أسئلة الجامعات الأهلية - محمد علاء عبد المنعم - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أسئلة الجامعات الأهلية

نشر فى : الخميس 2 ديسمبر 2021 - 9:05 م | آخر تحديث : الخميس 2 ديسمبر 2021 - 9:05 م

 

صرح الدكتور مصطفى مدبولى منذ أيام أن الحكومة لديها خطة للتوسع فى الجامعات الأهلية، وأن هذا التوسع سوف يمثل طفرة غير مسبوقة فى التعليم العالى بما يتيحه من فرص للتعليم المتميز، وهذه الجامعات غير هادفة للربح، حيث يعاد ضخ المصروفات الدراسية فى ميزانية الجامعة.
وقبل هذا التصريح بأيام أخرى، أعلن مجلس الوزراء الموافقة على مشروع قرار بتخفيض وترشيد الإنفاق الحكومى للجهات الداخلة فى الموازنة العامة للدولة، ويشمل هذا القرار تقليص إنفاق الجامعات الحكومية، بما فيه الإنفاق على المؤتمرات العلمية أو المساهمة فى تكاليف سفر أعضاء هيئات التدريس للمشاركة فى مؤتمرات دولية. وبين هذين الخبرين، تستمر حالة الجدل فى الأوساط السياسية وبين المهتمين بالعمل الأكاديمى حول مستقبل التعليم العالى فى مصر.
•••
يؤسس المعارضون للتوسع فى إنشاء الجامعات الأهلية رأيهم على رفض التكلفة الباهظة لإنشاء هذه الجامعات، خاصة مع عدم وجود عائد مادى أو تعليمى واضح، فقد أشار وزير التعليم العالى أن الحكومة استثمرت أكثر من 40 مليار جنيه فى الجامعات الأهلية الأربع التى تم إنشاؤها حتى الآن، وهى جامعات الملك سلمان الدولية والجلالة والعلمين الدولية والمنصورة الجديدة، ومن غير الواضح كيف تستقطع الحكومة عدة ملايين من الجنيهات من الميزانيات البحثية للجامعات الحكومية الـ27، بينما لا تبخل بعدة مليارات لإنشاء جامعات أهلية، فى وقت يتجه فيه الاقتصاد العالمى إلى موجة تضخمية مؤكدة لن تُستثنى مصر من تبعاتها.
وقد أكد وزير التعليم العالى نصا أن الدولة لا تنتظر تعويض استثماراتها فى إنشاء الجامعات الخاصة، وأن الغرض من مصروفات هذه الجامعات هو ضمان استمرارية ونجاح المشروع، وليس تعويض رأس المال، «ولا بعد عشرات السنين».
كما تشير الأصوات المعارضة إلى مشكلة تكافؤ الفرص، حيث يخشى المعارضون من تحول الإنفاق الحكومى جهة الجامعات الأهلية على حساب الجامعات الحكومية التى تمثل إحدى الفرص القليلة المتاحة للحراك الاجتماعى فى مصر.
كما يخشى المعارضون أن تنافس الجامعات الأهلية الجديدة الجامعات الخاصة فى اجتذاب الطلاب والطالبات، وتسحب من الجامعات الحكومية أعضاء هيئات التدريس المتميزين.
والواقع أن تعدد وتنوع الجامعات فى حد ذاته أمر إيجابى، بما فى ذلك التنافس بينهم على اجتذاب الطلبة وأعضاء هيئات التدريس، خاصة مع ما أشار إليه وزير التعليم العالى من قيام هذه الجامعات بطرح برامج جديدة يحتاجها سوق العمل، وأنها قادرة على تأهيل جيل جديد قادر على التعامل مع احتياجات العصر، كما أنها قادرة على اجتذاب أموال المصريين التى يتم إنفاقها على التعليم خارج مصر، مع عدم التضحية بالعدالة الاجتماعية بالنظر إلى المنح التى توفرها للمتفوقين لكى يلتحقوا بالدراسة بها.
لذا يجب علينا أن نطرح أسئلة تسهم فى إثارة مناقشة موضوعية حول قضية الجامعات الأهلية. السؤال الأهم الذى سمعته من عدد من الداعين إلى التريث فى إنشاء جامعات أهلية جديدة هو قضية التمويل، وهل توجد جدوى اقتصادية من إنشائها، سواء فيما يتعلق بالطلب على خدماتها أو وجود احتياجات حقيقية فى سوق العمل لخريجيها وخريجاتها تسهم فى إحداث نهضة اقتصادية على المستويين المتوسط وطويل الأجل تبرر ما يتم إنفاقه عليها؟
