گيف تفكر(سينما الإخـوان)؟ - خالد محمود - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:39 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

گيف تفكر(سينما الإخـوان)؟

نشر فى : الخميس 5 أبريل 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 5 أبريل 2012 - 8:00 ص

ترى كيف تفكر سينما الإخوان؟ سؤال دار بذهنى وأنا فى طريقى لدار الحكمة بعدما تلقيت دعوة لمشاهدة ثلاثة أفلام ما بين روائية وتسجيلية وقصيرة من إنتاج جماعات إبداعية تنتمى للتيار الإسلامى. فى بداية الأمر تصورت أنى سوف أشاهد أعمالا وثائقية أو تاريخية أو حتى روائية عن التيار ذاته.. إنجازاته، معركته الانتخابية، كفاحه وتاريخ رموزه فى ظل النظام السابق.. رؤاه وخططه المستقبلية.. لكن قلت ولماذا أسبق الأحداث، وأنا سوف أكون فى قلبها بعد دقائق.

 

وصلت قاعة العرض، وجدت د. محمد النجار أحد المسئولين عن النشاط الفنى بالجماعة يستقبل الحضور بابتسامة، وكان المشهد عبارة عن أسر.. أطفال ورجال وفتيات وسيدات، وبالطبع كان العنصر النسائى يرتدين الحجاب.

 

 بدأت الجلسة ببضع كلمات تؤكد مفهوم الفن الواعى والنامى والناهض بالأمة وكأنها كلمات تمهد لمشهد صوفى قادم، وبدأ عرض الفيلم الروائى «عريس لُقطة» وكانت المفاجأة انه عمل اجتماعى كوميدى، وكأن صنّاعه يغازلون التيار السائد على ساحة السينما والمكتسح للايرادات أيضا. وهى نقطة ذكية تحسب لطاقم العمل وما يقف وراءه من فكر، فالكوميديا اليوم سلاح ونمط سينمائى جذاب، وإن كانت شخوص العمل هنا مختلفة عن تلك التى ألفها الجمهور ورواد دو العرض، الحقيقة أن الكوميديا فى العمل متميزة وتعتمد على سيناريو بسيط وإنتاج متواضع وحوار ربما يدور داخل كل الأسر اليوم وطوال العرض وحتى قبل المشهدين الاخيرين وأنت ترى عملا يخلو من التنظير والشعارات وإن كانت بطلاته ترتدين الحجاب.

 

الفيلم أنتجه فريق يُدعى «فكرة» ويبدو انه سيكون له شأن قادم فى مجال الإنتاج السينمائى وإن كان يخطو الطريق خطوة خطوة من باب جس النبض، وهو ما اعتبروه أول عمل سينمائى بالمعنى القريب من الشكل المتكامل للفيلم السينمائى الطويل، وإن كانت مدته لا تتجاوز الساعة، وهو يطرح الصعوبات التى تواجه الشباب فى الزواج، وخاصة الفتيات اللاتى تخشين من شبح العنوسة.. وبطلة القصة هى فاطمة التى تتفق مع أحد الشباب على الزواج والتقدم لأسرتها لطلب يديها، اتفقت معه على كل شىء رغم علمها انه حرامى، وبالفعل يذهب العريس الحرامى «اللُقطة» إلى أهل العروسة ليطلب يدها، نجد حوارا فانتازيا يقترب من الكوميديا السوداء يدور بين العريس ووالد العروس الذى جسده الفنان سامى عبدالحليم، وتتفجر المواقف الكوميدية حينما يخبر العريس الأب بأنه يعمل حرامى مجوهرات ويحاول إقناعه بأنه عريس لقطة، فمن الشاب الذى يستطيع اليوم تحقيق حلم الزواج وقادر على ثمن شقة تمليك أو حتى إيجار ويجهزها ويدفع مهرا.. استطاع العريس إقناعه أنه الأفضل لابنته وأن الأب لو انتظر عريسا شريفا ومكافحا جاهزا لابنته سيكون عمره قد وصل الخمسين.. وأنه هو العمر الطبيعى لمن أراد أن يجهز نفسه بالحلال وذلك فى ظل بطالة ورواتب متدنية حتى لو عمل ليلا ونهارا.

