كاظم بيه وإخواته - كارولين كامل - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كاظم بيه وإخواته

نشر فى : الإثنين 3 أبريل 2023 - 9:20 م | آخر تحديث : الإثنين 3 أبريل 2023 - 9:20 م
«لو سمحت القط بتاعى وقع من البلكونة ومحتاجة حد يساعدنى نلاقيه» منذ عدة أيام دقيت على باب جارى الذى لا يعرفنى ولا أعرفه، استنجد به بعد أن سقط قطى كاظم من الشرفة فى الدور السادس، وتعلق بنخلة أنقذته من الموت.
الجار الذى لا يجمعنا أى حديث ولكن نتقابل صدفة أمام العمارة عندما يخرج لتمشية كلابه أو لإطعام كلاب الشارع التى تولى مسئولية تعقيمها وتطعيمها وتعليق الشارة البلاستيكية فى أذنها، لتجنب الإساءة لها بحجة أنها مسعورة وغيرها من الحجج التى يسوقها البعض لتبرير عنفهم ضد الحيوانات.
كاظم قط بلدى منقط بالأسود من فصيلة القط المصرى «ماو»، كما أخبرونى فى العيادة البيطرية، وهو يشبه الكثير من أقرانه فى الشارع، فكنت أركض وأبكى وأناديه، وجارى المشكور جدًا قرر أن يتسلق البوابة المعدنية، ويقفز فى المبنى المهجور المجاور الذى تعلق القط على النخلة المنبثقة منه، وبالفعل وجدناه.
عدت به إلى المنزل، ولدى الرغبة فى تأنيبه، ولكنى عاتبته لشقاوته التى تسببت فى أن أنزل الشارع أهرول بالشبشب وملابس البيت، حتى ظن البعض أنى أهرب من شيء ما واستوقفتنى بائعات الخضار، ولكن عندما أخبرتهن عن كاظم القط، ولولا ضياع القط لكان استهجانهن وتهكمهن مُضحك.
كاظم ابن نوسه القطة التى تعيش فى مبنى التاون هاوس فى وسط البلد، ولا يمكن لأى زائر للمعارض فى أكسيس جاليرى ألا يكون قد قابلها هى أو أحد أبنائها، كنت محظوظة بالحصول على استوديو لمدة عام فى هذه العمارة لأعمل على روايتى الجديدة.
هناك تعرفت على نوسه، فهى ابنة العمارة ويعرفها الجميع فى الشارع، فهى تخرج تعيش حياتها الطبيعية وتعود للراحة والمبيت والأكل لدينا، وحملت نوسه ثلاث مرات حتى الآن، وأنجبت فى الاستوديو الخاص بى أنا والفنانة الصديقة فاطمة أبو دومة، تسعة قطط، وتولينا دوما مسئولية رعاية صغارها حتى نجد لهم منازل، أو يخرجوا لحياة الصياعة فى الشارع.
وقعت فى غرام كاظم منذ اليوم الأول الذى ولد فيه صغير الحجم وضعيف، ولفظته نوسه تحقيقا لمبدأ الانتخاب الطبيعى، بأن يبقى الأقوى ويموت الأضعف، لكن تدخلت أنا وفاطمة فى مسار الطبيعة الأم وكنا ندش الصغير فى حضن نوسه، ونعزل الأكبر منه بعيدًا ونجبره على أن يرضع.
كبر قليلًا وعرضناه للتبنى وحصلت عليه صديقة، وبعد شهر اشتكت من شقاوته المفرطة، وعاد مرة أخرى، وأصابه فيروس «كاليس» الذى يقتل القطط الصغيرة، وكان مقدر له الموت للمرة الثانية، ولكن حتى بجسده الضئيل قاوم بشراسة، كنت قد تعهدت له إن أفلت من قبضة الموت هذه المرة سوف أتبناه، فيكون لدى ثلاث قطط الكبرى شكشوكة قطة بلدى «إنقاذ»، وتوفيق قط شيرازى.

