لبنان 2022: انتخابات رئاسية أم «طائف جديد» أولا؟ - مواقع عربية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 4:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لبنان 2022: انتخابات رئاسية أم «طائف جديد» أولا؟

نشر فى : الإثنين 3 يناير 2022 - 9:40 م | آخر تحديث : الإثنين 3 يناير 2022 - 9:40 م
نشر موقع 180 مقالا للكاتب حسين أيوب، قام فيه بتحليل المشهد اللبنانى بشكل معمق فى ظل بدء العد العكسى لانتهاء رئاسة ميشال عون... نعرض منه ما يلى.
تأتى السنة الجديدة عنوانا للهزيمة. هزيمة الذات اللبنانية. ارتكبت جرائم كثيرة فى لبنان، قديما وحديثا، لكن جريمة أكبر من تلك التى طالت شعبا بأكمله، بحرمانه من ودائعه، لم تحصل قبلا. الأفدح من ذلك، تحويل هذا الشعب إلى مجرد قطيع يستجدى زعيمه. لم يعد ينشد وظيفة ولا رتبة ولا راتبا. صار يطلب كسرة خبز ثم يُسبّح بحمد من أعطاه إياها ولا يتردد فى بذل المهج وخوض اللجج لأجله!
مقدمة لا بد منها، لكن عودٌ على بدء. ماذا ينتظر لبنان فى 2022؟
أولا، لنقل إن العد العكسى لانتهاء ولاية ميشال عون قد بدأ. كل ما عدا ذلك يندرج فى خانة التفاصيل. ما كان يمكن أن يقوله أو يفعله ميشال عون فى سنوات عهده الأولى بات مختلفا عما يمكن أن يقوله اليوم أو فى الأسابيع والأشهر الأخيرة من عهده. تبدّلت الأوزان والحسابات. تأمل «الجنرال» كثيرا قبل بلوغ قدميه عتبة قصر بعبدا، لكنه لحظة وصوله، قرر أن يُلغى نفسه. صار جبران باسيل هو الرئيس الفعلى، وصار «الجنرال» جنديا فى معركة تولية رئاسة الجمهورية لصهره. من حق الرجلين أن يحاولا ولا أحد يجادلهما فى حدود طموحاتهما.
لكن من يُدقّق فى مجريات السنوات الثلاث الأولى من عمر عون الرئاسى (2016ــ2019)، يجد أنها كانت حافلة بالتناقضات. صفقة مع تيار المستقبل أعقبتها تنازلات من سعد الحريرى لا تُحصى ولا تُعد من جهة؛ انفراط عقد «تفاهم معراب» مع القوات من جهة ثانية؛ اللعب على حبال «تفاهم مار مخايل» مع حزب الله من جهة ثالثة.
عمليا، اختل التوازن الوطنى لمصلحة الموقع المارونى الأول. كانت الفرصة العونية موجودة. هناك من ضيّعها. ليحكم التاريخ عمن يتحمل المسئوليات. هذا الرجل الذى كان حاضرا فى ثنايا التاريخ اللبنانى طوال أربعين سنة انقضت، يستعد لتقاعد مجبول بغصة كبيرة: وريثه الحزبى ــ السياسى متوفر، أما وريثه الرئاسى، فتلك قصة مختلفة كليا، ولا يبدو أن الوريث يملك فرصة حد أدنى.. رئاسيا، لا بمعطيات الداخل ولا الخارج حتما.
هل يعنى ذلك أن لبنان ذاهبٌ حتما إلى الفراغ الرئاسى؟
لعل أحد أبرز أسباب توتر رئيس «التيار الوطنى الحر» من حزب الله هو عدم حصوله على بطاقة رئاسية مسبقة الدفع من السيد حسن نصرالله. يسرى ذلك على رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذى كان يُمنى نفسه بمثل هذه البطاقة منذ سنوات. لن «يُورط» حزب الله نفسه بالتزام مسبق يؤدى إلى تعطيل البلد المأزوم أصلا. يَتركُ أبواب الأخذ والرد مفتوحة تحت سقف «الفيتو» الذى لا عودة عنه على مرشح مارونى وحيد (لا يحتاج الأمر إلى كبير جهد لمعرفة من المقصود بهذه الإشارة)، بمعزل عن حسابات الأكثرية والأقلية.. إلا إذا تكرر سيناريو الحرب الإقليمية وانتهى بحزب الله وقيادته محملين على السفن، كما حصل مع منظمة التحرير الفلسطينية فى العام 1982!
إذا، لا بد من تسوية رئاسية، وهذا هو جوهر الانسداد السياسى. هل تسبق هذه التسوية الانتخابات النيابية أم تليها وماذا إذا لم تجرِ الانتخابات التشريعية فى مايو، وهو احتمال ضعيف جدا، هل سيُطل علينا من يُبرر التمديد الرئاسى فى نهاية أكتوبر المقبل وهل يمكن أن يبادر رئيس الجمهورية إلى خلط الأوراق باستقالته قبل نهاية ولايته؟
الفراغ الرئاسى، بمعزل عن توقيته، سيستدرج لبنان إلى ما يسمى «الطائف الجديد» أو «العقد الاجتماعى» أو «المؤتمر التأسيسى». ثمة جهات دولية بدأت تناقش الخيارات والسيناريوهات المتاحة، تلاقيها جهات سياسية وحزبية لبنانية وازنة فتحت دفاترها وبدأت تجرى تمرينات حول الصيغة التى يحتاجها لبنان. أكثر من دوحة وأقل من طائف أم أبعد من الاثنين معا بالذهاب إلى المثالثة وهل يمكن أن يكون المؤتمر المقبل على شاكلة مؤتمر الدوحة (2008)، فيُحدّد للبنان هوية رئيسه المقبل والتقسيمات الانتخابية التى ستجرى على أساسها انتخابات العام 2026؟
***
ثانيا؛ الانتخابات النيابية ستجرى بقوة معطيات الخارج وإحراجات الداخل، فى 15 مايو المقبل. المرسوم سيصدر عن وزير الداخلية فى شهر يناير الجارى، وتستمر الهيئة المستقلة السابقة للانتخابات بعملها. يصح القول إن معظم القوى السياسية الوازنة تتهيب من نتائج الانتخابات ما عدا حزب الله والقوات اللبنانية، ولكل منهما حساباته. حزب الله يريد من خلال تمثيل «الثنائى» المكتمل النصاب للبيئة الشيعية (27 نائبا) تجديد شرعيته الداخلية والخارجية، خاصة فى ضوء درس حلفائه العراقيين. لا خشية حزب الله من معادلة الأكثرية أو الأقلية. كلا 8 و14 آذار ربحا الأكثرية (2005 و2009 و2018)، لكن لا هذا ولا ذاك استطاع أن يحكم البلد وحده. بالمقابل، فإن القوات اللبنانية تعتبر الانتخابات «لحظتها السياسية المنتظرة للفوز بأكبر كتلة نيابية مسيحية». قد تكون محقة فى رهاناتها وفى أن تفوز حتى بمقاعد سنية فى بيروت والشمال والبقاع. من يدرى؟ الأكيد أنها من دون تحالفها مع سعد الحريرى ووليد جنبلاط ومن دون دعم سعودى ــ خليجى مالى، لن تحصد إلا أقل من حجم كتلتها الحالية. لذلك، ثمة رهان فى معراب بأن يؤدى «الهمس الدائم» فى الأذن السعودية إلى فك قيود الحريرى، لكن بشرط انضوائه تحت راية جعجع السياسية والمالية. وصلت الحقيبة السعودية مؤخرا وحسم وليد جنبلاط أمره بالتحالف مع القوات. ماذا عن الحريرى؟
اللافت للانتباه فى هذا السياق أن الحريرى يتصرف حتى الآن على قاعدة أن الانتخابات النيابية مؤجلة حتما. هذا هو الاحتمال الأكبر بالنسبة إليه، وهو مبنى على تحليل يقول إن مقاطعة تيار المستقبل ستجعل الساحة السنية مشرّعة أمام التطرف بوجهيه «الممانع» و«الريفى+بهاء والضاهر والقوات». مَنْ دوليا أو عربيا يُمكن أن يتقبل هكذا تمثيلا سنيا لبنانيا؟
فى إطلالته الأخيرة عبر منصة «زووم» مع كتلته النيابية، كان الحريرى واضحا: أنا لن أترشح وتيار المستقبل سيتم حله (…) ومن يرد أن يترشح فعلى مسئوليته ونفقته!
