لا تصدقوا أنكم محظوظون - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 9:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لا تصدقوا أنكم محظوظون

نشر فى : الأربعاء 4 سبتمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 4 سبتمبر 2013 - 8:00 ص

لم أصدق أن أرقاما كالتى أعلن عنها رجل الأعمال حسن هيكل مرت هكذا مرور الكرام. لكنها مرت بالفعل، وكأن أهل الحكم الجديد لا يريدون أن يصدقوها، لأنهم لو صدقوها لكان عليهم أن يأخذوها مأخذ الجد. ويبدو أن هذا الجد يترتب عليه تبعات لا يطيقونها. الجاد فيما أعلن عنه رجل الأعمال فى مقال نشره يوم السبت الماضى أن أغنى الأغنياء فى مصر ممن يمتلك الواحد منهم أكثر من 10 ملايين دولار (حوالى 70 مليون جنيه) يبلغ إجمالى ثرواتهم 50 مليار دولار (حوالى 350 مليار جنيه) وهو ما يزيد عن قيمة الدين الخارجى لمصر. وأن جزء كبيرا من هذه الثروات مصدرها بالأساس توزيعات الأسهم والأرباح الرأسمالية التى يحصلون عليها، ولا تخضع لأية ضرائب، لكونها معفاة طبقا للقانون.

والأهم فيما ذكره أن إلزام هؤلاء بدفع ضريبة على ثرواتهم لمرة واحدة سوف يغذى خزانة الدولة بما يعادل حوالى 70 مليار جنيه.

 سيبقى هذا القول جادا بل على قدر كبير من الجدية، طالما لم يخرج علينا مسئول كبير ليكذب أن هناك مصريين يعيشون وسطنا، يمتلكون كل هذه الملايين، بينما هناك 87% من المصريين، الذين يعيشون على نفس الارض، ينفق الواحد منهم أقل من 500 جنيه فى الشهر. وذلك طبقا لآخر تقرير أصدره جهاز التعبئة والإحصاء عن دخل وانفاق المصريين.

●●●

والحقيقة أننى أتحدى أن يخرج علينا أحد من كبار المسئولين لينفى حقيقة ثروة الأغنياء التى ذكرها رجل الأعمال. لسبب غايه فى البساطة، وهو أنه لا توجد جهة فى مصر، لا جهاز الإحصاء ولا غيره يقوم بتحديد نصيب الـ 1% الأعلى دخلا فى مصر، مثل ما يحدث فى الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم دول الغرب الرأسمالى. حيث تستحوذ فئة الواحد فى المائة من الأثرياء الأمريكيين على 20 فى المائة من الدخل. وهذا معلن للمجتمع الأمريكى، ولا يخفيه أحد.

ويبدو أن هذا الحديث جاء فى موعده تماما، لأنه يتزامن مع جلسات حوار يعقدها الدكتور أحمد جلال وزير المالية مع شرائح وفئات مجتمعية مختلفة تدور حول السياسات المالية للحكومة. وفى مشاركة لى فى أحد هذه الحوارات لفت نظرى أن هناك فريقا من الحاضرين يشير إلى أن الحكومة الحالية محظوظة. أما لماذا أختار الحظ هذه الحكومة بالذات ليختصها دون غيرها، فكانت الإجابة لأن الناس بعد 30 يونيه من فرط حماستهم أصبح لديهم الاستعداد للتضحية، وتأجيل بعض المطالب الاجتماعية الملحة، بل وشد الأحزمة على البطون إذا لزم الأمر.

وفى غمرة حماس بعض الحاضرين لإثبات وجهة نظره فى حسن نوايا المصريين تجاه نظام الحكم الحالى، تجرأ وقدم مقترحات للوزير من نوعية مضاعفة سعر رغيف الخبز المدعم إلى عشرة قروش بدلا من خمسة، أو زيادة سعر لتر السولار بمقدار عشرة قروش. باعتبار أن هذه القروش مجتمعة تصنع ملايين تقلل الضغط على موازنة الدولة المضغوطة بأعباء كثيرة.