• • •

تبدو حكايات القطط والكلاب عندما يسمعها بعض الناس من الرفاهيات، وأن صاحبها مُدلل أو تافه، ويتكرر السؤال عن أين نصيب الإنسان الفقير من هذه الرعاية التى يوليها البعض للحيوانات، وأليس من الأولى أن تذهب هذه النقود إلى أشياء أكثر جدية وعقلانية خاصة فى بلد فقير تعانى فيه الكثير من الأسر مثل مصر؟.
علاقتى بتربية القطط تصل إلى أربعة أعوام لا أكثر، وبدأت بتبنى قطة بلدى من الشارع عثر عليها أحدهم، كانت صغيرة ومصابة بجروح، لأسباب لا أعلمها وجدتنى أقرر الحصول عليها رغم خوفى من القطط الذى لا يمنعنى من الجلوس برفقتهم عند زيارتى لأصدقاء لديهم بالفعل، ولكن دون أن يكونوا فى منزلى.
تبنيت شكشوكة دون أن أدفع جنيها واحدا مقابلها، ومنذ مجيئها لم تكلفنى سوى طعامها الذى لن يكون مبلغا ذو قيمة إذا ما فكرت فى تجميعه وتقديمه لشخص فقير.
وحصلت على القط الشيرازى من صديقة بعد أن أنجبت قطتها، بعد تطعيمه وتعقيمه وإطعامه طوال هذه السنوات، لن يكون إجمالى ما أنفقته كافيًا لإنقاذ شخص فى حاجة إلى مساعدة شديدة، وعلى الرغم من أن هذه الحسابات والمقارنات غير منطقية، ولكنها للتوضيح أن وجود هذه القطط لم يكن عبئا ماليا أو استثمارا كان يمكن لإنسان ما الاستفادة منه.
وعلى الرغم من بساطة كلامى هذا، شهدنا فى الأيام الأولى لكورونا حالة خبل لتسريب قطط المنزل، فى الوقت الذى لم تكن قطط الشارع ذاتها تجد ما تأكله بعد غلق المطاعم التى تعد فضلاتها المصدر الأساسى لطعام الحيوانات.
كانت جارتى وصديقتى فاطمة طوال فترة كورونا وإغلاق المطاعم، تُعد طعام رخيص وتخرج لإطعام قطط وكلاب المنطقة المحيطة بنا، وما أن تسير فى الشارع حتى يحوم حولها العشرات منهم ويرافقونها إلى أن تبتعد، وأن يتساءل إنسان عن حال حيوان فى هذه الفترة العصيبة ليس رفاهية، ولا يمكن أن نتساءل أليس البشر أولى؟.
على صعيد آخر، تبنى آخرون فى فترة عزلة كورونا قططا وكلابا، وكان وجودها بمثابة ونس لهم وقت تكون الوحدة غير محتملة، وشكلت هذه الحيوانات بهجتهم التى أعانتهم على اجتياز الوقت، وهى تجربة تنطبق على علاقتى الشخصية بالقطط، وكثير من الأبحاث أثبتت التأثير الإيجابى لحيوانات المنزل على تحسين المزاج والنفسية.
إلا أنه وبشكل ما يبدو أن سيناريو التخلص من القطط المنزلية، يتكرر هذه الأيام، ربما بسبب الأزمة الاقتصادية، كما يقول البعض، ولكن هل إلقائها فى الشارع بعد أن فقدت كل مهاراتها على البقاء، كان الحل الوحيد؟!

• • •
ليس دفاعًا عن تربيتى للقطط أو غيرى من مربين الحيوانات، لأنه فى النهاية حقنا ولا يجوز لأحد تأنيبنا بحجة الفقراء أولى.
ومنذ فترة تعرضنا لأخبار تسميم أو خطف وإلقاء للحيوانات الصغيرة بعيدًا لتموت جوعا، وتأتى تعليقات المؤيدين لهذه الأفعال مُخيفة لاستباحتها هذا النوع من العنف وتبريره وتشجيعه، وكأن هناك خصومة شخصية مع تلك الحيوانات، وأجد أحدهم يصف سلوكيات الحيوانات بالمستفزة وغرضهم إغاظة البشر، فورًا أشك فى القوى العقلية لصاحبها الذى يفترض أن الحيوان يتعمد استفزاز «سيادته«.
ورأيت مؤخرا العديد من القطط المنزلية وبالتأكيد من البلدى التى يدل مظهرها وأدائها على أنها كانت تعيش برفقة أحدهم، وللأسف الشارع بشكل ما غير مُحب للحيوانات، ومنذ أيام رأيت كيسا بلاستيكيا مُلقى بجوار العمارة التى أسكن فيها تدلى منه جثامين قطط صغيرة حديثة الولادة، قتلها أحدهم وألقاها هكذا.
فى كتاب «الشر: رؤية فلسفية» الصادر عن دار الكرمة، يقول الباحث لوك راسل فى واحدة من روايات توصيف الشر «إنه الفعل الذى يتعذر تحديد الدوافع التى انطلق منها»، وهو ما ينطبق على هذا القدر من الكراهية والعداوة تجاه الحيوانات.
التوقف عن تربية الحيوانات فى المنازل، وإطعام قاطنى الشوارع، لن يحل الأزمة الاقتصادية للأسر الفقيرة، هذا من جهة، والتخلص من حيوانات متبناه بالفعل تصرف غير مسئول وغير مبرر، والأولى عدم اقتنائها منزليًا ونزع فطرتها البرية عنها ثم تعريضها لمصير مؤلم، والمحصلة هى أن خصومة هؤلاء ليست مع كاظم وأخواته.
كارولين كامل صحفية مصرية
التعليقات