عندما يحدثنا رجل عن المرأة في الدين - رابحة سيف علام - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 8:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عندما يحدثنا رجل عن المرأة في الدين

نشر فى : الثلاثاء 30 أغسطس 2022 - 7:40 م | آخر تحديث : الثلاثاء 30 أغسطس 2022 - 7:40 م

لا يزال الراديو وسيلة ترفيه محببة بالنسبة للبعض وأنا منهم، ولذا أتنقل بين محطات الراديو من حين لآخر حتى أجد ما تصفو له نفسى. ولا بد لى أن أمر بإذاعة القرآن الكريم لأستمع لتلاوات القراء المصريين، وخاصة التلاوات النادرة التى يعاد بثها من حين لآخر. ولكن عندما لا تبث هذه الإذاعة القرآن، تبث بعض البرامج الوعظية التى قد تعتمد على سؤال وجواب بين مذيع رجل يسأل وضيف من العلماء رجل أيضا يجيب. أحيانا أسمع بعض الأصوات النسائية من المذيعات حصرا عندما يتعلق الأمر بقضايا المرأة أو التربية أو استضافة بعض الأطفال فى مسابقات تلاوة القرآن.

كما قد تبث هذه الإذاعة حلقات قديمة لأحد كبار العلماء من رموز عصرهم فى السبعينيات وما تلاها، وهو ما صادفنى ذات ليلة عندما استمعت إلى حديث الشيخ الكبير وهو يصف تفانى كبار الصحابة من الأنصار فى المؤاخاة التى أمرهم الرسول عليه الصلاة والسلام بها بعد الهجرة. إذ أثنى الشيخ على شدة طاعتهم للرسول وتحليهم بالإيثار حتى كان الرجل منهم يقتسم بيته وتجارته وممتلكاته مع أخيه من المهاجرين. وهو أمر محمود لا يمكن التوقف عنده إلا بكل احترام ومحبة وتطلع إلى القيم العليا التى أرساها الإسلام فى مجتمع شبه الجزيرة العربية الذى كانت تسوده النزاعات والمنافسة والقتال البينى والعصبيات القبلية. غير أن شيخنا الكبير استطرد فى مديح بعض الصحابة من الأنصار فقال إن بعضهم كان متزوجا من اثنتين فقرر أن يطلق إحداهما ليهديها إلى أخيه من المهاجرين، ثم توقف الشيخ ليثمن علو همة الصحابة الكرام آنذاك فى المؤاخاة حتى إنها قد تخطت اقتسام الأملاك إلى حد اقتسام الزوجات!

• • •

عند هذا الحد توقفت عن الاستماع وآثرت تغيير المحطة، لم أفهم جوهر الموعظة ووجه الاستحسان فى التخلى عن الزوجة لصالح آخر حتى وإن كان فى معرض مديح الصحابة. ثم توقفت قليلا لأفكر فى هذه الزوجة التى لا بد أنها كانت قد أسلمت وصلح إسلامها فقبلت بهذا الأمر وتستحق هى الأخرى مدحا خاصا من شيخنا الكبير، بل لعلها من كبار الصحابيات هى الأخرى ودرست وتلقت العلم مباشرةً من الرسول عليه الصلاة والسلام، خاصة أن الصحابيات قد طالبن الرسول بوقت مخصص لهن كى يسألنه فى كل أمورهن. ولكن عندما ذكرها الشيخ الكريم لم يذكرها كصحابية تلقت العلم مباشرة من الرسول وإنما ذكرها من جملة الأشياء التى وافق أحد كبار الصحابة من الأنصار على نقل ملكيتها إلى أخيه من المهاجرين. توقفت قليلا عند هذا المشهد، لا بد أن له وجها آخر لم تحدثنا عنه كتب السيرة والتاريخ، وربما لن تحدثنا أبدا، ولكننى أعلم أن هذا الدين أكرم المرأة، بل جاء كثورة اجتماعية هادرة فى مجتمع كان يفضل الرجال على النساء إلى حد وأدهن صغارا وتوريثهن كمتاع، فأصبحن يرثن مع الرجال ويُقَدَمن فى مختلف المواقف. ما أعلمه بيقين أن هذا الدين كان يوما ضعيفا فى بداية طريق الدعوة فكانت أول من آمنت به هى السيدة خديجة، بل إنها آوت الرسول وطمأنته لحظة نزول الوحى لأول مرة وكان مرتعدا خائفا. لا يحدثوننا باستفاضة عن هذه المشاهد من السيرة النبوية الشريفة أو التاريخ الإسلامى الممتد، لا أعلم لماذا؟ وما معيار التفضيل فى اختيار الموضوعات التى تقدم عبر هذه الإذاعة أو عبر مختلف الوسائط الإعلامية سواء التقليدية منها أو الجديدة؟ ولكن فى الحقيقة هناك تعطش لخطاب دعوى يقدم نماذج الصحابيات بدقة، كما كن فى عصر الرسالة الأول رائدات مجتمعيات حقيقيات يطالبن الرسول بوقت مخصص لهن فيستجيب، يجادلن الرسول فيسمع الله مجادلتهن من فوق سبع سماوات وينزل قرآنا يعضد من موقفهن، ويشكك فيهن الناس بجهلهم وسوء ظنهم فينزل الله الوحى ليبرئهن بما لا يدع مجالا للشك. 

