمر لا يقف عند حدود قدراتهن على الاستقلال المادى والاعتماد على ذواتهن بل إن السبب الحقيقى هو تجاهل الشريك لمسئوليته فى أداء الأعمال المنزلية بجانب الزوجة. لذا دعت الكاتبة إلى سن قوانين تجعل العمل المنزلى مأجورا مع القضاء على الأفكار النمطية المشوهة التى تسخر من مشاركة الرجل لزوجته فى الأعمال المنزلية.. نعرض من المقال ما يلى.
حين سئلنا عن عمل أمهاتنا فى صغرنا، قلنا بثقة «ربة منزل»، لكن يصادف أن يكون هذا العمل غير مأجورٍ وبدوام لا ينتهى ليلا أو نهارا، ولكنه بقى عمل أمهاتنا حتى لو عملن خارج المنزل كذلك. عاشت كثيرات من النساء نوعا من «العبودية» داخل المنزل، كونهن ربات منازل، مجبرات على خدمة أطفالهن وأزواجهن من دون توقف، والقيام بالأعمال المنزلية المنهكة والشاقة حتى خلال مرضهن، والتى غالبا لا يشاركهن فيها أزواجهن، إذ ينظرون إلى هذه الأعمال كلها كجزء طبيعى من حياة النساء. تقول فريدان فى كتابها «الغموض الأنثوى»: «النساء اللواتى يتأقلمن كربات بيوت، اللواتى يكبرن ويردن أن يصبحن مجرد ربة منزل، يتعرضن لخطر كبير، مثل الملايين الذين ساروا حتى الموت فى معسكرات الاعتقال، إنهن يعانين من موت العقل والروح البطىء».
تتحدث فريدان فى كتابها «الغموض الأنثوى» الذى نشر أول مرة عام 1963 عن الافتراض المجتمعى بأن المرأة يمكن أن تجد الإشباع النفسى من خلال الأعمال المنزلية والزواج والسلبية الجنسية وتربية الأطفال وحدها، ببساطة اعتُقِد أن النساء أوجدن إشباعا كاملا ضمن فضاء الأسرة، ومع ذلك، أشارت فريدان إلى أن كثيرات من ربات البيوت غير راضيات عن حياتهن، ولكنهن يجدن صعوبة فى التعبير عن مشاعرهن.
بالنظر إلى العائلات العربية التى نعرفها أو انحدرنا منها، سنتذكر نماذج قليلة لعائلات يشارك فيها الزوجان بالأعمال المنزلية، وسنذكر أيضا نماذج لرجال تعرضوا للسخرية لأنهم شاركوا فى التنظيف أو لأنهم ماهرون فى طبخ وجبة ما. لا يزال التقسيم الجنسانى للعمل المنزلى مصدر توتر، ولا يزال يُعتقد على نطاق واسع، أن مساعدة الرجل للمرأة فى المنزل هى تنازل منه أو إحسان تجاه زوجته فى أفضل الأحوال، وفى حين تسعى النسوية إلى الضغط على الحكومات لتحويل العمل المنزلى إلى عمل مأجور، لا يزال يُنظر عربيا وبشكل واسع على أن العمل المنزلى جزء من هوية المرأة، بينما يغيب الرجل عن الكثير من هذه المهام كونها «أعمال النساء».
تواجه المرأة العربية تحديا دائما لتكون ربة أسرة جيدة، والتى تتضمن الكثير من المهام، كتربية أطفالها وتعليمهم والعناية بزوجها ومنزلها، وفى بعض المجتمعات هناك مهام إضافية كإعداد المؤن الذى يستلزم العمل عليها الكثير من الجهد والوقت. لا تذكر هذه المتطلبات دور الرجل، فالمرأة هى المعنية الوحيدة بجميع الأعمال المنزلية، والتى ما زالت تُعتبر فى كل البلاد العربية أعمالا غير مأجورة، لا بل يمكن أن تحاسَب المرأة فى حال قصّرت فى أداء واجباتها سواء بممارسة العنف الزوجى أو الإقصاء المجتمعى والتوبيخ واللوم.
• • •
فى عشرينيات القرن الماضى، أوجد مؤسس الأنثروبولوجيا الاجتماعية الإنجليزى ببرونيسلاف مالينوفسكى، مصطلح الأسرة النواة، وهى مؤسسة تحتوى على ذكر وأنثى بالغين وطفل واحد على الأقل، وهى الخلية الأولى للمجتمع. يجادل بعض العلماء بأن الأسرة النواة ليست مؤسسة بشرية طبيعية أو حتمية، بل هى نتاج لظروف تاريخية وثقافية محددة. اختلفت أشكال الأسرة فى المجتمعات اعتمادا على الأحداث الاجتماعية الأوسع.
على سبيل المثال، فى العالم العربى، تغيرت أنماط الأسرة وتحولت من الأسرة الممتدة، والتى تحوى أكثر من جيل، إلى الأسرة النواة، لكن مع ذلك وفى كثير من المناطق الريفية والفقيرة، لا تزال الأسرة الممتدة هى عماد الحياة، إذ تتشارك العائلات علاقات واسعة مثل الأجداد والعمات والأعمام.
