مؤسسة الصحة المصرية فى حاجة إلى بيريسترويكا - سامح مرقص - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مؤسسة الصحة المصرية فى حاجة إلى بيريسترويكا

نشر فى : الإثنين 5 يوليه 2021 - 7:45 م | آخر تحديث : الإثنين 5 يوليه 2021 - 7:45 م
الصحة بدون شك من أهم الخدمات التى تقدمها الحكومات لمواطنيها والتقصير فيها له آثار سلبية على كل مواطن.
نجاح المنظومة الصحية يتطلب موارد كافية، هيكل نظامى حديث، وعناصر بشرية على مستوى عال لتقديم أحسن الخدمات.
مشاركة الحكومة فى تغطية الاحتياجات المادية للخدمات الصحية من الدخل القومى تختلف من دولة إلى أخرى، وحسب احصائيات عام 2018، الولايات المتحدة الأمريكية تخصص 16.9% من الدخل القومى، ألمانيا %11.2، فرنسا 11.2%، بريطانيا %9.8، إسرائيل 7.5%، مصر3%. على الرغم من أن الولايات المتحدة تقدم أعلى نسبة من الدخل القومى للخدمات الصحية، إلا أنها لم تنجح فى تقديم رعاية صحية كافية لكل المواطنين وهذا يوضح أن زيادة الصرف على القطاع الصحى لا يعنى بالضرورة تقديم أحسن الخدمات الطبية فالأهم هو كيفية الصرف وفاعليته.
•••
إعادة هيكلة المنظومة الصحية فى مصر تعرض لها خبراء محليون ودوليون فى هذا المجال مثل الدكتور علاء غنام والدكتور سمير بانوب بالولايات المتحدة، الذى استفادت من خبراته دول عديدة فى الشرق الاوسط.
قدم الدكتور سمير مشروعا متكاملا لتحسين إدارة الخدمات الصحية فى مصر. وللأسف توفى فى مارس 2021 وفقدت مصر خبيرا هاما فى مجال الصحة لم يبخل عن وطنه بخبراته العظيمة التى يبدو أنها لم تتلق الاهتمام المناسب. كان لى شرف معرفة الدكتور سمير من خلال مشاركتى معه فى ورشة عمل نظمها حزب المصريين الأحرار فى شهر مارس عام 2016 تحت عنوان «نحو استراتيجية جديدة لمنظومة الصحة فى مصر» ولاحقا فى ورشة عمل «الإصلاح الشامل لمنظومة الصحة بمصر» تحت رعاية دولة رئيس مجلس الوزراء السابق المهندس/ شريف إسماعيل فى شهر إبريل عام 2017. قدم الدكتور سمير تقريرا للعرض على دولة رئيس الوزراء ولكن تم اتخاذ قرارات مختلفة عن التوصيات التى قدمت.
•••
للأسف لا يوجد فلسفة واضحة لإدارة المنظومة الصحية فى مصر بل يطبق أسلوب استيراد أفكار وحلول من منابع مختلفة واستخدام شركات أجنبية خاصة بتكلفة عالية وينتج عن ذلك حلول مشوهة نتيجة خلط اقتراحات مختلفة يابانية على أمريكية على أوروبية مع إضافات محلية.
يوجد تجارب ناجحة من السهل تطبيقها فى مصر، وفى رأيى الشخصى المتحيز للنظام البريطانى الذى أعتبره من أحسن الأنظمة الصحية فى العالم لأنه يستخدم الموارد بحكمة ويلتزم بفعالية التكلفة cost effectiveness، والقرارات الإكلينيكية مبنية على الأدلة evidence based، وليس بدافع تحقيق مكاسب شخصية للطبيب المعالج بل هدفها الأساسى تقديم أفضل العلاجات وهذا يتم بدون تكلفة مالية للمريض.