• • •

لا أتخيل أن إفساح المجال لمثل هذا الخطاب قد يأتى من علماء رجال، ليس دحضا فى نزاهتهم لا سمح الله، ولكن لأنهم لا يتخيلون أهمية القضايا التى قد تتوقف عندها المرأة وتحتاج فيها لتعزيز إيمانها. فالنظرة السائدة للخطاب الدعوى عن المرأة لا يضعها فى نفس المكانة رغم أنها فى التكليف متساوية تماما مع الرجل، يضع هذا الخطاب المرأة كتابع أو كملحق للرجل أو لكيان أكبر كالأسرة أو كالمجتمع من موقعها كمربية داخل الأسرة. ولكننا اليوم فى مجتمع يسعى للتقدم بكل طاقاته، وأهمها المرأة، لا يُتخيل معه أن يظل الخطاب الدعوى حاصرا للمرأة فى الأدوار التابعة أو الملحقة. يزداد الأمر أهمية عندما نلحظ تصاعد المظالم الاجتماعية التى تقع على النساء والتى يكون الخطاب الدعوى فيها كسلاح مسلط على المرأة يعلو مدويا ليذكرها بواجباتها ثم يخفت عندما يأتى وقت الحديث عن حقوقها. ربما ليس الخطاب الدعوى وحده هو المتهم بتهميش موقع المرأة وإملاء عليها ما يجب ولا يجب وكأنها هى المخاطبة فقط بالواجبات، بل يكمن الأمر فى التركيبة المجتمعية السائدة والتى تنعكس فى مختلف الخطابات، سواء كانت دعوية أو ثقافية أو فنية أو أدبية. وربما لن تكون مهمة إعادة ضبط العلاقات بين الرجل والمرأة على مقياس الحقوق والواجبات مهمة سهلة، بل لا بد لها أن تتحقق مع ارتفاع أعداد ونوعية النساء المشتغلات فى إنتاج الخطابات المجتمعية كى يُعيدن كتابة تاريخ وضبط قواعد كل مجال وكل مهنة. عندما أربكنى خطاب الشيخ الكبير حولت المحطة الإذاعية لتصادفنى أغنية لمغنٍ شاب يتغزل فى حبيبته ويعدها بأنها ستكون سعيدة للغاية معه، ومن دلائل هذه السعادة يقول إنها ستكون مطيعة وتعتذر له عندما يغضب وتسعى لاسترضائه فيسامحها ويغدق عليها حبه! إنه حقا مشوار طويل لضبط الخطاب المجتمعى ككل ليكون منصفا بحق النساء!

رابحة سيف علام باحثة بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام
التعليقات