مع اختلاف نمط الحياة وصعود الرأسمالية والتغييرات الديموغرافية، كانت هناك توقعات بتغيير تقسيم العمل المنزلى، كنتيجة لتغيير شكل الأسرة وطرق حصولها على المال للعيش، وبعد انخراط أعداد أكبر من النساء العربيات فى ميدان العمل، كان متوقعا أن تزيد مشاركة الرجال فى الأعمال المنزلية، لكن لم يؤخذ الأمر بشكل جدى، ولا تزال النساء يتحملن أعباء العمل المنزلى المضنى إلى جانب عملهن فى الخارج، بالإضافة إلى تربية الأطفال، لا بل رسخت قيم العلاقات الأسرية التقليدية الدور النمطى للنساء وكرّستها فى الأنظمة العربية القانونية والاجتماعية والاقتصادية، معتمدة فى الكثير من تشريعاتها على الدين الإسلامى.
أثّرت الحركة النسوية على بنية الأسرة والقوانين المتعلقة بها، بدرجات مختلفة فى البلدان العربية والغربية، ومع استشعار النظام البطريركى هذا التأثير الطفيف على النساء، راح يصدّر ادعاءاتٍ بخطورة النسوية على القيم الأسرية، وبأنها موجّهة لتفكيك الخلية الاجتماعية الأولى، ما سيؤثر على المجتمع بكامله، وهنا يوحى المعارضون بأن النساء والأطفال يعيشون آمنين، متمتعين بحقوقهم فى الأسرة، يكفى أن تتصفح بعض المواقع الإلكترونية والمقالات لتطالعك عبارات كثيرة جاهزة تربط بين تدمير الأسرة والنسوية.
فتحت النسوية فى المنطقة العربية باب النقاش حول الانتهاكات الحاصلة للمرأة داخل الأسرة، وهو ما يهدد صورة العائلة كالمكان الأكثر أمانا للنساء، لطالما روّج للأسرة العربية كمملكة للمرأة، لكن النسوية تقول العكس، أى أن النساء العربيات لسن سعيدات بالضرورة داخل الأسرة، وهن يدركن أو لا يدركن أن حقوقهن مهضومة داخل هذه المؤسسة. تعيش المرأة صراعا ضد الهوية المفروضة عليها داخل الأسرة، فعدم تكريس نفسها للأسرة قد يهدد وجودها داخل هذه المؤسسة، إذ يرتبط وجودها بجودة الأعمال المنزلة والخدمات المقدمة للأسرة. تكمن المعضلة فى أن مفهوم ربة المنزل بات متغلغلا فى وعى النساء، إذ تصدق الكثيرات أن الطبخ والتنظيف ورعاية الأطفال هى من واجباتهن الفطرية، وهو ما يعزز الظلم الواقع عليهن.
• • •
تخشى البطريركية استغناء النساء عن شركائهم الذكور داخل الأسرة، بخاصة أن كثيرات من النساء والفتيات حصلن على استقلالهن المادى، ما زاد من فرصهن فى التخلص من الصعوبات والظلم الذى يواجهنه داخل الأسرة.
فى كتابها «النسوية والعائلة»، ترى جينيفر سومرفيل أن هناك احتمالا لاستغناء النساء عن شركائهن الذكور، بخاصة وأن كثرا منهم غير مناسبين، وبدلا من ذلك يحصلن على شعورهن بالرضا من أطفالهن، ما يعنى أنه وبدل أن تذهب المرأة إلى العمل وتعود إلى المنزل لرعاية أطفالها وزوجها، فهى قادرة على الاستغناء عن الزوج والاهتمام فقط بالأطفال، وسيكون ذلك مريحا لها بالفعل.
بحسب سومرفيل، لا تزال المشكلة تكمن فى عدم قدرة الرجال على تحمّل مسئوليتهم فى العلاقات، ما يعنى أن المعدلات العالية لانهيار العلاقات ستظل هى القاعدة التى ستؤدى إلى علاقات أسرية أكثر تعقيدا، بحيث تنهى المرأة علاقة وتحاول إعادة بناء علاقة أخرى.
لذلك، ترى سومرفيل أنه يتعين على النسويات التركيز على السياسات التى من شأنها تشجيع قدر أكبر من المساواة داخل العلاقات، ومساعدة النساء على التعامل مع الجوانب العملية للحياة اليومية. على سبيل المثال، فإن إحدى السياسات التى تجد سومرفيل أنها مهمة، هى تلك التى تهدف إلى مساعدة الآباء العاملين، إذ لا تتوافق ساعات العمل والثقافة المرتبطة بالكثير من الوظائف مع الحياة الأسرية، كون وظائف كثيرة تقوم على فكرة العائل الذكر الذى يعتمد على الزوجة غير العاملة لرعاية الأطفال. لكن للأسف، لا تزال سياسات معظم الدول قاصرة فى هذا المجال، إذ لا قوانين تحث الرجال على مشاركة النساء فى الأعمال المنزلية، ولا يزال العمل المنزلى المأجور حلما بعيدا.
لن تستغنى النساء عن أزواجهن لأن النسوية «لعبت بعقولهن» كما يروَّج، بل لإدراكهن أنهن قادرات على عيش حياة أقل خوف وتعب، وبخاصة فى ظل تجاهل الشريك الرجل مسئوليته فى المنزل، لكن هذا لا يعنى أيضا أن الأسرة ستختفى وأنه هو الحل. فبحسب سومرفيل، تشير الأرقام العالية للزواج من جديد، إلى أن الانجذاب الجنسى المغاير والحاجة إلى العلاقة الحميمة والرفقة يعنيان أن العائلات من جنسين مختلفين لن تختفى، لكن يبدو أن متطلبات النساء فى هذا الشكل من العلاقات باتت مختلفة.
النص الأصلى

التعليقات