فى تسعير الخدمات الصحية الطبية - علاء غنام - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 6:37 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى تسعير الخدمات الصحية الطبية

نشر فى : الأحد 3 أبريل 2022 - 9:00 م | آخر تحديث : الأحد 3 أبريل 2022 - 9:00 م
شهدت السنوات الثلاث الماضية فى ظل جائحة كوفيدــ19 ارتفاعا ملحوظا فى أسعار الخدمات الصحية/الطبية ومستلزمات الرعاية الصحية من أدوية وتحاليل، ما شابه هيمنة القطاع الخاص على سوق تقديم هذه الخدمات، وهى الخدمات الأساسية لإنقاذ الحياة فى الوباء. فأسعار الخدمات الصحية تجاوزت قدرة غالبية المواطنين من الطبقات المتوسطة والفقيرة على إتاحتها أو الوصول لها.
كانت المشكلة الحقيقية فى ذلك هى اعتماد مفهوم السوق الراسخ لمبدأ السعر المرتبط بالعرض والطلب supply ــ demand elasticity، والواقع أن هذا المفهوم كان يجب أن يصبح غير مرن فى حالة واحدة وهى حالة الحق فى الصحة خاصة فى ظروف الجائحة.
زيادة أسعار الخدمة الصحية يرجع إلى غياب الضوابط اللازمة والقوية للتحكم فى تسعيرة الخدمة الصحية، وعدم قدرة الحكومة ممثلة فى وزارة الصحة على تنظيم هذه السوق المنفلتة، الذى يستغل حاجة المواطنين للخدمة المنقذة للحياة. حين حاولت وزارة الصحة وضع القوائم الاسترشادية لأسعار خدمات المستشفيات الخاصة خلال الجائحة، لم تستطع فرضها على القطاع الخاص الطبى.
فى هذا السياق، لم يناقش أحد بجدية مفهوم العرض والطلب فى الخدمة الصحية عموما، ولم يناقش أحد ما يفرضه الدستور فى ذلك، والذى يعتبر الرعاية الصحية عموما وفى كل الأوقات حقا أساسيا من حقوق الإنسان لا يمكن تركه للعرض والطلب. ولم يناقش أحد بجدية دور الدولة فى تنظيم السوق الطبية؛ خاصة للحد من النزوع الاحتكارى أو خلق الطلب المزيف على الخدمة الصحية أو الطلب غير الضرورى أو المبالغ فيه.
• • •
كانت الدولة بالفعل قد بدأت فى 2018 الخطوة الأولى لتطبيق الاستحقاق الدستورى الوارد فى المادة 18 بخصوص وضع إطار للتأمين الصحى الشامل لجميع المواطنات والمواطنين؛ وبدأ التطبيق التجريبى قبل الجائحة مباشرة.
حدد القانون مسئولية الإشراف على تمويل التأمين الصحى فى «الهيئة العامة للتأمين الصحى الشامل»؛ وهى الهيئة التى تتولى إدارة وتمويل وشراء الخدمات الصحية single buyer وداخل هذه الهيئة توجد لجنة شديدة الأهمية وهى «لجنة تسعير الخدمات»، دورها الأساسى وضـع قوائم لأسـعار الخدمات الصحية عـلـى جميع مـستوياتهـا الثـلاثة، تكون أساسا للتعاقد بين الهيئة ومقدمى الخدمة المعتمدين من القطاع الحكومى والخاص، بالإضافة إلى مراجعة وتحديث قوائم الأسعار بشكل دورى.
