تكريم رواد النشر العربى - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 4 مايو 2025 11:04 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

تكريم رواد النشر العربى

نشر فى : السبت 3 مايو 2025 - 7:40 م | آخر تحديث : السبت 3 مايو 2025 - 7:40 م

(1)
حسنًا فعلت إدارة معرض أبوظبى الدولى للكتاب فى دورتها الحالية 2025، بإطلاقها مبادرة رائعة لإعادة الاعتبار لتاريخ النشر العربى، وتكريم ريادات النشر العربى (رواد صناعة النشر العربى فى القرنين الأخيرين).
لماذا تكرّم هذه الدور وما مغزى الالتفات إلى الأدوار التاريخية والمعرفية والثقافية الكبرى التى لعبتها تلك الدور ضمن حركة النشر العربى منذ بواكيرها فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر وحتى نهايات القرن العشرين؛ وما جرى خلال تلك الفترة الطويلة من تغيرات وتحولات بل وطفرات هائلة طالت تلك الصناعة منذ ظهورها فى العالم العربى وحتى وقتنا هذا؟
إن صناعة النشر واحدة من الصناعات الخطيرة و«النبيلة» التى تمثل ركنا أساسيا بل مركزيّا فى سعى أى أمة للنهوض والبحث عن التقدم؛ وعندما نبحث عن تاريخ النهضة الأولى فى تاريخ الثقافة العربية منذ الحملة الفرنسية أو مع بداية حكم محمد على (1805-1848) سنجد ارتباطا وثيقا بين الحراك الاجتماعى والثقافى وحضور الطباعة والمطبعة والنشر؛ باعتبارهما متلازمين تلازما عضويا لا فكاك بينهما.
(2)
الاهتمام بصناعة النشر، وهمومها وقضاياها وتحدياتها إلخ، انشغال أصيل من انشغالات معارض الكتب العربية، ومنها معرض أبو ظبى الدولى للكتاب؛ وكل عام يستضيف المعرض نخبةً ممتازة من المتخصصين فى مجال صناعة النشر العربى والدولى؛ ويعقد المؤتمرات رفيعة المستوى لمناقشة القضايا المهمة فى هذا القطاع، ومنها على سبيل المثال «المؤتمر الدولى للنشر العربى والصناعات الإبداعية» الذى انطلق بدورته الأولى، بتنظيم من مركز أبو ظبى للغة العربية قبل ثلاثة أعوام.
تأكيدًا لهذا الانشغال، وترسيخًا له؛ فى إطار الرسالة النبيلة الرامية إلى تقدير الثقافة العربية، والعمل على نشرها وانتشارها، وتقدير صنّاع الوعى العربى، أطلقت إدارة معرض أبو ظبى الدولى للكتاب الـ34، مبادرة «تكريم رواد صناعة النشر»، وهى مبادرة نوعية تجسّد الوفاء لمسيرة النشر العربى الأصيلة، وتحتفى بتاريخ الكتاب ومستقبله. 
يكاد معرض أبو ظبى الدولى للكتاب ينفرد بالالتفات إلى هذا المحور المهم فى تكريم دور النشر العربية «الرائدة» التى تمثل ذاكرة النشر العربى وركائزه، وتقديرًا لدورها المحورى فى بناء الوعى العربى وتعزيز حضور الثقافة العربية محليّا وعالميّا، فنحن لدينا تراث هائل من التأليف والترجمة والنشر، وسنوات رائعة من النشاط والإنتاج الفكرى والثقافى، لم يسجل بكامله بعد، ولم يؤرخ ولم يوثق حتى وقتنا هذا؛ ومن هنا تأتى مبادرة معرض أبو ظبى للكتاب كحاضنة لذاكرة النشر العربى، وتفتح الباب واسعًا لمبادرات أخرى وجهود تالية تتضافر وتتعاون للقيام بهذه المهمة الجليلة.
(3)
كرّم المعرض هذا العام ستّ دور نشر رائدة من العالم العربى، ساهمت لعقودٍ فى إنتاج الكتاب وتسويقه، وتشجيع القراءة، وصناعة المحتوى العربى، والمشاركة فى تطور معارض الكتب؛ من هذه الدور الست داران تجاوز عمرهما معا قرابة الـ300 عام! 
يأتى هذا التكريم وفق حيثياته «استنادًا إلى مسيرتها الطويلة وجهودها المؤثرة فى ترسيخ صناعة النشر، حيث تشمل القائمة مؤسسات عريقة يمتد نشاط أقدمها إلى أكثر من 160 عامًا».
ووقع اختيار المبادرة الرائعة، فى عامها الأول، على ست دور نشر عربية من ست دول مختلفة؛ جاء ترتيبها كالتالى:
دار صادر اللبنانية (تأسست سنة 1863)، دار المعارف المصرية (تأسست سنة 1890)، دار الفكر المعاصر السورية (تأسست سنة 1957)، ومكتبة دبى بالإمارات (تأسست عام 1969)، ودار ذات السلاسل بالكويت (تأسست عام 1972)، وأخيرًا دار الشروق الأردنية (أُسّست عام 1979).
الداران الأقدم والأعرق والأطول عمرا، والأغزر نتاجا وإصدارات؛ كانتا دار صادر البيروتية، ودار المعارف المصرية، وقد حظيتا بحضور خاص سواء بما قدمه معرض أبو ظبى من تجربة سردية بصرية رائعة لتجارب هذه الدور، يستعرض محطاتها وتحدياتها، أو بما عرضته من أقدم وأندر مطبوعاتها على مدى عمر كل منهما الذى يمتد لما يقرب من القرن ونصف القرن لإحداهما (المعارف)، ويجاوز الـ160 للأخرى (صادر).
(4)
تأسست دار صادر البيروتية العريقة؛ عام 1863 باسم (المكتبة العمومية ببيروت) على يد إبراهيم صادر، ثم صارت (دار صادر) فيما بعد، ومنذ ذلك التاريخ كانت (دار صادر) من الركائز الأساسية للنشر فى بيروت والعالم العربى كله. وتُظهِر المجموعة النادرة بل «شديدة الندرة» التى عرضت فى منصة عرض خاصة ضمن مبادرة التكريم، بعضًا من أبرز إصداراتها التاريخية «العتيقة»، ومنها: 
«كليلة ودمنة» (1912)، ألفية ابن مالك (1888)، و«الروضة البهية فى أسماء كتب المكتبة العمومية» (1886)، وهى أول قائمة منشورات فى العالم العربى، ديوان المتنبى (1926)، و«ألف ليلة وليلة» (1926). وتعكس هذه الأعمال إرث الدار العريق فى حفظ الأدب والثقافة العربية ونشرها عبر الأجيال.
أما (مطبعة المعارف) لصاحبها نجيب مترى، فقد تأسست سنة 1890، وقدمت منذ تاسيسها آلاف الكتب فى جميع فروع المعرفة والفكر والثقافة والعلوم.
(.. وللحديث بقية).