ماذا يفضل سوق العمل: خريجى الجامعات الحكومية أم الخاصة؟ أم ما زال دسوقى أفندى على حق؟ - أحمد شكري رشاد - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 7:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا يفضل سوق العمل: خريجى الجامعات الحكومية أم الخاصة؟ أم ما زال دسوقى أفندى على حق؟

نشر فى : الخميس 4 يناير 2018 - 9:15 م | آخر تحديث : الخميس 4 يناير 2018 - 9:15 م

فى سنة 1964 وفى مشهد عبقرى وقف عادل إمام فى بداية حياته فى دور «الأستاذ دسوقى» فى مواجهة مع «عبدالتواب النمساوى» بلطجى الكباريهات وشارع عماد الدين فى مسرحية «أنا وهو وهى». فى محاولة منه لإثبات مهاراته وذكائه فى العمل، قدم الأستاذ دسوقى نفسه للنمساوى على أنه «حجة فى الشئون القانونية، ضليع فى الجنح، أرشيف فى الجنايات». ولكن بمجرد ما اكتشف النمساوى أن دسوقى أفندى ليس إلا كاتبا حتى انقلب الحال. اضطر دسوقى أفندى للهرب قبل الفتك به مرددا: «بلد بتاعة شهادات صحيح».

أحد أهم أهداف التعليم هو تحسين فرص التوظف وإثقال الطلاب بالمهارات المطلوبة فى سوق العمل. فى الدول المتقدمة تكون الجامعات فى حالة تواصل دائم مع سوق العمل والشركات لمعرفة احتياجات سوق العمل بشكل منتظم. هذا التواصل لا يفيد فقط الطلاب بل الجامعات أيضا. فخريج الجامعة يريد أن يتمتع بالمهارات الأساسية المطلوبة فى سوق العمل مما يزيد من فرصة توظفه وحصوله على دخل مناسب والجامعات تريد أن تثبت أمام ممولى الجامعات ــ الحكومة فى حالة الجامعات العامة أو أولياء الامور فى حالة الجامعات الخاصة ــ أنها تستطيع توفير تدريب متميز لطلابها وأن خريجى جامعتهم يشغلون أرقى الوظائف مما يحسن من ترتيب الجامعة وبالتالى الطلب على الالتحاق بها.

مع بداية العام الدراسى تجد العديد من الأسر المصرية فى الطبقة المتوسطة والغنية اليوم نفسها أمام اختيار صعب ما بين التعليم الخاص ذى المصاريف المرتفعة والمرتفعة جدا أحيانا وبين التعليم الحكومى الذى يعانى من تضخم مستمر فى أعداد الطلاب. يفضل البعض اختيار الجامعات الخاصة إيمانا منهم بأن خريجى تلك الجامعات لهم أفضلية فى سوق العمل فى مصر. لكن يبدو أنهم مخطئون تماما. ففى دراستين حديثتين تناولتا أثر نوع التعليم (خاص أو حكومى) لخريجى كليات إدارة الأعمال والمعلومات على فرص توظفهم وجودة الوظيفة، وجدت الدراستين أن نوع التعليم ليس له أثر مهم على تقليص المدة بين التخرج والتوظف أو على قيمة المرتب الشهرى أو حتى الحصول على وظيفة بتأمينات اجتماعية. الدراسة الأولى للدكتورة غادة برسوم أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة بالاشتراك مع كاتب هذه السطور. والدراسة الثانية للاقتصادى المرموق الدكتور راجى أسعد أستاذ الاقتصاد بجامعة مينيسوتا الأمريكية بالاشتراك مع مجموعة من الباحثين.

***

من المؤسف أن الوضع فى مصر لم يتغير كثيرا منذ أن ردد الأستاذ دسوقى «بلد بتاعة شهادات» فى عام 1964. ففى العصر الذى كانت تقوده عملية التنمية الاقتصادية فى الدولة كانت الحكومة تقوم بتوظيف خريجى الجامعات وكانت الشهادة الجامعية من أهم معايير التوظف إذ لم تكن الوحيدة. فكان دور الجامعات تخريج حاملى شهادات تعتمد فى كثير من الأحيان على عملية الحفظ والتذكر. ولكن مع مرور الوقت وتقلص دور الدولة وظهور القطاع الخاص كمحرك للاقتصاد، اختلفت احتياجات سوق العمل. فالقطاع الخاص يحركه ربح ويبحث عن موظفين أكفاء يمتلكون مهارات مفيدة للعمل وليس عن موظفين يحملون شهادات جامعية ولا يقدمون أى إفادة حقيقية فى العمل. من ناحية أخرى ظلت الجامعات الحكومية والخاصة لا تركز على احتياجات سوق العمل بقدر ما تركز على تخريج حامل شهادة. فالعمل فى القطاع الحكومى ما زال مكانا مفضلا لخريجى الجامعات ولا يستوجب أكثر من الحصول على الشهادات دون النظر للمهارات الشخصية والقدرات الإدراكية للموظف. مشهد يعكس مدى ترسخ هذا الفكر فى المجتمع هو حملة الماجستير والدكتوراه. فمن وجهة نظر أصحابها أنهم قد حصلوا على شهادات عليا مناسبة تمكنهم من الالتحاق بوظائف حكومية بغض النظر عما اكتسبوه منها. وهم يعلمون أن التوظف فى القطاع الخاص يستوجب أكثر من الشهادات. الترقى داخل الجامعات والمؤسسات الحكومية يعتبر مثالا آخر فالحصول على شهادات والأقدمية هو أساس الترقى. وكل ذلك يساهم فى رفع الحرج عن الجامعات والتكاسل عن تطوير حقيقى للتعليم الذى ما زال يدور فى فلك زيادة أعداد قاعات المحاضرات وتوفير قاعات أنيقة.

***

تبدو أن الحلقة المفقودة بين التعليم الجامعى وسوق العمل غير الحكومى هى مسئولة بقدر كبير عن فشل تطوير التعليم فى مصر. فالجامعات الحكومية تمول من دولة دون أهداف محددة باستثناء تخريج حملة شهادات. وفى نفس الوقت مثقلة بالمشاكل، والكلام عن تطوير التعليم ليتماشى مع احتياجات سوق العمل يبدو لى ترفا. أما بالنسبة للجامعات الخاصة والذى يمتلك بعضها فوائض مالية كبيرة فهى غير مهتمة بتدريب الطلاب بالشكل الذى يتماشى مع سوق العمل أو أنها لا تحصل على إشارات كافية من مجتمع الأعمال لتطوير نفسها. الخلاصة أن التعليم فى مصر سواء حكومى أو خاص ما زال يعيش فى عصر دسوقى أفندى ــ بلد بتاعة شهادات دون اهتمام بالمهارات. فإذا كنت تفكر بين الجامعات الخاصة والحكومية كمحدد للنجاح الوظيفى بعد التخرج، فالإجابة أن نوع التعليم لا يحدد النجاح الوظيفى فى مصر. إن ما يساعد على التوظف والحصول على وظيفة جيدة بعد التخرج هو المستوى الاقتصادى لأسرة الخريج، المحل الجغرافى وجنس الخريج. أعتقد أن تغيير الدفة من تعليم لطبع الشهادات إلى تعليم يتماشى مع احتياجات سوق العمل من الممكن جدا أن يتحقق فى الأجل القصير وبسرعة كبيرة.

أحمد شكري رشاد أستاذ الاقتصاد المساعد وزميل بحوث بمنتدى البحوث الاقتصادية
التعليقات