فالنموذج الحالى للتوسع فى إنشاء الجامعات الأهلية هو قيام جامعة حكومية بتخصيص الأرض بينما تتحمل الدولة تكاليف البناء، والذى تبلغ تكلفته فى المتوسط حوالى 10 مليارات جنيه للجامعة الواحدة وفق تصريحات السيد وزير التعليم العالى، ومن الطبيعى أن يطلب المهتمون تبريرا لهذا الإنفاق.
•••
لا شك أن الاستثمار فى التعليم العالى والبحث العلمى أمر ضرورى، فهو قضية تتعلق بنهضة الأمم، ولا يمكن تقديره بالجوانب المادية وحدها.
لذا تركز أسئلتى على جوانب الحوكمة، خاصة المتعلقة بإمكانيات وحرية البحث العلمى، وكيفية قياس ما حققته هذه الجامعات من حيث الإسهام العلمى ومستوى الخريجين والخريجات.
فى أحد التقسيمات للجامعات بالولايات المتحدة الأمريكية، نجد أن بعض الجامعات يكون معتمدا بشكل شبه كامل على المصروفات الدراسية tuition dependent، وهذا النوع من الجامعات فى الغالب لا يحظى بترتيب متقدم بين الجامعات الأمريكية، حيث ينصب غالبية وقت الأساتذة فى هذه الجامعات على التدريس، ويكون العبء التدريسى فى حدود ثلاثة مقررات فى الفصل الدراسى الواحد، وبالتالى لا يتاح أمام الأستاذ الجامعى الوقت الكافى للتركيز على البحث العلمى، كما أن عددا من هذه الجامعات ليس لديها برامج للدراسات العليا، ومن ثم لا يوجد عدد كاف من الباحثين لمساعدة الأساتذة على القيام بأبحاثهم، مما يقلل الإسهام العلمى لهذه الجامعات.
النوع الآخر من الجامعات هى الجامعات البحثية، ومن أبرزها الجامعات العظمى على مستوى العالم مثل هارفارد وبرينستون ويال، وهذه الجامعات لا تعتمد على المصروفات الدراسية، وبعضها لديه وقفيات بمليارات الدولارات، مثل جامعة هارفارد التى تبلغ قيمة وقفيتها ما يزيد على 53 مليار دولار، الأمر الذى مكنها من تقديم منح دراسية قيمتها 597 مليون دولار فى عام 2021 وحده، ومن ثم فإن هذه الجامعات ليست فقط قادرة على اجتذاب أفضل الأساتذة والباحثين للتدريس بها، ولكنها أيضا قادرة على اجتذاب طلبة دراسات عليا متميزين من مختلف أنحاء العالم بما يثرى العملية البحثية.
ومن هنا فإن أول أسئلتى هو: هل ستكون جامعاتنا الأهلية معتمدة على المصروفات tuition dependent أم بحثية؟ وهل ستكون قادرة على تمويل أنشطتها البحثية ذاتيا وإنشاء برامج متميزة للدراسات العليا؟
سؤالى الثانى عن الحرية الأكاديمية، والذى يرتبط فى الأكاديميات الغربية بما يعرف بنظام التثبيت فى العمل الجامعى tenure system، ويقوم هذا النظام على تعيين عضو هيئة التدريس لفترة مؤقتة، فى الغالب خمسة أعوام، يكون عليه خلالها أن يقوم بأبحاث ذات قيمة علمية والحصول على تمويل لهذه الأبحاث، بحيث يتم الحكم على أدائه بعدها ومنحه التثبيت tenure على هذا الأساس، وهو ما يعنى أنه من وقتها يكون غير قابل للعزل، وهو النظام الذى يشجع على البحث العلمى أولا ويضمن الحرية الأكاديمية، ثانيا من خلال تحصين عضو هيئة التدريس من العزل من منصبه بسبب توجهاته البحثية ما لم تشمل سلوكياته مخالفات أخلاقية جسيمة.
سؤالى الثالث حول قياس الإسهام العلمى، ومساءلة إدارة الجامعة عما تم إنجازه خلال فترة زمنية محددة، مع إتاحة الفرصة لمجلس الأمناء للحصول على معلومات دقيقة عن أداء الجامعة.
سؤالى الأخير، والأصعب فى الإجابة عليه، هو قياس الأثر، وكيف نعلم خلال خمسة أو عشرة أعوام من الآن ما إذا كانت هذه الجامعات قد حققت نتائج ذات أثر على الأداء الاقتصادى وسوق العمل وإسهام مصر فى التقدم العلمى العالمى.

محمد علاء عبد المنعم عضو هيئة التدريس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة
التعليقات