أسلمة أوروبا.. خرافة أم حقيقة؟ - صحافة عالمية - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 12:01 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أسلمة أوروبا.. خرافة أم حقيقة؟

نشر فى : الأربعاء 4 نوفمبر 2015 - 9:20 ص | آخر تحديث : الأربعاء 4 نوفمبر 2015 - 9:20 ص

نشر موقع يوريشيا ريفيو مقالاً للكاتب «بول هيدجز»، والذى يعمل كأستاذ مشارك فى دراسات العلاقات بين الأديان فى برنامج المجتمعات التعددية، فى مدرسة راجاراتنام للدراسات الدولية بجامعة نانيانج التكنولوجية، يتناول فيه فرضية أسلمة أوروبا كإحدى النتائج المثارة لقضية زيادة اللاجئين السوريين لأوروبا، موضحا أبرز الآراء المتناولة للقضية. ويشير فى البداية إلى أن الجدل الدائر أخيرا حول تدفق اللاجئين من سوريا إلى أوروبا أدى إلى زيادة المزاعم بأن أوروبا المسيحية تتراجع أمام الإسلام: «نظرية الأسلمة». ففى المملكة المتحدة صارت وسائل الإعلام تبرز بعض الأحداث التى تبدو تافهة. وادعى بيتر هيتشنز الكاتب فى صحيفة ديلى ميل أن ارتداء عارضة أزياء الحجاب فى الإعلان عن الأزياء متجر H&M كان علامة على «تكيف هذا البلد ــ بريطانيا ــ على نحو بطىء، لكنه مطرد مع الإسلام». وأدى ذلك إلى اشتباك على شاشات التليفزيون، تبعه جدل على تويتر.

ومرة أخرى، فازت سيدة محجبة فى برنامج لصناعة الكعك فى تليفزيون هيئة الإذاعة البريطانية. واتهمت عدة صحف الـ«بى بى سى» بتلفيق النتيجة بغرض سياسى، وأظهرت ردود الفعل عبر الإنترنت، حدة العداء للإسلام، والحجاب، والمجتمع متعدد الثقافات، فضلاً عن التخوف من أن تكون هناك غلبة للإسلام. وربما كان المؤشر الأكثر دراماتيكية على هذه المخاوف قيام مواطن نرويجى، أندرس بريفيك، بإطلاق الرصاص على العديد من الشباب فى بلده لاعتقاده فى ضرورة الدفاع عن أوروبا المسيحية ضد الإسلام.

•••

ويؤكد هيدجز أن عدد المسلمين فى أوروبا فى ازدياد الآن، عن أى وقت فى التاريخ، وهو ما يرجع بدرجة ما إلى موجات جديدة من الهجرة. ويواكب ذلك، تراجع الانتماء المسيحى فى العديد من الدول الأوروبية الغربية. لذلك، فإن توقع زيادة أعداد المسلمين النشطين عن عدد المسيحيين النشطين خلال القرن الحادى والعشرين فى دول مثل المملكة المتحدة وفرنسا ليس مستبعدا. غير أنه ليس من المؤكد أن يحل الإسلام محل الثقافة العلمانية السائدة والتراث المسيحى.

ولا شك أن دعم فرضية الأسلمة غالبا ما ينطوى على إحصاءات ملفقة. ففى المملكة المتحدة، يعتمد العديد من المصادر الإعلامية على هيئة مراقبة الهجرة التى تقدم نفسها على أنها مصدر محايد وغير متحيز. ومع ذلك، يقول البروفيسور كريستيان داتسمان من مركز بحوث وتحليلات الهجرة أن استخدامهم للتقرير الذى شارك فى تأليفه كان خطأ.

ويضيف هيدجز مبررات أخرى تدحض التوقعات بنمو إسلامى فى أوروبا، على سبيل المثال، فإن بناء توقعات لمعدلات مواليد المهاجرين على أساس أرقام تتعلق ببلدانهم الأصلية، يتجاهل حقيقية ان معدلات مواليد السكان المهاجرين تتجه إلى مواكبة المعدلات فى البلد الجديد. ومن ثم، فإن فكرة الأسلمة تقوم أساسا على عدم فهم الوضع الحقيقى، وتظهر ما يعتبره الكثيرون حالة «منذرة» بتغيرات ثقافية هائلة وشيكة، وتثير مخاوف محتملة بشأن ضياع الهوية الثقافية.