بالرغم من أن نظرة عابرة على بند دعم رغيف العيش الذى تقدمه الدولة لهؤلاء الملايين المسحوقة دخولهم لا تغرى كثيرا بالتخفيض (21 مليار جنيه) فى العام الحالى. فهذا الدعم يقل كثيرا عن قيمة الضريبة التى قدرها رجل الأعمال على الثروات الزائدة عن الحد لدى بعض العائلات المتضخمة خزائنهم. أما قروش السولار التى يقترح البعض زيادتها فهى قد توفر من تكلفة بند دعم السولار (39 مليار جنيه). ولكن هذه الزيادة سوف تصيب بالأساس تلك الفئة من المصريين المضطرة لركوب الصعب، وهم هؤلاء المجبرون على ركوب تلك الوسيلة اللعينة المسماة الميكروباص، بعد تدهور كل وسائل النقل العام. وسوف تضرب أعناق صغار المزارعين الذين يعتمدون على السولار فى زراعة أراضيهم. فى حين ما زال كبار رجال الأعمال يتمتعون بدعم الطاقة لمصانعهم، وما زال لديهم مهلة لسنوات قبل أن تصل أسعار الغاز لشركاتهم للمعدلات العالمية.

وإذا كان البعض يبشر الحكومة الحالية بأن الحظ حليفها فأنا أرى أنه على العكس، فالحظ يعطيها ظهره تماما. لأنها تأتى بعد مرور عام من المعاناة فى ظل نظام إخوانى، نالت فيه أغلبية الطبقات الدنيا والمتوسطة قدرا معتبرا من التهميش. ولم تعد تحتمل المزيد من تدهور أحوالها المعيشية. وبالتالى تأتى الحكومة الجديدة بعد أن نفد صبر الناس، وضاقت صدورهم. ولم يعد لديهم ما يقدمونه، أو يتنازلون عنه من احتياجاتهم الحياتية. فهم ينتظرون من نظام الحكم الجديد أن يقف معهم، مثلما وقفوا أمامه وسبقوه بخطوات فى 30 يونيه.

●●●

والحقيقة إننا سئمنا حديث الحكومة عن الاجتماعات المكوكية بين أعضاء الوزارة المعنيين بشئون العدل الاجتماعى دون أن يكون لذلك أى أثر يذكر على الأرض. فعندما ينادى البعض بتطبيق الحد الأدنى والأقصى للأجور، لعل فى ذلك وقفا للتفاوت الرهيب فى الدخول بين أبناء الوطن الواحد. نجد من الوزراء من يقول أن هذا اختزال مخل لمعنى العدالة الاجتماعية. وللعدالة وجوه كثيرة غير حد الأجور. فنعود لنقول فليكن العدل الاجتماعى فى فرض الضرائب التصاعدية على اصحاب الدخول التى تبدأ من ستة أصفار فما فوق. فنجد من يقول إن زيادة الضرائب تزيد من حالات التهرب. وعندما نقول إن من باب العدل أن نفتح ملف الإعفاءات الضريبية على أرباح البورصة كما تفعل معظم دول العالم. فيأتى الرد سريعا بأننا نخشى على حسن سير عمل البورصة.

هذا فى الوقت الذى تطارد فيه حاليا سلطات الضرائب الأمريكية أصحاب الحسابات البنكية من حاملى الجنسية الأمريكية فى كل بنوك العالم ومنها مصر من أجل تحصيل الضرائب على كل صاحب حساب يزيد على 50 ألف دولار، أو شركة على 250 ألف دولار فيما يعرف بقانون «الفاتكا». بالرغم من أنه يتنافى مع قوانين الدول المضيفة التى تنص على سرية الحسابات، وعدم الإعلان عنها إلا بحكم قضائى.

يحدث هذا فى أمريكا بينما ما زال من بيننا من يطالب هؤلاء الذين عانوا الأمرين على مدار العهود السابقة أن يتقدموا الصفوف لشد الأحزمة على بطونهم. تحت زعم أنه فى زمن الشدائد الكل فى واحد. وحين تأتى لحظة أقتسام ثروة الوطن تكون القسمة كلها من نصيب الواحد فى المائة فقط. أما الـ 99 فلا وطن يحميهم، ولا ثروة يقتسمونها.

يا سادة لاتصدقوا أنكم محظوظون. وانتبهوا فالحظ ليس حليفكم.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات