هل انتهت الاستثنائية الديمقراطية في السنغال؟ - قضايا إفريقية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 3:34 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل انتهت الاستثنائية الديمقراطية في السنغال؟

نشر فى : الأحد 3 مارس 2024 - 7:10 م | آخر تحديث : الأحد 3 مارس 2024 - 7:10 م
رغم أن السنغال ــ فى غرب القارة الإفريقية ــ تعتبر دولة ديمقراطية وسط منطقة شهدت العديد من الانقلابات العسكرية، إلا أن ديمقراطيتها بدأت مؤخرا تتعرض للتهديد. فى ضوء ذلك، نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب حمدى عبدالرحمن، تناول فيه مظاهر تراجع الديمقراطية بالسنغال، وتحليل جميع أبعاد وتبعات المأزق الانتخابى بها، بعد إبطال المجلس الدستورى تشريع «تأجيل الانتخابات» دون وضع جدول زمنى محدد لإجرائها... نعرض من المقال ما يلى:

تمثل السنغال دوما واحة ديمقراطية فى منطقة غرب إفريقيا المضطربة إذ تجنبت منذ الاستقلال الوقوع فى فخ الانقلابات العسكرية، فضلا عن المحافظة على الانتقال السلمى للسلطة عبر صناديق الاقتراع. بيد أن المفاهيم قد تتغير إذا استمرت مظاهر التراجع الديمقراطى.
لقد تقلصت المساحات الديمقراطية فى البلاد منذ عام 2021، إذ قامت الحكومة بقمع المظاهرات واعتقال زعماء المعارضة. ويبدو أن الأمور وصلت إلى ذروتها فى يوليو من العام الماضى عندما اندلعت احتجاجات عنيفة بعد اعتقال زعيم المعارضة البارز، عثمان سونكو، واتهامه بالتخطيط لتمرد بعد أسبوع من إدانته بسلوك غير أخلاقى، والحكم عليه بالسجن لمدة عامين.
ربما يشعر الشباب فى السنغال أيضا بالإحباط بسبب ارتفاع معدلات البطالة وزيادة معدلات الفقر وهو ما يدفعهم للمشاركة فى الاحتجاجات. ومما زاد الطين بلة أنه منذ إعلان الرئيس ماكى سال فى 3 فبراير 2024 تأجيل الانتخابات التى كان من المقرر إجراؤها يوم الأحد 25 فبراير، انزلقت البلاد إلى المجهول. وبعد قمع المظاهرات بعنف وإبطال التأجيل من قبل المجلس الدستورى، لا يعرف الشعب السنغالى متى سيتوجه إلى صناديق الاقتراع. ومن المقرر أن تنتهى ولاية ماكى سال فى الثانى من إبريل هذا العام.
جدير بالذكر أن أزمة الانتخابات السنغالية لم تبدأ من فراغ، وإنما سبقتها مقدمات تمثلت فى محاولة الرئيس البقاء فى السلطة لمدة ثالثة غير شرعية، وهو الأمر الذى خلق مدا شعبويا جارفا من أجل الحفاظ على التقاليد الجمهورية، بالإضافة إلى تردى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وبروز حركات الاحتجاج الشبابية.

• • •

لقد كان قرار الرئيس ماكى سال فى 3 فبراير بتأجيل الانتخابات المقرر إجراؤها فى 25 فبراير مدعوما بتشريع تم إقراره من البرلمان بعد يومين فقط مجرد مناورة لتمديد فترة ولايته الرئاسية. فقد أعلن التشريع النيابى إجراء الانتخابات يوم 15 ديسمبر 2024، وهو ما يعنى فعليا تمديد رئاسة سال لمدة عام تقريبا.
فى المقابل، قرر المجلس الدستورى السنغالى يوم 15 فبراير أن تأجيل البرلمان غير المسبوق للانتخابات الرئاسية التى كان من المقرر إجراؤها فى 25 فبراير لا يتماشى مع الدستور، مما يدفع البلاد إلى مرحلة جديدة من عدم اليقين الانتخابى. وقد رحبت بعض فصائل المعارضة السنغالية بقرار المجلس، لكن العملية الانتخابية والجدول الزمنى لا يزالان غير واضحين إذ طلب المجلس من الرئيس تحديد موعد معقول. وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة إلى المجلس الدستورى، فإن قراراته تظل حاسمة بالنسبة لاستقرار السنغال.
يعنى ذلك أنه بعد 2 إبريل، لم يعد ماكى سال رئيسا للسنغال، الأمر الذى سيفتح الطريق لجميع الخلافات، وخاصة داخل المعارضة وبعض المراقبين المدافعين عن سيادة القانون. ولذلك فإن قرار ماكى سال تأجيل الانتخابات لم يستبدل إلا أزمة بأخرى، لأنه لم يفعل سوى تأجيلها.