وترى د.كلارا ساندلايند أن هناك معركة بشأن ما يميز الهوية البريطانية. ويمكن القول أن هذا صحيح فى معظم أنحاء أوروبا. فهناك معسكر يرحب بتدفق المهاجرين الجدد، ويحتفى بالانفتاح الذى أبرزه فوز مسلمة محجبة فى البرنامج التليفزيونى. ويرى المعسكر الآخر ضرورة تحديد الهوية البريطانية فى مواجهة تعدد الثقافات، خاصة الإسلام.

وتنتاب العديد من الزعماء السياسيين الأوروبيين البارزين فى فرنسا، والمملكة المتحدة، وألمانيا وبلدان أخرى افكار مفادها أن أوروبا قارة مسيحية. وقد فشلت التعددية الثقافية فيها. وبينما لا ينصب الحديث كله على الأسلمة، تعطى مثل هذه الرسائل مصداقية للمعسكر الثانى. وتفيد الرسالة بأن الهوية المسيحية البيضاء تتعرض لاجتياح من ثقافة إسلامية غريبة.

•••

أما فى الجهة المقابلة يوضح هيدجز أن فكرة الأسلمة تستند على عدد من الفرضيات؛ إحداها أن الإسلام غريب على أوروبا. ومن الواضح أن ذلك غير صحيح تاريخيا: فقد ظلت إسبانيا لعدة قرون معقلاً رئيسياً للمسلمين، فى حين عاش السكان المسلمون فى البلقان قرونا، وشهد العديد من بلدان أوروبا قدوم الزوار المسلمين منذ القرون الوسطى، واستقر الكثيرون بها لمدة قرن أو أكثر. وعلى سبيل المثال، تم بناء أول مسجد فى المملكة المتحدة فى عام 1889، وفى ألمانيا مقبرة إسلامية منذ عام 1798، كما شهدت بولندا المساجد منذ القرن السادس عشر.

وهناك فرضية أخرى تقول أن القيم الإسلامية تتناقض مع قيم أوروبا المسيحية. ويفتقر ذلك أيضا إلى المصداقية. حيث يدل تاريخ الفكر على أن الأفكار الرئيسية للفلسفة اليونانية والعلوم التى عززت الفكر المسيحى قرونا عديدة، كما دعمت عصر النهضة، وطورت العلم الحديث، قد وصلت إلى أوروبا من خلال المجتمعات الإسلامية والتقدم الذى أحرزه المفكرون الإسلاميون.

وعندما بحثت أوروبا عن نموذج للتسامح الدينى فى عصر التنوير، اتجهت إلى طريقة معاملة أصحاب الديانات الأخرى فى الإمبراطورية العثمانية الإسلامية، التى تجاوز التسامح فيها بكثير كل ما يوجد فى أوروبا المسيحية.

وربما تتضاعف هذه الافتراضات، ولكن أطروحة الأسلمة تميل إلى خلق الأضداد الثنائية: أوروبا المسيحية ضد العالم الإسلامى، الديمقراطية الأوروبية مقابل الثيوقراطية الإسلامية، التسامح المسيحى ضد التعصب الإسلامى. وعند المحك لا تبدو هذه الفرضيات أكثر من صور نمطية أو تحريف.

•••

ويتساءل هيدجز، مستعجبا حول افتراض أن الأسلمة خرافة، عما يراه من نمو وانتشار لظاهرة الأسلمة، وما الذى يمكن عمله حيال ذلك؟ ويأتى هيدجز بجواب بسيط ولكنه معقد. حيث أن المصالح السياسية والشخصية القوية تتكثف لدى من يروجون لها. وتوظف فكرة الأسلمة الصور الإعلامية القوية والمعارضات الثنائية الراسخة فى العديد من التصورات الأوروبية للعالم، وطرحها إدوارد سعيد فى كتابه عن الاستشراق.

فضلاً عن أن هذه الفرضيات تتغذى على إساءة وسائل الإعلام وتصويرها للإسلام من خلال الربط بينه وبين داعش أو أمثلة أخرى. وفى الوقت نفسه، تستخدم صور قد تكون إيجابية عن الإسلام، مثل السيدة المحجبة، التى تصنع كعكا رائعا، لإظهار اجتياح الاسلام للبلاد. وليس من السهل دائما فى هذا السياق نشر ثقافة أرقى وبيانات وتحليلات موثوق فيها.

ويرى هيدجز فى النهاية أنه يصعب على الجمهور ووسائل الإعلام فى معركة الهوية السياسية تحديد الرؤية التى تنطوى على مصداقية أكبر. حيث لا تتطلب المعركة مجرد طرح الحقائق بطرق مقنعة ويمكن الوصول إليها، ولكن أيضا خلق الرواية التى يمكن أن يتوحد معها الناس مع تعزيز رسالة إيجابية حول القيم الأوروبية متسامحة.

التعليقات