جاءت أزمة كوفيدــ19 لتظهر بوضوح انفلات تسعيرة الخدمة الصحية فى القطاع الخاص الطبى ــ المستشفيات والمعامل ومراكز الأشعة وما شابه ــ فى ظل نقص قدرة الجهات الصحية العامة عن الوفاء بمتطلبات واحتياجات المواطنين، مما جعل الوضع شديد السيولة وهو ما أدى إلى فوضى السوق واختلال الأسعار فى الخدمة الصحية بشكل غير مبرر. price distortion ومن الأمثلة على الخلل فى تسعيرة الخدمة الصحية فى القطاع الخاص نجد أن سعر الليلة الواحدة فى بعض الأماكن يصل إلى 30 ألف جنيه وفى أماكن أخرى يصل إلى 10 آلاف جنيها، ونفس التحليل يتم إجراؤه فى معمل خاص بسعر وبضعفه فى معمل آخر. أثر ذلك بالطبع على الحماية الاجتماعية للمواطنين وللأسر، حيث وقعت العديد من الأسر فى الفقر، خصوصا الأكثر هشاشة والقريبين أصلا من خط الفقر، والذين تذهب أغلب مواردهم المالية للحصول على أساسيات الحياة من غذاء. وقعت العديد من الأسر فى أزمة بسبب الإنفاق الكارثى على الصحة فى حالة المرض والاضطرار للجوء لخدمة صحية خاصة. لذلك، من الضرورى تفعيل القوانين القائمة بالفعل لتنظيم الفوضى التسعيرية التى تغلب على القطاع الخاص الطبى.
• • •
النظام الصحى المصرى نظام تاريخى وقديم، يدار مركزيا من خلال وزارة الصحة التى تأسست عام 1936. وخلال فترات تاريخية ممتدة، افتقد النظام الصحى المصرى خلال نموه إلى التخطيط والتنظيم والتكامل فى الرؤية، مما أدى إلى الوضع الحالى المتبعثر فى محاوره المختلفة فى التنظيم والإدارة والتمويل وتقديم الخدمة الصحية فى منافذ حكومية وخاصة وأهلية، مع هيمنة واضحة من القطاع الخاص على تسعير الخدمة بشكل عام.
قانون التأمين الصحى الشامل الجديد يحتوى على إطار يسمح للدولة بضبط والتحكم فى تسعيرة الخدمة الصحية فى البلاد. نص القانون فى مادته التاسعة على أن «تنشأ بالهيئة العامة للتأمين الصحى الشامل لجنة دائمة، تختص بتسعير قائمة الخدمات الطبية التى يتم التعاقد على شرائها، ويصدر بتشكيلها قرار من مجلس إدارة الهيئة، على ألا يقل عدد أعضائها عن تسعة ولا يزيد على خمسة عشر عضوا، على أن يكون ربع عدد أعضائها على الأقل من الخبراء المستقلين عن الهيئة والمتخصصين فى تسعير الخدمات الطبية، وتضم عددا من ممثلى مقدمى الخدمة فى القطاع الخاص لا يزيد على الربع».
لجنة التسعير فى التأمين الصحى الشامل لها دور فى منتهى الأهمية، لأنها من المفترض أن تحدد كيف يتم تحديد التكاليف للخدمة الصحية. ومن جانب آخر لجنة التسعير هى أداة الدولة لضبط سعر الخدمة الصحية المبالغ فيه فى القطاع الخاص.
وحتى تحقق اللجنة عملها عليها أن تحسب التكلفة الفعلية للتدخل الصحى مع ضمان تحقيق هامش ربح عادل (عادل وليس هامش ربح خرافى) لمقدمى الخدمة الصحية، وتشجيع التنافسية بما يضمن الحصول على أفضل خدمة بأقل تكلفة ممكنة.
ومن المفهوم أن دور هذه اللجنة فى نظام التأمين الصحى الشامل، ولكن التساؤل لماذا لا يتم تفعيل دور اللجنة فى وضع قوائم إلزامية لتسعير الخدمة الصحية خلال المرحلة الانتقالية حتى يتم تعميم التأمين الصحى الشامل فى جميع البلاد.
فى الخلاصة، من المهم التأكيد على دور لجنة التسعير الدائمة داخل التأمين الصحى الشامل، وكونها أداة الدولة لضبط وتنظيم أسعار الخدمة الصحية والتدخلات الطبية، ويشمل ذلك القطاع العام والخاص والأهلى، وعلى أهمية تنظيم السوق، خصوصا عندما يتعلق بالحق فى الصحة، وعدم تركه لقوى الاحتكار والعشوائية. وحتى أعتى الدول الرأسمالية لا يوجد بها سوق منفلت للخدمة الصحية بأسعار متفاوتة ومرتفعة بشدة فوق طاقة أغلبية عموم المواطنين.
علاء غنام مسئول الحق فى الصحة فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وخبير فى إصلاح القطاع الصحى
التعليقات