 

كانت المفاجأة المدهشة أن اقتنع الأب بفكر العريس الذى ساق كل تبريراته للإقناع فى قالب كوميدى، ومن لحظة لأخرى نجد الأب ينتفض ويحتار ثم يقرر الرفض.. ثم يعود يسأل العريس هو أنت حرامى قوى؟ جامد «يرد العريس».. ونرى الأب يتفهم الموقف ويوافق على الحرامى خاصة عندما اضطر لإخفاء حقيقة العريس فى وجود جارهم الضابط الذى حضر فى نهاية الجلسة. وتصورنا أن الأب وجد فى الحرامى بحق العريس اللقطة، بل واقتنع بفكرة ابنه الطفل الشقى أن الصغير عن طريق القرصنة فك شفرة حساب أحد بنوك امريكا وتحويل أموالها فى حساب خاص بالأسرة.

 

ثم نرى بداية التغيير أو التمهيد له حيث نشاهد الأب وكأنه خلفه دوامة صراع نفسى، مهموما حائرا يحدِّث نفسه وكأنه يبحث عن مبررات لاقناع نفسه بقبول العريس.. لكن فجأة نجد ضميره أصبح يقظا، وهنا نرى مشهد النهاية أو الرسالة التى يريد أن يوصلها الفيلم، وهى رسالة تبدو فى قوامها مباشرة بعض الشىء.. فالأب يجلس بجوار ابنه.. ويسأل الابن يعنى ربنا ما قالش السرقة مش غلط.. فيرد الأب: ما قالش، فيعاود الابن: قال إنها حرام.. فيهمس الاب شاردا: حرام!! ثم يصمت.. بعد ذلك نرى الاب يقف فى البلكونة وينظر فى الافق البعيد وهو يقول: السرقة مش غلط.. لا، السرقة حرام.. لا.. لا، ربنا قال السرقة حرام.. وينتهى الفيلم وسط تصفيق المشاهدين الذين استقبلوا الحكم والموعظة فى النهاية.. وربما لو لم تكن المباشرة فى هذا المشهد لخرج الفيلم بروح مختلفة تحافظ على كيانه كعمل كوميدى غير إرشادى.. لكنه فيلم إخوانى!

 

قصة أحمد أبوهميلة واضحة الهدف حول ميزان القيم الاخلاقى (الحلال والحرام).. وساعد على وصول رسالتها السيناريست الشاب أشرف يحيى بفكرة حوار عبثى، لكنه يشير فى الوقت نفسه إلى بث إحساس لرفض المشاهد هذه اللعبة والمساومة التى يمارسها ابطال القصة (الام والاب والابنة والابن) ضد نفسها ومبادئها.. وهى الادوار التى جسدها سامى عبدالحليم وجهاد أبوالعينين وأحمد الديدى الذى شارك فى الانتاج عبر حملته «بصمة بلون الفن» والذى اشار خلال لقاء عقب العرض بأن الهدف هو إتاحة فرصة وأرضية للفن الهادف فى مصر انطلاقا من اجواء الحرية بعد الثورة.. والواقع انه يرفض أن يكون الترفيه مرادفا للفن، بل انه يؤمن بأن الفن به توجيه وابداع ونهضة، وانه يحلم عبر مشاريع سينمائية قادمة بتوسيع الدائرة التى ضاقت حولها السينما، وأن يعود بالفن ــ حسب رأيه ــ لقيمه الاصيلة.

 

وحمله «بصمة بلون الفن» وضعت مسارا للسينما المستقلة خلال المرحلة المقبلة وهى ليست كالسينما التى تعرض بدور العرض، بل هم أطلقوا عليها «سينما الشارع»، حيث يريدون أن يتركوا بصمة فى كل محافظة.. وجذب جمهور جديد عبر حملة بجداول معلنة تطوف المحافظات وفى اماكن التجمعات وليس دور عرض حيث يعرض الفيلم عبر ماكينة خاصة عن طريق الكمبيوتر.

 

بينما مخرج الفيلم ابوالمكارم العربى على مستوى آخر رغم رؤيته الثرية إلا انها كانت تنقصها بعض الرتوش الفنية من ماكساج وغيره وربما يبدو ذلك لتواضع الانتاج.

 

 الفيلم الثانى الذى شاهدته بعنوان «كلمات» هو فيلم قصير عن سوريا، كان اللافت للانتباه أن اول صورة تظهر لتليلر الجهة المنتجة «فكرة» وشعارها هو عبارة عن لمبات اضاءة كرمز للاستفسار.