• • •

برر ماكى سال التأجيل من خلال الاستشهاد بمزاعم الفساد الموجهة ضد اثنين من قضاة المجلس الدستورى ورئيس الوزراء أمادو با. وكان أعضاء البرلمان من الحزب الديمقراطى قد طالبوا بإجراء تحقيق برلمانى فى قرار المجلس بإسقاط مرشحهم الرئاسى كريم واد. ورغم أن مزاعم الحزب الديمقراطى لم تثبت صحتها بعد، فإنها قوضت مصداقية المجلس الدستورى، التى انتقدتها المعارضة فى السابق.
ومن جهة أخرى، يرى كثر أن قرار الرئيس جاء بسبب الخوف من الهزيمة الوشيكة لمرشحه فى ائتلاف الحزب الحاكم، إذ يريد كسب مزيد من الوقت لتمهيد الطريق للوريث السياسى الذى يخلفه فى منصبه. علاوة على ذلك فإن تأجيل الانتخابات بالنسبة للحزب الديمقراطى قد يمهد الطريق أمام كريم واد، الذى أصبح يحمل الجنسية السنغالية حصرا، للعودة إلى صناديق الاقتراع. كما أنه سيسمح للحزب الحاكم بحل الخلافات الداخلية حول ترشيح أمادو با، والتى هددت الفرص الانتخابية للائتلاف.
ولعل طريقة التصويت على قانون التأجيل الانتخابى تظهر هذه النيات المستترة للتحالف الحاكم. فقد تم التصويت على قانون 5 فبراير الذى منح التأجيل من قبل ائتلاف «بينو بوك ياكار» الحاكم والحزب الديمقراطى السنغالى، إذ يسيطر أعضاؤهما على نسبة 60% من مقاعد الجمعية الوطنية. لقد كانت العملية فوضوية، إذ تم إخراج نواب المعارضة بالقوة من المجلس من قبل قوات الأمن، ولم يتم إجراء أى نقاش عام له مغزى.
إن الانقسامات العميقة بين الجهات السياسية الفاعلة فى السنغال تعنى أن دعم الوسطاء الوطنيين والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «إيكواس» يُعد ضروريا لحل الأزمة. وبعد أن أبطل المجلس الدستورى قانون التأجيل، على الطرفين المطالبة باحترام الحكم. ويجب عليهما أيضا مساعدة أصحاب المصلحة الوطنيين على تنظيم انتخابات سلمية وذات مصداقية بمجرد وضوح الجدول الزمنى الجديد.
ومن جهة أخرى كانت السنغال تُعد دائما نموذجا للديمقراطية، ولكنها أيضا صوت قوى فى الدفاع عنها فى غرب إفريقيا، بعد أن قامت بدور بارز وحاسم فى الإطاحة بالرئيس الجامبى السابق يحيى جامع فى عام 2017. وعليه فإن عملية التراجع الديمقراطى التى شهدتها منطقة الساحل وغرب إفريقيا بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية فى السنوات الأخيرة، تجعل قرار سال بتأجيل الانتخابات بمثابة سابقة خطرة أخرى. وعليه فقد عمقت الأزمة المخاوف بين المواطنين السنغاليين وأصحاب المصلحة فى الإقليم وخارجه بشأن التراجع الديمقراطى الواضح، وأثارت القلق بشأن الاستقرار السياسى فى السنغال فى منطقة تعانى من انعدام الأمن بشكل واضح.
ومن المحتمل أن تصبح السنغال مقصدا للجماعات الإرهابية الإقليمية التى تستغل عدم الاستقرار السياسى للحصول على الدعم والتجنيد. وقد يدرك تنظيم القاعدة أو داعش أن أزمة الانتخابات تمثل فرصة سانحة فى دولة يعتبرها الغرب دعامة للاستقرار فى منطقة مضطربة، فينشئ فرعا له فى البلاد.

• • •
ختاما، فإن قضايا الانقسام داخل التحالف الحاكم تجعل من مرشح المعارضة باصيرو ديوماى فاى، الذى يعتقد أنه لا يزال فى السجن، منافسا كبيرا لمرشح الرئيس ماكى سال. وبالفعل حظى فاى بتأييد زعيم المعارضة البارز المسجون عثمان سونكو، الذى تم حل حزبه فى يوليو 2023. كما أن دعم فاى من قبل العديد من أحزاب المعارضة وحركات المجتمع المدنى التى تدعو إلى تغيير الحكومة يجعله يقف عائقا أساسيا أمام فوز الائتلاف الحاكم.
وعلى أية حال ينبغى الآن النظر فى إيجاد تسوية سياسية عند اختيار موعد جديد للانتخابات. ستحتاج كلتا العمليتين إلى النظر فى وضع الرئيس عند انتهاء فترة ولايته. وسيسمح ذلك للإدارة بالتركيز على الاستعدادات للتصويت والحملات الانتخابية. وعلى كل حال فإن التوتر السياسى فى السنغال له أسباب عميقة الجذور تتطلب فهما شاملا. ومن ثم، من خلال دراسة سياق احتجاجات المعارضة منذ عام 2021، والتحديات الاجتماعية والاقتصادية، وعدم الرضا عن الحكومة، واستياء الشباب، والديناميات الإقليمية، فإن المرء يكتسب نظرة ثاقبة حول الطبيعة المتعددة الأوجه للمسألة السنغالية.
ومن الأهمية بمكان لجميع أصحاب المصلحة، بما فى ذلك الحكومة والمجتمع المدنى والمنظمات الدولية مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، المشاركة فى حوار هادف ومعالجة المظالم والعمل على إيجاد حلول مستدامة تعزز السلام والاستقرار والتنمية الاجتماعية والاقتصادية فى السنغال. ولعل الدرس السنغالى يتمثل فى ضرورة الالتزام بالحدود الدستورية لفترات الولاية الرئاسية، وتعزيز القيم الديمقراطية، مع ضمان الانتقال السلمى للسلطة لتعزيز الاستقرار والمساءلة والحكم الرشيد.

النص الأصلى:

التعليقات