من المشاكل الهامة فى الخدمات الطبية هى إدارة التدريب التخصصى. وعلى سبيل المثال أصدر رئيس الوزراء قرار عام 2016 بإنشاء الهيئة المصرية للتدريب الإلزامى للأطباء تلاه قرار عام 2020 بإنشاء المجلس المصرى للتخصصات الطبية، كهيئة عامة خدمية، تتبع رئيس الجمهورية لتحل محل الهيئة المصرية للتدريب الإلزامى للأطباء. هذه القرارات تدل على وجود ارتباك فى محاولة الحكومة لتحسين التدريب الطبى وهذا قد يكون نتيجة نقص التنسيق بين النصائح التى قدمها أهل الخبرة لأصحاب القرار.
•••
لسبب ما يوجد عدم رغبة فى الاستفادة من خبرات الآخرين التى ثبت نجاحها خاصة النظام البريطانى الذى له سمعة مميزة فى التعليم الطبى والتدريب التخصصى وتربطنا به علاقة قوية فى مناهج التعليم الطبى والتدريب التخصصى منذ إنشاء أول كلية طب فى مصر عام ٠١٨٢٧ تغيير وضع الجمعيات الطبية التخصصية المصرية من اجتماعى إلى أكاديمى ليصبح لها الحق فى الإشراف الكامل على التدريب التخصصى ومنح الشهادات التخصصية مثل الكليات الملكية البريطانية تحت إشراف المجلس الطبى العام هو فى رأيى المتواضع حل موضوعى وبسيط سيتطلب فقط تشريعات جديدة لتغيير الوضع القانونى لهذه الجمعيات الموجودة حاليا وتمارس دورها التعليمى بنشاط فى أغلب التخصصات الطبية.
الحوكمة الإكلينيكية هى مفتاح نجاح إدارة المستشفيات، وقد قدمت شرحا تفصيليا لقواعدها إلى مدير مشروع التأمين الصحى الشامل الجديد فى أكتوبر 2019، وقد أبدى اهتمامه الشديد بما قدمته واقترح أن اشترك فى لجنة الوزارة التى ستشرف على تطبيق الحوكمة الاكلينيكية وكان ردى ايجابيا على هذا الاقتراح، ولكن للأسف انقطع التواصل بعد ذلك! أتمنى أن يتم تطبيق ما طرحته على الوزارة والاستفادة من التفاصيل العملية التى قدمتها من خلال تجربتى كرئيس قسم أشعة فى مستشفى جامعى كبير بإنجلترا لعدة سنوات.
المجلس الطبى العام المصرى الذى اقترحت إنشاؤه منذ عام 2012 ليكون مماثلا للمجلس الطبى العام البريطانى وطرحت تفاصيله من قبل لتقنين ممارسة الطب فى مصر للأسف تم تجاهله مع وجود خلط بين دور «المجلس الأعلى للصحة» «والمجلس الطبى العام»، هذا الالتباس منتشر فى منظومة الصحة المصرية، فالمجلس الأعلى للصحة دوره الرئيسى هو إدارة منظومة الصحة والإشراف على تقديم الخدمات الصحية المختلفة بينما «المجلس الطبى العام» له دور مختلف تماما خاصة بالنسبة لإصدار تراخيص مزاولة مهنة الطب بدلا من النقابة ووزارة الصحة ومحاسبة الأطباء بدلا من النقابة.
بعض أفكار المجلس الطبى العام تم تشويهها فى مشروع المجلس المصرى للتخصصات الطبية، هذا المجلس فى الواقع هو خلط غير مفيد بين المجلس الأعلى للصحة والمجلس الطبى العام وهذا المزج يضعف أهداف المجلسين.
بيريسترويكا بمعنى إعادة بناء المنظومة الصحية المصرية ضرورية وسوف تحتاج وقتا ولكن الإصلاح لن يتحقق بدون تعاون صادق من الجميع مع تشخيص مشاكل الخدمات الصحية والتعليم الطبى بموضوعية وبدقة وبدون تحيزات مسبقة للوصول إلى العلاج النافع.
التعليقات