 

المشهد الأول لدقات ساعة حائط توحى بالقلق الذى ينتاب بطلة الفيلم وهى بالمناسبة بطلة الفيلم السابق.. فتاة تجلس على كرسى فى عيادة دكتور امراض نفسية متوترة تنتظر دورها، المشهد الثانى داخل غرفة الكشف نرى الطبيب الذى يجسده د. محمد النجار يتكلم مع مريضه قائلا: هيه يا أستاذ ممدوح قلت ايه عايز أسمع رأيك انت حافظ المسرحية كويس ومتدرب عليها؟ فيرد: أيوه حافظ وأحسن واحد بشهادة المخرج، الطبيب: طب قلقان من إيه اول ما تقف على المسرح خد نفس جامد، وقول.. ممدوح: الجمهور يستقبلنى وحش ويضحك علىَّ، الطبيب: تمثيلك هيدمجهم وهيحبوك.. اتفقنا،، ما تنساش تتدرب كل يوم وهتقدر وتنجح. كان المشهد مهما لإيمان صناع العمل بقيمة التمثيل، لكنه لم يكن قضية الفيلم فهى تبدأ من المشهد التالى. تدخل مدام إيمان ـ محجبة أيضا وملامح صوتها بدت حادة ـ فسألها الطبيب ما الحكاية؟ قالت: حاسة بضيق غريب، بقالى أسبوعين حالتى زى الزفت، لا عارفه أكل ولا أنام ولا أهزر، أرق كتير، ثم تفاجئ إيمان الطبيب بأنها لم تأت لتعرض سبب توترها النفسى، حينما أكدت له أنها تعرف السبب.. المشكلة فى كلمات تسمعها يوميا هى وراء أزمتها كام كلمة بتسمعها بشكل يومى فى التليفزيون والفيس بوك والجرائد تشعر باكتئاب عندما تسمع أى كلمة فيها.. كأن الكلمات بها سحر وتدخل فى حالة كبيرة من الكآبة.

 

وعندما يسألها الطبيب عن تلك الكلمات تغمض عينيها وعبر أداء مسرحى مبالغ فيه بعض الشىء لم تستطع أن تقولها، لكنها تكتبها على ورقة ونراها كلمة كلمة على الشاشة.. «حمص.. حماه.. حلب.. درعا.. ادلب.. دمشق.. المعصمية» ثم نراها تقول: كل ما تييجى أخبار عن الثورة السورية.. كل ما اشوف المجازر التى تحدث هناك.. عن ضرب نار أو استشهاد حد من الثوار.. اعتقالات.. هجوم الشبيحة.. أحس بحالة ذهول.. هو إيه اللى حصل فى العالم.. إيه اللى ممكن يحول إنسان زيى وزيك لوحش رهيب بالشكل ده.. يا دكتور أنا يوميا أسمع حاجات غريبة صويت وصراخ.. هتافات الثوار ممزوجة بهتافات أمهات الشهدا.. باشوف جنازات ادام عينى والشهدا بيبصوا لى ويضحكوا.. أشوف أطفال حمص ودرعا وهم يصرخون من الرعب، أشوف بشار وماهر وشوكت وهم يضحكو ولا هاممهم.. أنا فى ذهول ورعب منذ أسبوعين لا عارفه آكل أو أنام أو أعمل، وتركت زوجى.. يسألها الطبيب: لما تسمعى خبر عن سوريا تقعدى أد إيه علشان تشعرى بهذه الحالة؟ المريضة: أكتئب فورا.

 

يسألها: عندك أصحاب أو معارف فى سوريا؟ تقول لا.

