الشرق الأوسط معلق بحبال سياسة بايدن الجديدة - رابحة سيف علام - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشرق الأوسط معلق بحبال سياسة بايدن الجديدة

نشر فى : الأربعاء 3 فبراير 2021 - 7:25 م | آخر تحديث : الأربعاء 3 فبراير 2021 - 7:25 م

أنعشت حالة الترقب لسياسة بايدن الجديدة خيال المراقبين إزاء أهم محاور تغير السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط ودفعت عواصم مهمة درجت على العبث باستقرار المنطقة للكف المؤقت بانتظار إشارات تغير هذه السياسة. تأتى طهران بالتأكيد فى مقدمة هذه العواصم، إذ أن تفاؤلها بتخفيف وطأة الحصار الأمريكى لمصالحها فى المنطقة دفعها إلى تأجيل الثأر لاغتيال سليمانى وفخرى زادة وإلزام أذرعها المسلحة فى المنطقة بتخفيف الاشتباك المحلى الذى عادة ما يعكس سياستها التوسعية فى المنطقة.
ودفعت سياسة الترقب تلك حلفاء إيران أيضا إلى تضييع الوقت دون الاستجابة للضغوط التى مارسها ترامب لانتزاع تنازلات مذلة لهم قبل مغادرة البيت الأبيض. تجلى أوضح مثال على ذلك فى بيروت عندما وافق حزب الله قبل خمسة أشهر على انخراط لبنان فى مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل لترسيم الحدود البحرية، رغم رفضه الحازم لهذه المفاوضات منذ اكتشاف غاز شرق المتوسط قبل عشر سنوات. وفى المقابل لم يقدم حزب الله أى تنازل مشابه لخصومه اللبنانيين إزاء تشكيل الحكومة اللبنانية، وهو الأمر المعلق للشهر السادس على التوالى فى ظل تردٍ اقتصادى ومعيشى غير مسبوق. ورغم أن الإنقاذ الاقتصادى اللبنانى معلق حرفيا بتشكيل حكومة خبراء تتولى استلام وإدارة مساعدات خارجية لا غنى عنها من أجل إقالة البلد من عثرته المالية، فإن تمسك حزب الله بالتعطيل يشى بتفاؤله بإحراز تقدم فى التفاهم الأمريكى الإيرانى، وبالتالى لا يريد الالتزام بوضع يخفض من نفوذه، بل ينتظر هذا التفاهم المرتقب الذى قد يُسهل له التوسع فى السيطرة على الساحة اللبنانية. ورغم سذاجة هذا التفاؤل، فإنه يبدو كفيلا بأسر لبنان لأشهر قادمة فى فلك المحور الإيرانى وتفويت فرصة بعد أخرى للإنقاذ الاقتصادى.
***
هذا التفاؤل الساذج لا يعود لحزب الله وحده، بل ينبع أصلا من طهران التى تفترض أن سياسة بايدن فى المنطقة ستكون على النقيض تماما من سياسة ترامب التى أحكمت الحصار على عنق طهران وذيولها المنتشرة فى المنطقة. فيما تثبت الإرهاصات الأولى لسياسة بايدن أن تمسكه بالعودة لمسار الاتفاق النووى لا يعنى عودة فورية إلى نفس نصوص الاتفاق الذى أبرم عام 2015 بعد عِقد من التفاوض المرهق. بل إن العودة التى يقصدها بايدن هى إلى مسار التفاوض من أجل إدراج شروط جديدة بين إيران والدول الغربية تضم برنامجها النووى بالتأكيد ولكن أيضا تضم شركاء إقليميين آخرين إزاء برنامجها الصاروخى ومجمل سياستها التحريضية فى المنطقة. ولكن لا يمكن لإدارة بايدن أن تدخل إلى مفاوضة إيران خالية الوفاض، بل لابد لها من الإبقاء على بعض ملامح سياسة ترامب كأوراق للضغط والمساومة ووضع الشروط والتحكم بالمراوغة الإيرانية المستمرة كى يتمكن الأمريكيون فعليا من إدراج البرنامج الصاروخى كما البرنامج النووى على طاولة التفاوض. ومن هنا فكل إجراء متشدد اتخذه ترامب ضد إيران فى أيامه الأخيرة لن يتوانى بايدن عن الإبقاء عليه كورقة ضغط واستخدامه لتطويع إيران عند افتتاح التفاوض.