حتى الآن يبدو قرار الانتخابات غير قابل للأخذ والرد دوليا. حتى محليا لا يجرؤ حزب لبنانى (باستثناء حزب الله وعلى الأرجح لا يريد ذلك) فى أن يضع توقيعه على مشروع ما للتمديد. كل جهة سياسية تضع توقيعها على التمديد ستطالها «عقوبات نووية»، على حد تعبير مرجع رسمى لبنانى كبير، وبالتالى كل من يخشى العقوبات ــ باستثناء حزب الله المُعاقب أصلا ــ سيضطر إلى السير بالانتخابات التى يمكن أن تأتى بمفاجآت فى البيئتين السنية والمسيحية، ولكنها شبه محسومة فى البيئتين الشيعية والدرزية.
لا ينفى ذلك أن رهانات الغرب على تيار وازن فى «المجتمع المدنى» بدأ يتبدد، بدليل ما تردّدهُ سفيرتا الولايات المتحدة وفرنسا فى مجالسهما من «حكايات» عن فساد هذا «المجتمع» (صرف عشوائى لمبالغ مرصودة للانتخابات قبل أشهر من موعدها!).
***
ثالثا، حكومة نجيب ميقاتى باقية فى العام 2022 وربما تتمدد حتى العام الذى يليه بقوة الفراغ الآتى إلينا. لن يستقيل رئيس الحكومة لأسباب محلية. هكذا خطوة تصبح مسموحة لاعتبارات فقط خارجية، وتحديدا فرنسية (بحكم التفويض الأمريكى المُعطى لباريس). هل تجتمع الحكومة بالضرورة؟ الاحتمال وارد ولكنه ضعيفٌ للغاية حتى الآن. ما يريد جبران باسيل الحصول عليه قبل انتهاء ولاية عمه لن يكون سهل المنال. لن تُعطى له تعيينات الفئة الأولى وما دونها مسيحيا ولا حتى بعض التشكيلات ضمن الوزارات التى «يمون» عليها وهى لا تحتاج سوى إلى مرسوم. هذا القرار أكبر من استطاعة طرف محلى واحد أن يتخذه وحده، ولعله يقع فى صلب فرط التسوية ــ الصفقة الأخيرة.
مُجددا، بدأ العد العكسى دوليا لانتهاء ولاية «الجنرال»، حتى الحلم الذى يراود رئيس الجمهورية بوضع رياض سلامة فى السجن قبل انتهاء ولايته لن يكون متاحا، لا بالتدقيق الجنائى ولا بالدعاوى فى لبنان والخارج.
رابعا؛ تبدو فرصة حكومة ميقاتى مع صندوق النقد الدولى أسيرة «خزعبلات دكنجية». كيفية احتساب الخسائر بدايةً ومن يدفعها لاحقا. حتى الآن، لم يجرِ التوافق على الأرقام النهائية. يُفترض بالحكومة بعد أن تنجزها وموازنة 2022 هذا الأسبوع، أن تقدمهما إلى الصندوق، فيُرسل وفدا إلى لبنان الشهر المقبل. إذا وافق الصندوق على المسودة اللبنانية، يمكن توقيع الاتفاق الأولى بين الجانبين قبل نهاية فبراير المقبل. إذا لم تجتمع الحكومة، ثمة مشكلة تقنية يجرى البحث عن مخرج لها. لا ينفى ذلك حقيقة وجود فريق لبنانى سياسى ومصرفى ونقدى ومالى عريض لا يريد إبرام أى إتفاق مع الصندوق، طمعا بلعبة وقت تبديدا للمزيد من الخسائر. لعبة مضى منها حوالى السنتين، غير أن مشكلة هذا الفريق ــ وهو وازن وقوى ــ أن سقوط الاتفاق مع صندوق النقد يساوى تحويل لبنان إلى ما هو أدنى وأصعب بكثير من «الصوملة»!
خامسا؛ الترسيم البحرى للحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة هو «بيت القصيد» فى العام 2022. دقّقوا فى الكثير من المعطيات. أصل البنيان الحكومى. الخط 23. استثمار الإمارات فى «بلوك» إسرائيلى شمالى. مشروع الغاز المصرى وخط الكهرباء الأردنى إلى لبنان. حتما عنوان «الترسيم» وحده يقتضى مقاربة سياسية مستقلة.

النص الأصلى:

التعليقات