 

المشهد التالى يجلسان أمام بعضهما يتقمص الطبيب شخصية مؤيدة للنظام السورى ويطلب منها إقناعه بما هى مقتنعة به.. يسألها: ما الذى يجعلك متضامنة مع الثورة والثوار فى سوريا.. مين قال لك أصلا إن دى ثورة؟

 

هى: من لا يراها ثورة يكون أعمى، لما كل المدن السورية تنتفض بالآلاف ويكون الرد عليهم بالرصاص والدبابات 8 شهور، لما يستشهد الآلاف منهم ولا يكسر من عزيمتهم ماذا تسمى ذلك.. ده مش مجرد ثورة.. دى لحظات هيحكى عنها التاريخ. هو: دماغك مغسولة بالفضائيات واختراق قناة الجزيرة اللى وراها دول هدفها إسقاط النظام فى سوريا وتقسيم الوطن العربى.. كفاية تخدعوا نفسكم. هى: كفاية يا دكتور لا تحرق دمى.. الطبيب: أنا آسف يا مدام لازم أتقمص دور المتضامن مع الثورة علشان أثير عقلك بمبررات مقنعة لما تؤمنين به.

 

هى: مخطط، ولو قناة الجزيرة تكذب.. العالم كله بيكدب أيضا، وكالات الأنباء والقنوات كلهم عاملين مؤامرة على سوريا، مفيش غير التليفزيون الحكومى وحده يجيب الحقيقة، ويا ترى قناة الجزيرة عملت شكل الشهداء بالماكياج والشبيحة بالجرافيك.. وضرب النار من المدافع بالمونتاج.. فوقوا.. التاريخ مش هيرحمكوا.

 

الطبيب: الجيش العربى السورى دخل المدن ليحاصر العصابات الإرهابية المسلحة؟ هى: مين الغبى اللى اختار ده، عصابات إيه اللى شغالة فجأة ومش عارفين تقضوا عليها. هو: تنكرى إن فى مؤامرة على سوريا لعمل حرب أهلية فيها. هى: النظام الديكتاتورى أكبر مؤامرة على سوريا، مفيش أخطر على سوريا من نظام دمر البلد وقتل 40 ألف شخص خلينا فى ديل الأمم.. قارن بيننا وبين تركيا، البرازيل، ماليزيا.. وأنت تعرف جريمة النظام... الشعب السورى عظيم وغلطته أنه استنا عليكم طوال هذه الفترة لينال حريته.. بس ما تقلقش الغلطة دى قريب جدا هتتصلح.. ولو الأسد عايز يصلح يطلع يتنحى دلوقتى، ويعمل انتخابات برلمانية ورئاسية فورا.. يا دكتور اللى أنت مش فاهمه كلمات زى: ديمقراطية.. حرية.. معارضة.. رأى آخر.. اللى أنت مش فاهمه إن أى ثورة.. شعب غاضب لا يرحم.. بشار هو ابن على هو مبارك هو القذافى.. كلهم تماثيل ورق.. وبشار لم يتبق له أيام.. هنا يخبرها الطبيب بأنها لا تعانى من مشكلة.. عندك شحنة غضب مكبوتة نتيجة تعاطفك مع شعب سوريا وقضيته.. وشعورك بالذنب إنك مش قادرة تساعديهم ولذلك  عندك شعور بالغضب والتقصير.. هى: والحل إيه؟

 

الطبيب: غمضى عينك ولا تفكرى فى شىء.. افتحى خيالك.. افتكرى أجمل أصحابك ذكرياتك الجميلة فى الطفولة وأقول لك بعض الكلمات وفكرى فيها فى المستقبل: دمشق.. حمص.. دير الزور.. حلب.. حماه.. حوران.. درعا.. جسر الشعوب وتعود لتكتب على الورق: حرية.. انتخابات.. ديمقراطية.. نصر.. أحزاب.. تحرير الجولان.. وينتهى الفيلم وسط لوحة إهداء إلى شهداء الثورة السورية العظيمة من أشقائهم المصريين، ونحن نسمع أغنية «ارحل يا بشار».

 

كان هذا حوار الفيلم وسط موجات متغيرة من الموسيقى، وأداء ربما يشبه تحقيق شرطى وليس بين طبيب نفسى ومريضة.. وهو قطعا يشير إلى روح ورؤية وفكر الإخوان السينمائى حينما يكونون على الشاشة.. هو يأخذك إلى الحدث ويضعك مكان البطل ويقرر ما يؤرقك ويمنحك الدليل.

 

الفكرة تبدو فى مجملها جيدة.. لكنها كانت جادة فى الأداة بعض الشىء خاصة من قبل فاطمة علاء الدين «المريضة» وبينما كان أداء الطبيب د. محمد النجار واعيا فى إطار سيناريو وإخراج محكم فى إطار فكرة محددة لهشام عاصم.

خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات