إخفاء ما وراء الصور والمشاهد - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إخفاء ما وراء الصور والمشاهد

نشر فى : الخميس 3 أكتوبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 3 أكتوبر 2013 - 8:00 ص

يعيش الوطن العربى حاليا حالة من فيضان هائج من الكتابات والأحاديث والصور التى تعرض نفسها على الإنسان العربى ليل نهار، فتدخله فى حيرة من أمره بسبب كثرتها وتناقضاتها مع بعضها البعض وإثارتها لشتى الشكوك فى عقله.

ومع التزايد الهائل فى أعداد الصحف ومحطات التلفزيون والإذاعات ووسائل التواصل الإلكترونى تزداد أعداد الكتاب والمتحدثين غير المؤهلين أو الدخيلين والمندسين. كل ذلك يدخل الإنسان العربى، وعلى الأخص الشباب منهم، فى حيرة وضياع وغوايات فكرية وعاطفية.

ما العمل إذن لمواجهة هكذا مشكلة، تتفاقم وتكبر؟ فى اعتقادى أن المدخل الرئيسى هو توعية وتدريب الشباب على أن يعى الفرق بين أسلوبين فى الكتابة وطرحين فى الأحاديث والمناقشات.

هناك الأسلوب والطرح الذاتى الشخصى أو الإيديولوجى الذى لا يرى فى أى موضوع إلا نتائجه النهائية ولا تهمه الأسباب الكامنة وراءه والمؤدية إلى تلك النتائج.

وهناك الأسلوب والطرح الموضوعى المحايد الشامل الذى لا يكتفى بمعرفة ووصف الصورة النهائية لأى حدث أو موضوع يكتب أو يتحدث عنه وإنما أيضا يغوص فى الأسباب التى قادت إلى تلك الصورة النهائية التى يراها الإنسان أمامه.

●●●

دعنا نذكر أمثلة لتوضيح ما نعنى ولتبيان الفرق بين الأسلوبين والطرحين. يكتب أحدهم عن دكتاتور عربى حكم بقبضة استبدادية دموية هذا القطر العربى أو ذاك باسم هذا الحزب أو ذاك. يكتفى هذا الكاتب بوصف ما يتعلق بذلك الدكتاتور من شخصية مرضية نفسيا تقوده إلى الممارسة السادية ضد مناوئيه وضد شعبه، وإلى استئثاره المطلق باتخاذ القرارات وحكم العباد مما ينتهى إلى تدمير البلاد التى يحكم. مثل هكذا كتابة لا تزيد على أن تكون عبارة عن كاميرا تصور المشهد بدقة دون أن تظهر ما وراء المشهد. إنها كاميرا تصور الابتسامة أو الحزن ولكنها لا تصور ما وراء ذلك.

ما وراء المشهد، والمتمثل فى ضعف أو انتهازية أو غياب أية ممارسة ديموقراطية فى الحزب الذى يحكم الدكتاتور باسمه يبقى من المسكوت عنه. وهكذا يقتنع الكثيرون بأن المشكلة ستحل بإيجاد دكتاتور آخر أكثر رحمة وأقل دموية، وهذا سراب وأمنيات.

لنأخذ موضوعا آخر أثير عند علماء وكتاب الاجتماع العرب ويقرأه الإنسان يوميا فى صفحة القراء أو يسمعه من ألسنة الشاكين. يتحدث هؤلاء أو يكتبون، بلوعة وبكثير من الواجب والمسئولية، عن شباب وشابات الجيل الجديد وارتكابهم الأخطاء تجاه عائلاتهم ووالديهم. وتنصب اللعنات على أبناء هذا الجيل بسبب مخالفتهم للتوجيهات القرآنية أو الأحاديث النبوية التى تأمر بكل وضوح وقوة بالبر بالوالدين. لكن لا أحد يذكر شروط تلك التوجيهات الإسلامية الرائعة من توفر رحمة وحب غير نفعى وتسامح ورفق فى المعاملة واحترام للكرامة الإنسانية، والتى بسبب نبل وسمو ومكانة من يمارس تلك الشروط عند الخالق، أعطى الإسلام تلك الأهمية الكبرى لموضوع البر والطاعة للوالدين، غير المشروطين وغير المحدودين. فلا القرآن ولا الأحاديث يمنحان شيكا على بياض، وإلا فإن العدالة الإلهية ستكون مجروحة ومنحازة.

وينطبق الأمر نفسه على مدح وتبجيل تاجر أو شركة أو مسئول عندما يجودون بتبرع هنا أو هناك، هذا فى الوقت الذى يعرف القاصى والدانى أن المتبرع يقدم فتاتا من نهب وسرقات وجشع يمارسها يوميا دون رحمة أو ضمير. بغياب التقييم الموضوعى، الذى ينظر إلى الأمور من كل الزوايا، يتربع ذاك السارق على عرش الإطراء والتبجيل.

●●●

الأسلوبان والخطابان فى التعامل مع تلك المشاهد الثلاثة، وهناك آلاف غيرها، هما أسلوبان وخطابان ذاتيان شخصيان أو سطحيان فى أقل تقدير وأحيانا منحازان مراوغان عند البعض. إن عدم معرفة وقدرة الملايين من شباب العرب كشفهما وتجنب خداعهما هو أحد أسباب استمرار الصحف الصفراء، من طائفية أو نفعية مشتراة من قبل قوى فى الخارج أو الداخل، فى الصدور والانتشار، وهو أحد اسباب وجود مستمعين ومشاهدين لمحطات تليفزيونية فاجرة لئيمة لا تقدم إلا أنصاف الحقائق ولا تغوص فى الأسباب ولا تشير إلى المسئولين الحقيقيين المختفين وراء الأقنعة.

هناك قول لرسام فرنسى من «أن الحقيقة موجودة، لكن الأكاذيب هى التى تخترع». الذين يمارسون الأسلوب أو الخطاب الذاتى غير الموضوعى يعرفون الحقيقة، لكنهم عن قصد أو غير قصد، يغلفونها بألف حجاب حتى لا يراها الآخرون.

 

مفكر عربى من البحرين

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات