كأنها «القاهرة 30».. هكذا بدت عاصمتنا الأصيلة فى الرابع من يونيو، يوم زيارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما. فكانت الطرق والشوارع خالية، والنظام رائعا، والوجود الأمنى مكثفا لكنك لا تراه بحجم ما ترى الضبط والربط، وكانت الأشجار كثيرة وكثيفة قبل أن تزال، وكان الجو صحوا والسماء صافية، ولا تسألنى كيف أزال الأمن السحابة السوداء.. «لأنى مش عارف»؟!
أترك تحليل مضمون الخطاب للخبراء من أهل السياسة، وإن كنت أرى أن أفضل تحليل لكل كلام هو الأفعال.. وأتوقف عند مشاهد شدت أنظار المصريين.. وأولها مشهد فى القاعدة الجوية التى رابطت بها طائرة الرئيس الأمريكى «إير فورس وان» استعدادا للقيام برحلته التاريخية إلى الشرق الأوسط، حيث صعد أوباما سلم الطائرة جريا بحيوية وشباب.
وكثيرون يعلمون أن درجات السلم ضخمة وصعبة، لكنه رئيس رياضى، عاشق للعبة كرة السلة. وفى القاهرة كرر أوباما مشهد العدو أثناء صعود سلم، وهو فى طريقه لمصافحة الرئيس مبارك بقصر القبة. وكانت هرولته لطيفة وبدت مدفوعة بحرارة اللقاء.. وهى حرارة كشفتها مراسم الاستقبال الرسمية، ومنها إحاطة موكب سيارة الرئيس الأمريكى تسعة فرسان بخيولهم.. هل يحدث ذلك فى استقبالات رؤساء الجمهوريات دائما.. المهم أن المراسم كانت دقيقة ومنظمة ولائقة ومشرفة أيضا.
اختيار جامع السلطان حسن، هذا الأثر الإسلامى المملوكى كان محسوبا بدقة، فهو من أهم الآثار الإسلامية، وفيه قيمة أنه مسجد ومدرسة ويعد معجزة هندسية.. لم يقع الاختيار على مسجد الرفاعى مثلا، وهو قد يكون الأشهر عند العامة. إلا أن زيارة الرئيس أوباما إلى مسجد الرفاعى كانت مستحيلة، ففيه دفن الملك فاروق. وشاه إيران. وزيارته من جانب الرئيس الأمريكى قد تفرز مقالات تحليلية، عن مساندة الملكية فى مصر، وعصر الشاه فى إيران.. فمن يرغب فى تحليل أى شىء، من مباراة بين مصر والجزائر إلى زيارة رئيس الولايات المتحدة لموقع أو لمكان سوف يجد ألف فكرة يضفى بها قيمة على التحليل.. ففى النهاية سوف نرى أن «عيب الورد أنه أحمر الخدين»؟!
كان خطاب أوباما شديد البلاغة.. من أين أتى هذا الرجل بتلك الطلاقة فى التعبير.. مؤكد من الثقافة.. فهو قارئ ودارس فى هارفارد، واحدة من أهم الجامعات الأمريكية.. والمثقف يهز رأسه حين يتكلم فيسقط منه أفكارا جميلة بلغة جميلة، وغير المثقف حين يتكلم، يهز رأسه فتسقط منه أشكال وألوان من الهلفطة والشخبطة.. كان الخطاب بليغا، وكان مرتجلا أو يبدو أنه كذلك، مع أن وكالة رويترز بثت نصه بعد دقائق من بدايته.. فهل كان نصا مكتوبا ومعدا وحفظه الرئيس قبل أن يصعد مسرح جامعة القاهرة؟..
هل كانت هناك شاشة لا نراها يقرأ منها الرئيس النص، وهو أمر ليس غريبا لأن الرؤساء يرون أحيانا ما لا نراه؟.. هل كانت هناك سماعة أذن صغيرة يتلقى منها الرئيس النص ثم يعيد بثه على الحضور.. هل يمكن أن يكون عقل أوباما مرتبا ودقيقا وواثقا إلى هذه الدرجة؟!
هل يمكن أن يخبرنى روبرت جيبس المتحدث باسم البيت الأبيض بالحقيقة؟!
بساطة وتواضع وابتسامة الرئيس باراك أوباما شدت المصريين، وتلك الكاريزما الخاصة التى تحيط به، وراء عشق ملايين الأوروبيين له، ويقال عنه فى أوروبا إنه مثل نجوم موسيقى الروك والسينما عند الناس.. وربما زادت شعبيته عند أهل مصر والعرب بخطابه وشخصيته وبزيارته التاريخية للأهرامات.. بهذا الزى الرياضى البسيط، فنحن لا نرى الرؤساء والملوك والوزراء فى عالمنا بتلك الصورة، ونحن نظن أن الوزير فى مصر حين يلعب مباراة كرة قدم مع أولاده يحرص على البدلة والكرافتة حرصا على هيبته.. ولا أظن أن هيبة الرئيس الأمريكى اهتزت وهو يجرى ويرمح ويمرح بسعادة فى حقل الأهرامات مع الصديق الدكتور زاهى حواس، أحد أشهر المصريين فى الولايات المتحدة.
يبقى أن نحمد الله أن الرئيس أوباما لم يركب الجمل كما كان يتمنى، فمن جهة يبدو صعود الجمل وهبوطه، مثل عملية صعود وهبوط مكوك الفضاء ديسكفرى.. ومن جهة أخرى لا أحد يضمن سلامة الرئيس أوباما وهو فوق سطح القمر، ولا أحد يضمن سلامته وهو فوق ظهر الجمل..؟!