***
وفى سوريا، تحققت المقولة الشهيرة مرتين «رحل أوباما وبقى الأسد» ثم «رحل ترامب وبقى الأسد»، ولكن استمرار ذلك فى عهد بايدن قد يبدو صعبا بعض الشىء. ففريق السياسة الخارجية لبايدن هو امتداد طبيعى لكوادر وفريق السياسة الخارجية لأوباما. فيما يعتبر هذا الأخير أن فشله الأكبر فى الملعب الخارجى كان فى سوريا إذ لم يتمكن من تفعيل سياسة حماية المدنيين وسمح تساهله فى الخطوط الحمراء إلى وقوع المزيد من المذابح ومكن روسيا من السيطرة على المشهد السورى. مما يرجح بأن هدف هذا الفريق سيكون استكمال ما لم يتم إنهاؤه بشكل صحيح فى المرة السابقة والخروج من الميوعة الدبلوماسية إلى الحسم اللازم لإنهاء الصراع وإحياء المسار التفاوضى الأممى وفقا للقرار 2254. ورغم ذلك فإن تركة ترامب فى سوريا ستظل قائمة بكل تأكيد وأهمها عقوبات قانون قيصر التى تصدر فى نسخ محدثة يوما بعد يوم لتعقب أبرز الشخصيات والمؤسسات التى تدعم بقاء حكم الأسد، وكان آخرها العقوبات بحق زوجة الأسد وأصهاره والبنك المركزى السورى وبعض قادة الجيش. فضلا عن استمرار تجميد كل خطط إعادة الإعمار لحين التوصل لتسوية سياسية شاملة، مما يشى بأن عهد بايدن قد يشهد تحقيق بعض العدالة المفتقدة فى القضية السورية دون أن يعنى ذلك انسحابا عسكريا أمريكيا من الشمال الشرقى للبلاد.
***
ولا يبدو أن سياسة ترامب غير المسبوقة فى اقتناص المكاسب لإسرائيل قابلة للاستمرار فى عهد بايدن، ولكن أيضا لا يبدو أن أى مما اقتُنص بالفعل قابل للاسترجاع. فالسفارة الأمريكية أصبحت فى القدس المحتلة وستبقى فيها وواشنطن ستُبقى أيضا على اعترافها بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة. غير أن إدارة بايدن ستُعيد الاعتبار لحل الدولتين كمقاربة محورية لحل الصراع، ولذا فهى ملتزمة بافتتاح مكاتب السلطة الفلسطينية وإعادة التمويل لوكالة الأونروا. ورغم حماس بايدن للاتفاق الإبراهيمى، فإنه لن يكون متعجلا كما ترامب للضغط فى اتجاه المزيد من الخطوات التطبيعية. فترامب كان يرى أن الحل يقتضى تجاهل أصل القضية بإسقاط الحقوق الفلسطينية والالتفاف عليها بتدعيم علاقات إسرائيل مع ملكيات عربية لا تمت لأصل الصراع بصلة. ولكن إدارة بايدن لن تغفل ضرورة مقاربة أصل الصراع فى الأراضى المحتلة كأساس لإرساء سلام طويل الأمد فى المنطقة، بينما لا تزال الرؤية المتكاملة لهذا السلام غائبة، وإن وجدت فهى ليست قابلة للتحقيق بحلول سحرية. ومع دخول إسرائيل رابع انتخابات مبكرة خلال سنتين يبدو إفلاس نموذج نتنياهو واضحا، إذ لم تنفعه خطط تطبيع الملكيات العربية فى ترميم شرعيته وإنقاذ حكومته.
***
فيما لا تزال أزمة صواريخ Sــ400 حجر عثرة فى طريق العلاقات الأمريكية التركية، إذ تتجه واشنطن إلى إعمال عقوبات مناسبة إزاء أنقرة، قد تتراوح فى حدها الأدنى بحجبها عن برنامج مقاتلات Fــ35 أو فى حدها الأقصى باتخاذ خطوات أكثر جدية ضدها ضمن حلف الناتو. وبالمثل تتردد فى العواصم الأوروبية نفس الرغبة فى عقوبات رادعة للسلوك التركى المنفلت خاصة فى شرق المتوسط. مما يرجح إمكانية تفاهم واشنطن مع الأوروبيين لدراسة مقدار العقوبات المناسب الذى يكبح السلوك الفوضوى للأتراك دون أن يلقى بهم بالكامل خارج الناتو إلى أحضان موسكو. وإذ يُشتهر عن بايدن دعمه الكبير للقضية الكردية، سيكون سلوك الحكومة التركية إزاء الأكراد محط تدقيق أمريكى بالغ قد يجبر أنقرة على تغيير سياستها فى هذا الصدد إذا أرادت إعادة التقارب مع واشنطن. كما سيكون عليها أيضا ترشيد سلوكها إزاء اليونان وقبرص لتصفية العلاقات مع أوروبا.
تقترب هذه التوقعات من كونها نقطة فى بحر إذا ما قورنت بما يستحوذ على انتباه بايدن فى سياسته الداخلية إزاء وباء كورونا وتوحيد الصف الداخلى المتصدع. ولذا فسياسته الجديدة للشرق الأوسط لن تكون حاضرة فورا على الطاولة، بل على الأرجح ستبقى مفاعيل سياسة ترامب سائدة لفترة ليست بالقليلة. ولعل الشرق أوسطيين هم من يضخمون من تداعيات السياسة الأمريكية فى إقليمهم مع تغيير كل رئيس بما يفوق القدر الذى يعطيه الأمريكيون أنفسهم لهذه السياسة!

رابحة سيف علام باحثة بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام
التعليقات